"وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ"
هذا الفصل يتناول قضية المكسرات من زاوية تأثيرها على واحدة من أهم مناطق الدماغ وهي الجزيرة والتي تتحكم بعواطف الإنسان واستقباله لمختلف الأحاسيس. يبدأ المقال في الحديث عن المكسرات ومن ثم يتطرق إلى الجوز وينتهي الحديث عن منطقة الجزيرة في الدماغ.
المكسرات بأنواعها كثيرة الانتشار ويستهلكها الناس قبل وجبات الطعام، وأحيانا بين وجهات الطعام وتدخل كذلك في مختلف أطباق الطعام في الشرق والغرب على حد سواء. المثل الشائع هو أن الجيد في الحياة يأتي على شكل قطع صغيرة، وهذا بالضبط ينطبق على المكسرات بأنواعها فهي تتميز بقوتها الغذائية ومشحونة بالدهون الصحية والبروتينات والفيتامينات والمعادن. رغم فوائدها الصحية التي لا غبار عليها ولكنها أيضاً سلاح ذو حدين.
تحتوي المكسرات عموماً على سعرات عالية نسبياً، ولذلك الإسراف فيها قد لا يساعد على فقدان الوزن. تحتوي المكسرات تقريباً على ستة آلاف سعرة حرارية لكل كيلوغرام منها، ولذلك لا ينصح أحد بأن يتجاوز استهلاكها اليومي أكثر من ١٠٠ غرام. مقابل ذلك فهي مواد غذائية هضمها أصعب بكثير من غيرها ولذلك حين تستهلك كمية معينة منها فأنت بالضرورة لا تستهلك جميع السعرات الحرارية. بعبارة أخرى يمكن القول بأن قيمة سعراتها الحرارية Caloric Value النظرية أعلى من قيمتها الحقيقية.
الإنسان الذي يسعى إلى المحافظة أو الوصول إلى وزن صحي يحتاج إلى تنظيم وجباته الغذائية وتوازن استهلاكه للطعام بصورة منتظمة. المكسرات تساعد على ذلك بفضل تأثيرها على الشعور بالجوع. في دراسة علمية تم ملاحظة زيادة فعالية منطقة الجزيرة اليمنى Right Insula في الدماغ مع استهلاك طعام تم تحضيره مع استعمال ٤٨ غراماً من الجوز1 لمدة أسبوع مقارنة بمجموعة أخرى من المتطوعين المصابين بالبدانة يستعملون نفس المستحضر والذي لا يختلف طعامهم عن طعام المجموعة الأخرى ولا يمكن التمييز بينهما. من جراء ذلك كان إقبال المتطوعين بعد أسبوع على الأطعمة العالية السعرات أقل من غيرهم. ولكن المكسرات بأنواعها قد تفسد الشهية مع الإسراف فيها وكثيراً ما ترى الضيف يعزف عن الطعام مع كثرة استهلاكه للمكسرات التي يتم وضعها على الموائد من قبل المضيف قبل وقت وجبة الطعام الرئيسيّة.
ميزات المكسرات الغذائية العامة
السعرات الحرارية للفستق والكاجو واللوز متساوية قريباً وتساوي ٦٠٠ سعرة حرارية لكل ١٠٠ غرام. أما مكسرات مقاديماي Macadamia nuts والبقان Pecan فهي أكثر من ذلك وتقترب من ٧٠٠ سعرة حرارية لكل ١٠٠ غرام. جميعها تحتوي على حوامض دهنية وبروتين وألياف ورغم أن الألياف قد تساعد على تثبيط الشهية ولكن يبدو أن الفعالية المركزية لتثبيط الشهية ولا تختلف ربما عن ما يحدث من جراء استهلاك الجوز. الدهون كقاعدة عامة أكثر في مكسرات مقاديماي والبقان مقارنة بغيرها.
طريقة تحميص المكسرات تلعب دورها في خفض القيمة الغذائية. التحميض الجاف عموما لا يؤثر على قيمتها الغذائية، ولكن هناك طرق تحميص تستعمل الزيت المهدرج الذي يحتوي على أوميجا – 6 وهذا بالتالي يفسد القيمة الغذائية للمكسرات ويزيد من سعراتها الحرارية وينتهي الفرد مستهلكاً سعرات حرارية فقط.
الجوز
كل ١٠٠ غرام من الجوز تحتوي على ٦٥ غرام من الدهون معظمها دهون متعددة غير مشبعة. هناك ١٤ غراماً من الكربوهيدرات نصفها من الألياف وأقل من ربعها سكر. فيها ٣٠ غراماً من البروتين والذي يشكل ٣٠٪ من احتياج الإنسان اليومي من البروتينات عموماً. كل ١٠٠ غرام من الجوز تجهز الإنسان بما يلي من احتياجه اليومي:
نسبة الاحتياج اليومي | المادة |
٢٥٪ | سعرات |
٣٠٪ | بروتين |
٤٪ | كربوهيدرات |
٣٠٪ | دهون |
٢٨٪ | ألياف |
٢٥٪ | فيتامين B6 |
٢٪ | فيتامين C |
١٢٪ | بوتاسيوم |
٣٩٪ | مغنيسيوم |
٩٪ | كالسيوم |
الفوائد الصحية العامة للمكسرات
1- الجوز يحتوي على الحمض الأميني ١ – ارجنين amino acid 1-arginine المعروف بفوائده الصحية في التجارب العلمية على صحة الدورة الدموية. ولكن هذا الحمض الأميني قد يؤدي أحياناً إلى استنزاف حمض أميني آخر وهو اللايسين Lysine وهذا قد يؤدي إلى تكرار الإصابة بفيروس الهربس ولذلك هناك من ينصح بعدم الإسراف بأكل الجوز لمن يعاني من هربس ناكس Herpes Recurrens.
2- يحتوي الجوز على حمض ألفا لنوليك Alpha Linoleic Acid(ALA) الذي يمتلك فعالية مضادة للالتهاب وبالتالي يساعد على الوقاية من النوبات القلبية القاتلة، وهذه فرضية نظرية بحتة. هناك دراسة استنتجت بأن الجوز لا يقل فعالية عن زيت الزيتون2 في فوائده للقلب والدورة الدموية.
3- يحتوي الجوز على العديد من مضادات الأكسدة المعروفة بفوائدها الصحية.
4- تحسين الخصوبة وصحة الحيامن في الرجال وهذا أيضاً استنتاج نظري.
5- صحة الدماغ.
6- المساعدة في علاج السكري من النوع الثاني.
الجزيرة Insula والمكسرات
هذه المنطقة في دماغ الإنسان لم يبالي بها أحد لفترة طويلة حتى تحدث أحد الباحثين في العلوم العصبية عن فرضية العلامات الجسدية في نهاية القرن العشرين من الألفية الماضية3. هذه الفرضية مفادها بأن التفكير العقلاني لا يمكن فصله عن المشاعر والعواطف وفي وقتها أشار إلى أهمية منطقة الجزيرة المهملة في الدماغ. بعد ذلك تم رسم الدوائر العصبية التي تربط الجزيرة ببقية مناطق الدماغ، وتم تثبيت استلام الجزيرة إلى معلومات عدة من مستقبلات النهايات العصبية في الجلد والأعضاء الداخلية.
هذه المستقبلات تستقبل أحاسيس مختلفة من حرارة، برد، حكة، ألم، جوع، عطش وغير ذلك، ولكن الجزيرة لا تستقبل الشعور باللمس والتوازن. على ضوء ذلك يمكن القول بأن لكل إنسان مشاعر يمكن تعريفها كأحاسيس التي بدورها تثير الدوافع واتخاذ القرار وتحيزه أحياناً. يمكن توضيح ذلك بعدة أمثلة كالشعور بالتوتر واستعمال النيكوتين واندفاع الإنسان لاستعماله، يمكن تطبيق ذلك على النهم العصبي ومختلف أنواع سلوك الإدمان. إذا تشعر بالجوع تبحث عن الطعام، وإذا شعرت بالحرارة تبحث عن البرودة وهكذا. بعبارة أخرى فرضية العلامات الجسدية تشير إلى أن العمليات العاطفية تتأثر وتتحيز بسبب أحاسيس في الجسد مثل سرعة خفقان القلب والشعور بالقلق، الشعور بالاكتئاب أحيانا والإسراف في أكل الطعام، رائحة معينة والشعور بالاشمئزاز، لمسة دافئة والشعور بالسعادة وهكذا.
ولكن الجزيرة في دماغ الإنسان والشمبانزي وكذلك الحيتان تختلف عن بقية الثدييات، مع وجود خلايا معينة تدعى بخلايا VENs وهي مختصر لخلايا لون ايكونمو Von Economo Neurons باسم العالم الذي اكتشفها4. هذه الخلايا العصبية تتواجد في المنطقة الأمامية من الجزيرة وعددها في دماغ الإنسان أضعاف عددها في الشمبانزي والحيتان. تم اكتشافها في عام ١٩٢٦ وهي على شكل سيغار مدبب في النهايتين.
الجبهة الأمامية للجزيرة هي المنطقة التي يتم فيها صياغة العواطف الاجتماعية مع استعمال إشارات على شكل أحاسيس من جميع مناطق الجسم. هناك الشعور بالكراهية والحب، الامتنان، الاستياء، الثقة بالنفس، الشعور بالحرج، التعاطف، عدم الثقة بالآخرين، الاحتقار، الازدراء، التكفير، الخداع، والشعور بالذنب. بعبارة أخرى يتم صياغة ما تحس فعلاً في إطار عاطفة اجتماعية.
يؤدي تدمير الجزيرة في الدماغ إلى عدم قدرة الإنسان على استيعاب الإطار العاطفي للموسيقى والشعر، ولا يشعر الإنسان بالقدرة على استباق الحدث واتخاذ الاحتياطات اللازمة، ولا يشعر بالوقت وقيمته. بعبارة أخرى يضيع الإنسان في جزيرة مهجورة.
الخلاصة
المكسرات مواد غذائية صحية ولها فوائدها ولكن سعراتها الحرارية عالية مقارنة بحجمها. رغم أنها قد تفسد الشهية مع الإسراف في استعمالها، ولكن هناك دليل علمي حديث يشير إلى تأثيرها على منطقة الجزيرة في الدماغ وذلك قد يساعد على تنظيم شهية الإنسان وعزوفه عن الطعام الذي يسرف فيه والذي قد يؤدي إلى السمنة. هي مصدر للبروتين لا يختلف عن البيض، والحساسية لنوع ما من المكسرات لا يعني الحساسية لأنواع أخرى يستهلك الإنسان مكسرات تم تحضيرها عن طريق التحميض ويجب الانتباه إلى ذلك، فالتحميص بالدهون المهدرجة يحول المكسرات إلى مجرد سعرات حرارية لا قيمة لها.
مصادر
1- Farr O, Tuccinardi D, Updadhyay J, Oussaada S, Mantazoros C. Walnut consumption increases activation of the insula to highly desirable food cues: A randomized, double-blind, placebo-controlled, cross-over fMRI study. Diabetes Obes Metab.2018, 20(1): 173-177.
2- Steffen L, Yi S, Duprez D, Zhou X, Shikany J, Jacobs D. Walnut Consumption and Cardiac Phenotypes: the Coronary Artery Risk Development in Young Adults (CARDIA) Study. Nutr Metab Cardiovas Dis 2021, 31(1): 95-101.
3- Uddin L, Nomi J, Herbert-Seropian B, Ghaziri J, Boucher O. structure and function of the human insula. J Clin Neurophysiol 2017, 34(4): 300-306.
4- Aliman J, Teteault N, Hakeem A et al. The von Economo neurons in fronto-inular and anterior congulate Gyrus. Ann N Y Acad Sci 2011, 1225: 59-71.
واقرأ أيضاً:
اليقظة العقلية Mindfulness / تعامل الدماغ مع التعلق و الصدمات