السائد في الخطابات والكتابات كلمة "السابق"، هذه الشماعة التي صرنا نعلق عليها عجزنا وإخفاقاتنا في كافة المجالات.
كلمة لا تغادر أفواه الكراسي، وتتردد في المحافل والمنابر والمواقع، ووسائل الإعلام بأنواعها، وما غادرتنا، بل صارت تجتذب قرونا وربما ملايين السنين، بل وما قبل بدء التأريخ.
فكأننا أمة تحكمها الأجداث، وتجد تبريراتها المريحة للضمير في الغابرات، ويساهم مفكروها ونخبها بتضليل الأجيال وإيهامهم، بأن ليس في الإمكان خير مما هو كائن، بسبب ما كان.
العجيب أن "كان" تتسيد علينا، وتمنعنا من استحضار فعل مضارع واحد.
أستمع لحوارات متنوعة، وتتكرر فيها كلمة "سابق"، ولا يوجد اكتراث لكلمة "لاحق"، فالسابق هو القائد والسائد، وما هو قائم من إنتاج ما سبق، وإياك أن ترى غير ذلك، فهل وجدتم مجتمعات تتفاعل بهذه العقلية الإنقراضية؟
يذكر أحدهم أنه قابل السفير الفيتنامي وراح يتحدث معه عن الحرب مع أمريكا، فأجابه، إن فيتنام ليست في حرب، إنها تعمل من أجل مستقبلها الأفضل، فتأملوا حالها اليوم، وأنظروا ما وصلت إليه اليابان، والكوريتان، فأين مجتمعاتنا من أحوال غيرنا الذين أصابهم أضعاف ما أصابنا من الويلات.
المجتمعات التي حاربتها القوى الكبرى، خرجت من حروبها بإرادة أقوى وقدرات أكبر، وانطلقت في مسيرة التقدم والنماء، إلا مجتمعاتنا، فأنها تندحر في سلوكيات النواح والتفاعلات الانكسارية الاحباطية المريرة، وتتفنن باللطم على الوجوه والصدور.
علينا أن نشيّع "السابق" إلى مثواه، ونتعامل مع الأيام التي نحن فيها ونعيشها بكامل وعينا وطاقاتنا الكامنة فينا، فالمجتمعات التي تقدمت ليست خير منا، لكنها تمسكت بإرادتها وتوثبت إلى الأمام الفسيح، فتطورت وتنامت أجيالها وبراعمها الواعدة بالقدرة على صناعة الحياة.
إنها مجتمعات لا تحشر الحياة في الدين، فالحياة العزيزة الكريمة حق الجميع، والدين حق مَن يشاء وكما يشاء.
فهل للإنسان قيمة في ديارنا؟!!
وهل نعرف الصراط المستقيم؟!!
واقرأ أيضًا:
النووي والوبائي!! / الطغيان!!