توجهات جديدة في الت.م.ا خرق التوقعات (3)
2) تعميق الانطفاء Deepening Extinction :
الانطفاء المركب Compound Extinction أو الانطفاء الفائق Super-Extinction كما أسمته ريسكورلا (Rescorla, 2000) أحيانا أو ما يعرف بتعميق الانطفاء Deepening Extinction هو الطريقة الثانية لتحسين فعالية الإجراءات المتبعة في الت.م.ا. ضمن نموذج التعلم المثبط للانطفاء (Craske et al., 2008) و(Craske, et al., 2014) لتكوين ارتباطات جديدة غير مهددة، وتستند إلى فكرة التأثير التيسيري للمحفزات المشروطة المتعددة أثناء التدريب (ضمن الت.م.ا) على الانطفاء، باعتبار أن وجود أكثر من محفز مشروط "م.م" أثناء تعلم الانطفاء يؤدي إلى زيادة توقعات الأذى والتهديد بحيث أن عدم تعزيزها بحدوث المحفز غير المشروط "م.غ.م" يحدث مفاجأة بتناقض الواقع مع المتوقع. أي أن الجمع بين إشارات الخوف يزيد من التناقض بين التوقعات القائمة على الخوف والنتائج الفعلية. فعندما لا تحدث نتيجة مخيفة متوقعة على الرغم من الوجود المتزامن لإشارات خوف متعددة، يجب أن يكون التعلم المثبط أكبر مما يحدث عند وجود إشارة خوف واحدة فقط، وبالتالي فإنه إذا تم تشريط مربع أحمر ودائرة سوداء كلا على حدة مع صدمة كهربية خفيفة بحيث أصبح أي منهما محفزا مشروطا للصدمة أي م.غ.م فإن تقديمهما معا أثناء الانطفاء يعطي نتيجة أفضل من إجراء الانقرض لكل منهما على حدة.
وترجع فكرة هذا التأثير إلى الآليات الترابطية التي يوضحها نموذج ريسكورلا واجنر (Rescorla-Wagner, 1972) في تجاربها على الفئران، حيث يتم تحديد مقدار الانطفاء المتعلم من خلال التناقض بين إجمالي القوة الترابطية لجميع المحفزات الموجودة، وخصائصها المميزة، وعدم تعزيزها للم.غ.م، أي أن نموذج ريسكورلا-فاجنر يتنبأ بأن تقديم اثنين من المحفزات المثيرة للخوف في وقت واحد (الانطفاء المركب)سيزيد من التعلم أثناء التعرض ويقلل من احتمالية الانتكاس، ووفقًا لذلك فإن إحدى الطرق لتحقيق أقصى قدر من التعلم أثناء الانطفاء (وبالتالي تقليل رجوع الخوف) هي رفع توقع الم..غ.م بشكل متكرر، مما يوفر المزيد من الفرص للتناقض بين التوقع والواقع.
التطبيق السريري لتعميق الانطفاء:
يستنتج مما سبق أن الجمع بين إشارات الخوف المتعددة أثناء الت.م.ا. يمكن أن يكون مفيدا في تعميق الانطفاء، ويمكن عمليا تحقيق ذلك من خلال تقديم اثنين من محفزات الخوف المشروطة في وقت واحد (أي تجارب الانطفاء المركب)، فمثلا في مرضى رهاب المصعد يتم التعرض في المرة (أو المرات) الأولى لمجرد ركوب المصعد وحيدة وفي المرة الثانية ركوب المصعد وهو مظلم، وفي مرضى رهاب الفئران تتدرب المريضة بالتعرض الأولي لفأر واحد ثم يعزز ذلك بالتعرض الثانوي بإضافة فأر ثانٍ من سلالة مختلفة في منتصف الجلسة أو الجلسة التالية، أو مثلا للموسوسين بإيذاء من يحبون التعرض بالاقتراب من فرد من أفراد أسرته، يليه التعرض لصور تظهر إيذاء ذلك الفرد، ثم الجمع بين التعرضين (مثلا مشاهدة أو تخيل الأم لصورة إيذاء بنتها وهي تحملها)...إلخ كما تمكن مساعدة شخص يخشى التحرش الجنسي بطفل مثلا من خلال (أ) إجراء تعرض تخيلي لأفكار لمس الطفل جنسيًا، ثم (ب) التعرض في الواقع الحي لمعانقة الطفل أو جعله يجلس في حجره، وأخيرًا (ج) الانخراط في التعرض المشترك لعناق الطفل مع تخيل لمسه/ا جنسيًا. عندما لا تحدث النتيجة المخيفة رغم من وجود إشارات خوف متعددة، فإنها تخلق أمانًا قويًا مكتسبًا لمنع الخوف الوسواسي الحالي.
وكنت قد اعتدت مع مرضى الوسواس القهري المتلقين للع.س.م الخاص بعروضهم الإكلينيكية (مدعوما بالجرعة الأولى أو الثانية من أي معزز سيروتونين م.س أو م.ا.س.ا بحد أقصى) وهم في مرحلة سحب العقار وجلسات المتابعة ومنع الانتكاس في تلك المرحلة كنت أطلب منهم ما سميته فوق التعرض Over Exposure كأن يجمع بين محفزين سابقين (2 م.م) أو أكثر ممارسا للتعرض كنوع من تقوية قدرته على التجاهل وعدم الاستجابة من خلال تقوية قدرته على تحمل البقاء غير مستجيب أيا كان نوع الوسواس فكرة أو صورة أو شعورا أو نزعة ... وهذا هو هدف العلاج القريب كنت أمثل لهم هذه القدرة بأنها كعضلة في الدماغ نطورها أثناء العلاج ونعمل على تمرينها وتقويتها باستمرار لأنها ستبقى بحاجة لذلك.... كنت أمارس ذلك مع كل من أكملوا علاجهم معي من مرضى الوسواس القهري على عشر سنوات مضت (على الأقل) وكأمثلة مع مرضى وسواس زنا المحارم أو غيره من الوساوس الجنسية المصحوبة بتحاشي آخرين، كان على المريض ضمن تدريبات عدم الانتكاس أثناء سحب العقَّار أن يقترب بشكل طبيعي من الشخص أو الأشخاص موضوع وسواسه ثم يستدعي الأفكار أو الصور...إلخ فالاقتراب كان م.م يستدعي الوسواس والتحاشي وقد تم أثناء العلاج بالت.م.ا تعلم عدم التحاشي، وتم تعلم تجاهل الفكرة أو الصورة ... حتى خفتت وبهتت واختفت، وحين نقوم باستدعائها أثناء الاقتراب فنحن نجمع محفزين أو أكثر معا من أجل تجاوز التدرب على التعرض إلى التعود على فوق التعرض... فمفهوم فوق التعرض أو الطريقة التي كنت أمارسه بها تطابق مفهوم تعميق الانطفاء، لكنني أم أجربه أثناء مرحلة العلاج وإنما ضمن تدريبات منع الاتكاس حتى وقت كتابة هذه السطور.
لكن من الواضح أن مفهوم "تعميق الانطفاء" يمكن أن يُمارس بسلاسة ضمن إجراءات الت.م.ا، وهو بالفعل الطريقة المستخدمة في علاج اضطراب الهلع ورهاب الساح حيث يدربون على التعرض الداخليInterceptive Exposure للحواس الفسيولوجية المرهوبة أو محفزات الهلع الداخلية (مثل ارتفاع معدل ضربات القلب) أولا ثم يتم التدرب على التعرض الحي (الواقعي) لمحفز الهلع الخارجي (مثلا المشي في مركز تسوق) ثانيا، (أي تعلم الانطفاء لكل محفز بمفرده) ثم تعلم انطفاء المحفزين معا عندما تتم إضافة التعرض الداخلي (مثلا بشرب المواد المحتوية على الكافيين الذي يزيد الأدرينالين والقلق) أثناء المشي في مركز التسوق (Barlow & Craske, 1988).
ورغم ذلك التضمين النموذجي في تطبيقات الت.م.ا، إلا أن طرق الانطفاء العميق ما تزال تفتقر إلى التشغيل الكامل.... كما أن أغلب الدراسات التي أجريت أو نشرت (Culver, et al., 2015) على تعميق الانطفاء حتى الآن لم تجر على مرضى نفسانيين وإنما على الأفراد ذوي التثبيط السلوكي المرتفع (أي لديهم قابلية الإصابة باضطرابات القلق)، وقد جاءت نتائجها معضدة لصحة المفهوم، بشرط أن يتم تعلم الانطفاء لكل منبه وحيدا في البداية ثم يتم جمع المنبهات كلها ويكرر التعرض وصولا إلى تعلم الانطفاء. لأن دراسة أخرى وجدت نتائج مخالفة عندما أجري تعليم الانطفاء لمحفزين مشروطين معا ... دون تعليم انطفاء كل منهما بمفرده كخطوة مبدئية فكانت النتيجة عندما تم التعريض لواحد من المحفزين هي رجوع الخوف بشدة (Vervliet, et al., 2007)، ربما لأن البشر يتعاملون مع العرض المركب لاثنين من المحفزات معا أثناء الانطفاء كمحفز مختلف عن كل حافز يتم تقديمه بشكل منفصل عند إعادة اختبار الانطفاء لاحقا.
وأخيرا وجدت واحدة من الدراسات السريرية القليلة لاستخدام الواقع الافتراضي Virtual Reality في علاج الرهاب المعين Acrophobia رهاب المرتفعات (McInerney, 2019) كان من أهدافها التحقق مما إذا كان تعميق الانطفاء عن طريق زيادة الإثارة الفسيولوجية أثناء التعرض الآلي للواقع الافتراضي يعزز التغيير المعرفي. وكانت الفرضية الأساسية هي أن تعميق الانطفاء من خلال زيادة الإثارة الفسيولوجية في الواقع الافتراضي من شأنه أن يقلل بشكل كبير من القناعة بالمعتقد (أي يحدث تغييرا معرفيا أكبر) مقارنة بالواقع الافتراضي وحده. إلا أن النتيجة الرئيسية لتلك الدراسة تفيد بأن الاستثارة الفسيولوجية غير مرتبطة بتغيير القناعة، أي إلى أن تعميق الانطفاء قد لا يوفر فائدة إضافية لعلاجات التعرض وأن الإثارة ليست مطلوبة لتحقيق التغيير المعرفي في الواقع الافتراضي، إلا أن من المهم الإشارة إلى أن هذه الدراسة لم تختبر ظاهرة رجوع الخوف أو إعادة الاكتساب أهم ما تدعيه استراتيجية تعميق الانطفاء وهو ما يظل بحاجة إلى دراسات أخرى.
إذن فهناك حاجة إلى مزيد من الدراسات التجريبية في العينات السريرية لتحديد ما إذا كان استخدام تقنيات الانطفاء العميق يؤدي إلى نتائج أفضل على المدى القصير أو الطويل. كذلك من المفيد تحديد الطريقة التي ينبغي بها الجمع بين محفزات الخوف على النحو الأمثل. فمثلا كما توحي فكرة الانطفاء العميق، هل ينبغي على المعالجين أن يأخذوا الوقت الكافي لإجراء التعرض لكل نوع من إشارات الخوف على حدة قبل أن يتم دمجهم حتى يتعلم المرضى أنهم يستطيعون التعامل مع هذه الإشارات بمفردهم وبالاقتران مع بعضهم البعض؟ وما هو التوقيت الأمثل ؟ وهل الشروط المطلوب تحققها في الم.م المستخدم في تعميق الانطفاء هي فقط أن يكون مثيرا لنفس الاستجابة؟ إلخ.
المراجع:
1- Rescorla, R.A. (2000). Extinction can be enhanced by a concurrent excitor. Journal of ExperimentalPsychology, 26, 251-260.
2- Craske MG, Kircanski K, Zelikowsky M, Mystkowski J, Chowdhury N, Baker A. (2008). Optimizing inhibitory learning during exposure therapy. Behav Res Ther. 2008;46 (1) :5–27.
3- Craske, M.G., Treanor, M., Conway, C., Zbozinek, T., Vervliet, B., (2014). Maximizing Exposure Therapy: An Inhibitory Learning Approach, Behaviour Research and Therapy (2014), doi: 10.1016/j.brat.2014.04.006.
4- Rescorla, R. A., & Wagner, A. R. (1972). A theory of Pavlovian conditioning: Variations in the effectiveness of reinforcement and nonreinforcement. In A. H., &W. F. (Eds.), Classicalconditioning II: Current research and theory (pp. 64–99). New York: Appleton- Century-Crofts.
5- Barlow, D. H., & Craske, M. G. (1988). Mastery of your anxiety and panic. Albany, NY: Graywind Publications.
6- Culver NC, Vervliet B, Craske MG. 2015 Compound extinction. Clin. Psychol. Sci. 3, 335 – 348. (doi:10.1177/2167702614542103)
7- Vervliet, B., Vansteenwegen, D., Hermans, D., & Eelen, P. (2007). Concurrent excitors limit the extinction of conditioned fear in humans. Behaviour Research and Therapy, 45(2), 375–383. http://dx.doi.org/10.1016/j.brat.2006.01.009.
8- McInerney J (2019): Deepening extinction in a virtual reality treatment for fear of heights. Research submitted in partial fulfilment of the requirements for the degree of Doctor in Clinical Psychology (DClinPsy), Royal Holloway, University of London.
ويتبع >>>>>> : توجهات جديدة في الت.م.ا الانطفاء المعزز عرضيا (5)
واقرأ أيضًا:
علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية الإكلينيكية2 / علاج و.ل.ت.ق علاج التردد الوسواسي