منذ سقوط بغداد (1258م) والمنطقة محكومة بغير العرب بأساليب مباشرة أو غير مباشرة. وعند مطلع القرن العشرين أو قبله ببضعة عقود تم استنهاض الوعي القومي عند العرب، ودفعهم للتحرر من قبضة الدولة العثمانية التي تحققت ثورة ضدها (1916م) سُمِّيَت ثورة العرب الكبرى بقيادة "الشريف حسين بن علي" في مكة، وبمساندة الإنجليز وإغراءاتهم بإقامة دولة.
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى (1918م) وتكشُّف بنود معاهدة (سايكس - بيكو) من قبل الثورة الروسية (1917)، وعدم إيفاء دول الحلفاء بعهودها، ونفي الشريف حسين أصبح العرب في كينونات تسمى دولًا بعضها يتمتع بتوصيف الدولة، وأكثرها لا تزال تحت هيمنة الدول المُنتَصِرَة بالحرب العالمية الأولى.
ومعاهدة (سايكس - بيكو) كانت فرصتهم لبناء دولهم الوطنية، لكنهم لم يستثمروا فيها وحسبوها غير ذلك، وهي قائمة على أرض الواقع، فانطلقوا في مسيرة التحرر من الاستعمار، فتمكنت بعض الدول من الاستقلال، وغيرها بقيت حتى العقد السابع من القرن العشرين مستعمرة.
واستقلال الدول لم يساهم بإطلاق تفاعلات وطنية ذات قيمة معاصرة، بل دُفعت إلى ميادين الاستنزاف والتناحرات الخسرانية خصوصًا منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين حيث انطلقت الدعوات القومية، ونشطت أحزابها، وتطورت الأحزاب المؤدينة التي أُنشِئت في الربع الأول من القرن العشرين لمنع المدِّ الشيوعي للمنطقة. وانتهى القرن العشرون والعرب في نكسات وانكسارات، وتَهَيمَن على وعيهم ثقافات الهزيمة والإحباط والحروب العبثية المدمرة.
وفي الجانب الآخر فإن القرن العشرين كان أكثر القرون تسارعًا في الاختراعات والاكتشافات والتطورات العلمية المذهلة، ففي بدايته تحقق اختراع السيارة والطائرة، وتطوَّرت علوم الفيزياء، وتوليد الطاقة الهائلة من انشطار الذرة، والغوص في عالم الإلكترونات وما تمخض عنه من اختراعات غير مسبوقة.
وقبل بداية نصفه الثاني أكتُشِفَت المضادات الحيوية واللقاحات، وإنتاج الأدوية بأنواعها مما ضاعف أعداد البشر وإطالة معدلات الأعمار فأسهمت بإضافات علمية ومعرفية لم تخطر على بال الأجيال في القرون السابقة. وانطلق تسريع آليات التواصل وعصر الكومبيوتر والإنترنت، فتغيَّر العالم، وتصاغر وتفاعل البشر مع بعضه في المعمورة.
فالقرن العشرون مِن أثرى القرون حضاريًّا ومعرفيًّا وعلميًّا وتواصليًّا، ويتساءل البعض عن مساهمات العرب بما تحقق فيه، والجواب أن العرب قد شاركوا بعض الشيء في التقدم الذي حصل في غير أوطانهم، ففي معظم المجالات والاختراعات والثورات ستجد هناك عقل عربي مشارك، حتى في الهبوط على القمر كان للعقل العربي إسهامات.
فالدنيا جميعها لم تشارك في الثورات العلمية التي حصلت، خصوصًا في النصف الأول من القرن العشرين، فما هي إسهامات الصين مثلًا آنذاك؟
فلا يجوز القول أن العرب لم يساهموا وأنهم عالة وغيرها من الأوصاف التدميرية التضليلية التي تَتَمَشدَق بها بعض الأقلام.
العرب وحتى هذه اللحظة يمكنهم أن ينطلقوا ويحققوا ما يريدونه من التقدم والازدهار، فالفرص أمامهم سانحة وطاقاتهم واعدة، وعليهم أن يُفَعِّلوا إرادتهم ويؤمنوا بأنهم قادرون على إنجاز ما يتطلعون إليه.
نعم إن العرب يمتلكون مؤهلات أكون وتحقيق إرادتهم المعاصرة... فهل من وثبة عملية للانطلاق المأمون؟!!
واقرأ أيضاً:
العلم مفتاح الفرج!! / الرؤوس المغلولة / أحمد شوقي صوت النهوض الخالد!!