ظاهرة ضرب الأزواج للزوجات تعتبر من الظواهر الشائعة للأسف الشديد في كل المجتمعات والثقافات، ونسبتها تترواح بين (20-50%) , وهي تزيد في الطبقات الاجتماعية والتعليمية الأدنى. وتختلف شدة الضرب من حالة لأخرى؛ فهناك حالات بسيطة لا تتعدي الدفع باليد، وهناك حالات شديدة ربما تترك إصابات بالغة في الجسد، وربما تؤدي إلى الوفاة. وضرب الزوج لزوجته مرتبط بنظرته للمرأة وكرامتها كإنسانة ومرتبط عند بعض الناس بمفاهيمهم الثقافية والدينية والبيئية التي نشأوا فيها. وفي الثقافة الشرقية والعربية على وجه الخصوص يشكل الدين مرجعية هامة للسلوك؛ لذلك سنحاول رؤية موضوع ضرب الزوجات من المنظور الديني :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تضربوا إماء الله" فجاء عمر رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "ذئرن النساء على أزواجهن"؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال: "لقد أطاف بآل بيت محمد نساءٌ كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم" (رواه أبو داود بإسناد صحيح). ولو تأملنا هذا الحديث جيداً لوجدنا أن القاعدة فيه هي عدم ضرب النساء "لا تضربوا إماء الله" ولكن لما اشتكي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تمرد بعض الزوجات رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضرب كضرورة لإصلاح بعض النفوس الشاذة والجانحة، فاستغل بعض الرجال ذلك، ووسعوا الرخصة والضرورة، فأساءوا بذلك لهذه الرخصة، فنبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاعتدال، وإلى أن الخيرية تقاس بمدى إحسان الرجل لزوجته، ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب أحدا من زوجاته، رغم أنه قد حدثت مشكلات مثل التي في كل بيت، ولكنه صلى الله عليه وسلم قدوة للرجال في حسن المعاملة امتثالا لقول الله تعالى:﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩].
ويستنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الذى ورد في الصحيحين ضرب الرجل لزوجته، وكيفية الجمع بين ذلك وبين العلاقة الحميمة؛ فيقول:"أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره". وإن أكثر الفقهاء قد ربطوا الضرب بالنشوز الشرعي كعصيان الرجل في الفراش، والخروج من الدار بغير عذر، وترك الفرائض الدينية؛ والتعالي على الزوج, فهو كالعلاج بالكي لا يذهب إليه الرجل إلا لضرورة تحتمل ألمه ومرارته. ويرى هؤلاء الفقهاء أن المرأة غير الناشز يحرم ضربها. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الضرب إلا للضرورة، فقد وضع حدوداً لذلك "ضرباً غير مبرح"، وقد سأل عطاء ابن عباس: "ما الضرب غير المبرح؟" فقال:"بالسواك ونحوه".
فإذا انتقلنا للمنظور النفسي فإن الضرب هو أحد وسائل العقاب والذي يهدف إلى تغيير سلوك ما من خلال توقيع أذى بدنيا, وهو أمر غير محبذ في تعديل سلوك الشخص خاصة إذا أفادت وسائل أخرى كنظرة اللوم أو كلمة العتاب أو النقد أو التوبيخ في حالة القيام بفعل مستهجن, وأن العقاب بدرجاته المختلفة يقف عند الحد الذي يرتدع عنده الشخص على الفعل المستهجن, فإذا كانت المرأة مثلا تتأثر بنظرة اللوم فلا يجب زيادة العقاب عن ذلك, وإذا كان يلزمها كلمة عتاب فقط فلا يجب الانتقال إلى النقد أو التوبيخ, .... وهكذا . والضرب رمز للإيذاء ولذلك نوسع الرؤية، ونسأل الرجال أن يكفوا عن كل ألوان الإيذاء كالضغط النفسي والتحقير والمكايدة والإهمال والهجر والقهر، والاستبعاد والإلغاء....... إلخ.
ويجب أن يعلم الزوج ان إيذاءه لزوجته سيرتد عليه إيذاءا أو يتحول إلى أطفاله الذين يحبهم؛ فالمرأة المقهورة المستعبدة سوف تنقل قهرها وظلمها إلى أبنائها؛ فتسيء معاملتهم وتضربهم وتقهرهم، بمعنى أنها تزيح عدوان زوجها نحوهم، والإيذاء عموماً يخرج بالعلاقة بين الرجل والمرأة من دائرة المودة والرحمة التي هي أساس تلك العلاقة في حالة صحتها.
وبعض الرجال لديهم تصور بأن المرأة لا ينصلح حالها إلا بالضرب، وأن المرأة أحيانا تستمتع بهذ الضرب، وتشعر معه برجولة زوجها، وهذا تصور عقيم لا ينطبق إلا على فئات شاذة من النساء لديها ميول ماسوشية، ولذلك تحتاج لرجل لديه ميول سادية، وهذا الوضع المرضي لا ينطبق على الأسوياء من الرجال والنساء.
والمرأة السوية لا تحب ولا تقبل أن يضربها زوجها، وحين يحدث ذلك؛ فإن مساحة الحب والاحترام في نفسها تتقلص تجاهه، وربما تنعدم؛ لأن ذكريات الضرب والإيذاء تحرق كل مرة جزءا من مساحة حبها لزوجها واحترامها له. وقد يقول قائل: ولماذا ذكر الضرب في القرأن والسنة من الأساس إذا كان غير محبذ دينياً ونفسيا؟ . والجواب: أن هذا الخيار "الضرب" يستبقى كأحد الوسائل التربوية والتهذيبية الأخيرة، والتى ربما تحتاجها بعض النفوس الجانحة أوالشاذة في الرجال أو النساء على السواء حين تفشل كل الوسائل الطبيعية المعتادة في إصلاح هذه النفوس.. ولا ننسى أن الضرب شرع في الحدود الشرعية للرجال والنساء على السواء (في شرب الخمر، وفي زنا غير المحصنين، وغير المحصنات، وفي تعزيرات مختلفة).
وأخيرا نذكّر الرجال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب بيدة طفلا أو امرأة أو خادما , وأنه قال "استوصوا بالنساء خيرا" .
واقرأ أيضاً:
المرأة القوية المستقلية / ابن الشاطر الرياضي الفلكي الدمشقي!!