اليأس هو خبرة إنسانية عامة، ربما مررنا بها جميعا في الأوقات الصعبة من حياتنا سواء في الأوضاع الوظيفية أو الحب أو الزواج أو الأسرة أو النواحي المالية أو الأزمات أو الكوارث. وقد تمر هذه الحالة بعد وقت قصير وهذا هو الأغلب، ولكن في بعض الحالات قد تستمر لفترات طويلة وتتعمق في نفوسنا وتسيطر علينا بالكامل وتصبح حالة مزمنة تؤثر في نوعية حياتنا وتحبط قدرتنا على العمل وتعوق حركتنا نحو تحقيق أهدافنا وأحلامنا، وتجعلنا نكره أنفسنا ونكره الحياة، وفي بعض الحالات الشديدة قد تدفع إلى الانتحار، وهنا يصبح اليأس حالة مرضية وكثيرا ما يكون مصاحبا لحالات الاكتئاب.
واليأس هو حالة من فقد الأمل وقلة الحيلة وفقد الطاقة وفقد القدرة على عمل أي شيء للخروج من دائرة اليأس مع حالة من التشاؤم تجاه الحياة والمستقبل. وفي حالة اليأس يفقد الإنسان إيمانه بذاته وبقدراته ويفقد الإحساس بالمعنى في حياته ويفقد الشعور بالسعادة ويفقد الثقة بالناس وربما يفقد الثقة بالعون الإلهي. وقد عرف فيكتور فرانكل صاحب نظرية العلاج بالمعنى اليأس بأنه معاناة اللامعنى، ووضع له معادلة كالتالي :
اليأس = المعاناة – المعنى. وهذا يعني في رأيه أن علاج اليأس يكمن في أن يجد الإنسان معنى لمعاناته وبؤسه، وهذ يعني أن المعاناة والبؤس وحدهما لا يؤديان إلى اليأس، ولكن يجب أن يصاحبهما حالة من فقدان المعنى لما يحدث.
وحالة اليأس قد يصاحبها فقدان لكل المشاعر الإيجابية وفقدان للشهية للطعام وللجنس، وفقدان للرغبة في الحياة، واضطرابات في النوم، وعدم القدرة على التواصل الاجتماعي، وعدم القدرة على التفكير في الحلول، وبالإضافة لذلك ينهار جهاز المناعة ويضطرب نشاط الغدد الصماء في الجسم بما يستتبع اضطراب في هورمونات الجسد وأيضا كيماء المخ، وهذا يجعل الجسد عرضة لغزو الفيروسات والميكروبات وعرضة لأمراض المناعة وعرضة للاضطرابات النسفسجسمية، وعرضة لجلطات الدماغ والقلب، وقد يعرض اليأس الشديد صاحبه للموت. واليأس في هذه الحالة يشكل ظلاما دامسا يلف صاحبه فلا يرى أي مخرج مما هو فيه، ويعجز عن التفكير في حلول لمشكلاته، ويكون تفكيره عدميا متجها نحو الفناء وتدمير الذات.
وحين يكون اليأس عرضا من أعراض الاكتئاب أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب هنا قد يحتاج الشخص لتناول مضادات الاكتئاب حتى تسرع بزوال الأعراض وتعيد للشخص قدرته على التفكير والعمل، وتساعده على تلقي العلاج النفساني والتغير نحو الأفضل ومنع احتمالات الانتحار. ومن العوامل المهمة في العلاج أن يجد الشخص اليائس دعما ومساعدة وتفهما ممن حوله من الأهل والأصدقاء، وهذا يشحنه بطاقة من الأمل والحماس والدافعية ربما هي ليست موجودة لديه في لحظان يأسه، وقد ورد في الأحاديث الشريفة أهمية إغاثة الملهوف، والسعي في قضاء حاجات الناس وتخفيف كرب المكروبين، وكلها شمائل راقية في الإنسان، بجانب كونها دعامات هامة لمن يسقطون في هوة اليأس.
ومن الأشياء التي تقصّر من عمر اليأس أن يكون لدى الإنسان منظومة معرفية عقائدية ترى أن الله يدير الكون، وأنه قادر على كل شيء فيه، وهذه القدرة ليس لها حدود، وهو الذي وعد بأن كل عسر حتما سيتبعه يسر، وأن هذا هو قانون الحياة، وأنه كلما أغلقت الأبواب المعتادة في وجوهنا فإن أبواب الله لا تغلق، وأن رحمته وسعت كل شيء.
وحين تترسخ في نفوسنا هذه المعاني الروحية العميقة فإن هذا ينعكس في نظرة إيجابية للذات وللآخرين وللحياة وللمستقبل، وثقة بلا حدود في عون الله وقدرته ورحمته، وثقة في أن كل مشكلة ولها حل، وأن بعد كل عسر يسرا، وأن مالا نستطيعه اليوم قد نستطيعه غدا، وهذا كله يصاحبه حالة من السعادة والطمأنينة والرضا وانشراح الصدر وراحة الضمير، والقدرة على حل المشكلات وعلى الإبداع، وينعكس هذا على صحة الإنسان النفسية والجسدية وعلى علاقته بالله وعلاقته بالناس.
واقرأ أيضاً:
أمخاخ متعددة / الزوجة الزنّانة Nagging Wife