أندهش جدا حين أرى التذمر السائد من قلة انضباط قطاعات عريضة جدا من شعبنا، وعدم مراعاتهم لاعتبارات السلامة والصحة والنظام، وبعيدا عن مقتضيات حياة البعض بالنزول، والحركة سعيا وراء الرزق، أو لأسباب أخرى، يجدر بنا أن نتذكر أن كل ثقافة / حضارة تتعهد أبناءها بتعلم أسس الحياة الرشيدة عبر وسائط متعددة منها الترويح !!
أسس لا تقوم حياة، ولا تتحقق نهضة إلا بها.
يتعلم الناس هذه الأسس عبر أنشطة الحياة اليومية، وفي مناسبات دورية متكررة، حتى تترسخ وتصير أخلاقا ثابتة لديهم، تحركهم في الشدة والرخاء، والسلم والحرب، والأزمات والكرب، في الصراعات، والتحولات، والتفكير، والإبداع، وكافة التفاصيل !!
***
***
في تاريخ الثقافة/الحضارة .. الغربية تبرز الموسيقى عامة، والكلاسيكية خاصة، معلمة وملهمة - بعصورها، وأنماطها، وتنوعها.
تدريبات من سن مبكرة - يحظى بها كل طفل - على الانضباط، الإتقان، التعاون، كفاءة القيادة، عمل الفريق، روح الجماعة، أهمية الزمن، والتجريد، و الاحتشاد، والاحترام، التهذيب، والإصغاء، والحركة بين المادي والروحي، والتركيب، واللغة المشتركة، والبهجة الجماعية، واحترام التنوع، وحسن استثماره وتوظيفه !!
***
***
وقد حرم العداء الأعمى للموسيقى المسلمين المشحونين به من التفاعل، والانفعال بهذا المعطى الهام في حياة البشر، والمرتبط بالكون والطبيعة والدين نفسه، حتى أن القرأن الكريم هو في مستوى من مستوياته كتاب يتلى مع أوامر واضحة بتأمل نغماته والتغني به، وامتداح من يقرأ وكأن صوته مزمار من مزامير داوود النبي - عليه السلام.
حرم بعض المسلمين أنفسهم من تفهم وتذوق للقرآن لن يحصل لهم إلا إذا فهموا ودرسوا اللغة جيدا، والموسيقى !!
***
***
ما قامت به الموسيقى في الثقافة/الحضارة الغربية .. قامت به تقاليد ثقافية أخرى - وإن لم يخل بعضها من موسيقى - في الحضارة العربية - الشرقية - الإسلامية !!!
لكن الصلات الآن منقطعة تماما بين غالبية العرب والمسلمين وبين اللغة العربية، والشعر، والإنشاد الروحي والصوفي، ورواية سير الأبطال، والتأمل في الطبيعةـ وسماع أصواتها !!!
***
***
النتيجة أن الجهل فوّت علينا التدريب الغربي على ما تقدم من قيم - عبر الموسيقى، والتجهيل فوّت علينا التدريب عليها عبر التقاليد الشرقية التي انطمست وضاعت .. ليمتلأ وادينا الطيب بقطعان السائمة ممن تتعثر خطواتهم وحركتهم، وتفسد أذواقهم، وتنحط أخلاقهم، ويتعكر وجدانهم، ويعيشون بلا حياة، ولا إتقان، ولا انضباط، ولا تقاليد جماعية، ولا انسجام وتعاون، ولا نظام، ولا إبداع، ولا تحضّر، ولا أمل !!
كل 5 يونيو .. وأنتم طيبون !!!
واقرأ أيضاً:
جحيم جنة رضوان ... / وصايا عشر في مواجهة الظلم والفقد