في مؤتمر الجمعية الأمريكية للطب النفسي بسان فرانسيسكو 20-24 مايو 2023 م لاحظت أن أكثر من جلسة ودورة تدريبية تختص بالعلاقة بين الصحة النفسية والنوم، وأن كثيرا من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق وضعف الذاكرة ومرض ألزهايمر، وغيرها من الأمراض تتعلق بمشكلات في النوم وخاصة النوم العميق (المرحلة الثالثة والرابعة من النوم). وتوجد ظواهر أخرى تقلل من فرص استمرار الشخص في النوم العميق ومنها انقطاع النفس النومي والذي يؤدي إلى توقف التنفس حوالي 10 ثوان ويتكرر ذلك مرات كثيرة أثناء النوم ويتبعها شخير في النوم ويصبح الشخص مجهدا ومعتل المزاج حتى ولو نام ساعات طويلة، وهذا الانقطاع المتكرر للتنفس يضر كثيرا بصحة المخ والغريب أن الشخص ذاته لا يشعر بهذا الانقطاع في التنفس، ولكنه يعاني من آثاره . وهناك اضطراب آخر يسمى"متلازمة تململ الساقين" ليلا، وهو يؤدي إلى عدم استقرار النوم ليلا وقلة النوم العميق ... وإذا كان انقطاع النفس النومي شديدًا ولم يتم علاجه، فإن الأشخاص المصابين عرضة لخطر الوفاة بمعدل ثلاثة أضعاف الأشخاص الآخرين، أي أن قلة النوم تقصف العمر.
وأظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس النومي الحاد، والذين يقضون وقتا أقل خلال مرحلة النوم العميق، المعروف أيضًا بنوم الموجة البطيئة، أصيبوا بضرر أكبر في المادة البيضاء، وأظهرت الفحوصات الإشعاعية ظهور ما يسمى "فرط كثافة المادة البيضاء". والمادة البيضاء عبارة عن الأنسجة التي تشكل الروابط بين خلايا الدماغ وبقية الجهاز العصبي... وتبين أن وجود المزيد من فرط كثافة المادة البيضاء يمكن أن يبطئ من قدرة الدماغ على معالجة المعلومات، والانتباه، والتذكر. كما تم ربط المستويات المنخفضة من المادة البيضاء باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، والقلق، وسرعة الانفعال.. وبعض الدراسات تشير إلى علاقة اضطرابات النوم بمرض ارتفاع ضغط الدم وما ينتج عنه من مضاعفات مثل تصلب الشرايين والسكتات الدماغية والقلبية، وأيضا ضعف جهاز المناعة وما ينتج عنه من التهابات في الدماغ وفي أماكن مختلفة بالجسم، وحتى الأمراض السرطانية.
وهناك نوعان من النوم: النوم ذي حركة العين السريعة (النوم النقيضي، أو النوم الحالم)، والنوم بدون حركة العين السريعة (النوم التصالحي، أو النوم العميق) . والنوم العميق عبارة عن أربعة مراحل، وخلال المرحلتين الأولى والثانية من النوم، يبدأ الجسم بإبطاء إيقاعه لإعطاء فرصة لراحة الجسم، ثم يتبع ذلك الانتقال للمرحلتين الثالثة والرابعة، وهي ذات موجات بطيئة أو نوم عميق حيث يستعيد الجسم نفسه على المستوى الكيميائي والخلوي وتتم عملية صيانة كاملة والتخلص من السموم المتراكمة عبر فترات النشاط في النهار. ومن المعرف أن الذاكرة طويلة الأمد تتم أثناء النوم من خلال تكوين بروتينات في المخ تحتفظ بالذكريات، ولهذا يعاني الأشخاص ذوي اضطرابات النوم من مشكلات في الذاكرة قد يصل إلى مرض ألزهايمر. وقد وجد أن قلة مراحل النوم العميق تؤدي إلى ترسبات من بروتين بيتا أميلويد، والذي اتضح علاقته بمرض ألزهايمر.. وهذا البروتين يشكل مايطلق عليه العالم "إيزاكسون" (المشارك في أبحاث النوم) "قمامة المخ"، وأن هذه القمامة يتم إزالتها أثناء مراحل النوم العميق.
وأظهرت دراسات أخرى أن فقدان نوم حركة العين السريعة، قد يؤدي أيضا إلى عجز في الذاكرة، وضعف القدرات المعرفية، بالإضافة إلى أمراض القلب والأمراض المزمنة الأخرى، والموت المبكر.. ويواجه العديد من كبار السن مشكلات في النوم قد تصل نسبتهم إلى 25%، أما المصابين بحالات الخرف الشديدة ومنها الزهايمر فإن 50% منهم يعانون من اضطرابات في النوم، وهذه الاضطرابات قد تنشأ من مرض الخرف، وهي في نفس الوقت تزيد من حدة المرض.. ويعاني مرضى الخرف من ظاهرة تسمى "غروب الشمس" حيث تزيد اضطراباتهم ليلا، وتزيد حركتهم وقلقهم وتوترهم واضطراب أفكارهم وتصرفاتهم وعدوانيتهم وتجوالهم في ذلك الوقت، وقد يؤدي هذا إلى تعرضهم لمخاطر كثيرة كالسقوط، أو الاصطدام، أو الخروج بلا وعي من البيت.
وهناك بعض العوامل قد تسهم في اضطرابات النوم وظاهرة غروب الشمس وهي:
• ضعف التغذية .
• وجود أمراض متعددة كالسكري وارتفاع ضغط الدم وآلام المفاصل وضعف المناعة، وقلة السوائل في الدم، والإمساك المزمن، وغيرها .
• الإجهاد العقلي والبدني .
• التغييرات في مواعيد النوم واليقظة.
• النوم الكثير أثناء النهار.
• التوَهان، والهذيان .
• انخفاض الإضاءة وزيادة الظلال، ما قد يجعل الأشخاص المصابين بالخَرَف يشعرون بالارتباك والخوف .
والسؤال الآن: كيف نحصل على قدر كاف من النوم، وخاصة النوم العمي؟
والإجابة تتلخص في النقاط التالية:
• تثبيت مواعيد النوم واليقظة قدر الإمكان .
• علاج الاضطرابات التي تقلل من النوم العميق مثل القلق والاكتئاب، وانسداد التنفس النومي، ومتلازمة تململ الساقين، والسكري وارتفاع ضغط الدم، وأي أمراض يصاحبها آلام في الجسد .
• العناية بالتغذية المتكاملة الطبيعية والابتعاد عن الأغذية المحفوظة أو المحتوية على مواد حافظة أو ملونة أو مكسبات الطعم والابتعاد عن الوجبات السريعة المشبعة بالزيوت والدهون والبهارات، وأخذ كميات كافية من السوائل وتجنب المشروبات الغازية، والإكثار من الخضروات والفواكه الطازجة .
• تجنب المنبهات كالتدخين، والشاي والقهوة، وتجنب المخدرات والمسكرات بجميع أنواعها .
• تحسين بيئة وظروف النوم من حيث الهدوء ودرجة حرارة الغرفة ودرجة رطوبتها، والسرير والوسائد والأغطية والملابس المريحة، والإضاءة الخافتة المناسبة .
• ممارسة الرياضة البدنية مثل المشي وغيره من التمرينات، فهي تعمل على تعزيز نوم أفضل في الليل.
• تجنب النوم الكثير في النهار، ولا مانع من قيلولة قصيرة بعد الظهر.
• تهيئة أجواء هادئة في المساء تساعد الشخص على الاسترخاء من خلال القراءة، أو سماع الموسيقى الهادئة، أو ممارسة تمارين الاسترخاء، أو الصلاة، أو قراءة القرآن، أو ترديد الأدعية المطمئنة .
• تنظيم الأدوية : بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، مثل البوبروبيون والفينلافاكسين والمودافينيل ، يمكن أن تؤدي إلى الأرق. أما مثبطات الكولينستراز، مثل دونبيزيل، فهي قد تحسن القدرات المعرفية والسلوكية لدى مرضى داء الزهايمر ولكن يمكن أن تسبب الأرق أيضًا. إذا كان الشخص المصاب بالخَرَف يتناول هذه الأنواع من الأدوية يجب الانتباه إلى جرعات ومواعيد تناولها، خاصة في كبار السن .
• قد يساعد الميلاتونين في تحسين النوم وتقليل متلازمة الغروب عند الأشخاص المصابين بالخَرَف، وذلك من خلال تأثيره على الساعة البيولوجية في المخ .
وإذا فشلت كل هذه الوسائل في تحسين النوم فيمكن استخدام بعض الأدوية التي تحسن الدخول في النوم وتؤدي إلي استمراره الوقت الكافي والدخول في مراحل النوم العميق، ولكن يجب أن يتم اختيارها بعناية حتى لا تسبب إدمانا لدى المريض، ولا تسبب مشكلات لدى كبار السن مثل السقوط، أو التوهان أو الهذيان، أو الموت المفاجئ.
وأخيرا نصل إلى قناعة بأن النوم هو ميزان الجسم والمخ والعقل، ومدخل مهم للصحة النفسية، وأن اضطرابه يرتبط بالعديد من الأمراض الجسمية والنفسية، ولهذا وجب الاهتمام به.
واقرأ أيضاً:
الزوجة الزنانة / الدعم النفسي للأشخاص في زمن الأوبئة والحروب3