تشخيص الاكتئاب وعلاماته في المراهقين لا يسهل التحري عنها وطالما يتم تفسيرها بتحديات المراهقة والتعليم. ما نعلمه بأن العديد من البحوث استنتجت وجود ارتباطات عصبية بيولوجية بين الاكتئاب ووظائف المخ وبنيته في البالغين.
النتائج النموذجية تتضمن انخفاض حجم الحصين hippocampus الذي هو مخزن ذكريات الإنسان، انخفاض حجم المادة الرمادية المخية في الدماغ التي تمثل خلايا الدماغ عموماً وبالذات القشرة الحزامية الأمامية anterior cingulate gyrus ACC. هذه الآثار العصبية البيولوجية لا تزال قابلة للاكتشاف حتى بعد الشفاء وبسبب ذلك اقترح الكثير أن هذه علامات سمة تشير إلى زيادة التعرض للإصابة باضطراب الاكتئاب.
تظهر أولى علامات الاكتئاب لدى العديد من المراجعين في مرحلة المراهقة ويبلغ معدل انتشار الاكتئاب التراكمي بحلول نهاية فترة المراهقة بما يقارب 20%، ومن اللافت للنظر بشكل خاص الارتفاع السريع في معدل الإصابة بالاكتئاب في مرحلة المراهقة المبكرة، وهذه بدوره دفع العديد من الباحثين في دراسة الآليات السببية المحتملة الكامنة وراء هذا الخطر المتزايد. النتائج أعلاه في البالغين لم يتم تكرارها في العديد من البحوث، وبعض الدراسات تميزت بعينات صغيرة نسبية. يمكن تفسير ذلك بأن فترة المراهقة هي مرحلة إعادة تنظيم كبير للمادة الرمادية والبيضاء في الدماغ. الهياكل تحت القشرية subcortical هي الأقدم من الناحية التطورية فلذلك تصل ذروة أحجامها في عمر 8 أعوام في الإناث و10 أعوام في الذكور في حين تصل ذروة حجم المادة الرمادية في القشرة الجبهية والجدارية في عمر 12 عاماً، ولكن القشرة الصدغية لا تصل ذروة حجمها قبل عمر 16 عاماً.
أما بالنسبة للحصين الذي يقع في المنطقة تحت القشرية نرى حجمه ينمو بصورة مستمرة إلا في الدماغ المكتئب حيث تم الإبلاغ عن انخفاض حجم الحصين بشكل مستمر في المراهقين المصابين بالاكتئاب ويتم تفسير ذلك أحيانا بالتفكير القهري compulsive brooding الذي كثيراً ما يتم ملاحظته في اليافعين والذي يؤثر على عملية الذاكرة العرضية وهذا بدوره يفسر انخفاض حجم الحصين.
آخر بحث علمي موسع تم نشره هذا الشهر في مجلة Nature تتطرق إلى دراسة شبكات الدماغ المختلفة. يعتبر سطح الدماغ أشبه بصندوق تقاطع اتصال حيث تتصل شبكات مختلفة بعضها مع البعض الآخر، ولكن هناك في نفس الوقت مساحة محدودة للمشاركة بين هذه الشبكات. يشير البحث إلى أن في المراهقين المصابين بالاكتئاب هناك مشاركة أكبر للشبكات التي تتحكم في الاستجابة للمكافآت والتهديدات مقارنة بأولئك الذين لا يعانون من الاكتئاب، ذلك بدوره يعني بأن المسامحة المتوفرة للشبكات الأخرى المجاورة أصغر نسبياً. تم استخدام رسم الخرائط الوظيفية الدقيقة التي تحلل نتائج رسوم الرنين المغناطيسي الوظيفي، وكانت النتيجة أن جزء الدماغ المعروف بشبكة بروز الفص الجبهي المخططي Frontostriatal Salience Network توسعت بنسبة 73% في المصابين بالاكتئاب.
أضاف فريق الباحثين أيضاً أن تحليل مسح الدماغ من 57 طفلا أصيبوا بالاكتئاب في مرحلة المراهقة كشف عن توسع شبكة الدماغ هذه قبل عدة سنوات من ظهور أعراضهم بينما توسعت أيضاً لدى البالغين المصابين بالاكتئاب المتأخر.
ليس من الواضح بالطبع إن كانت هذه الشبكة الموسعة نتيجة لجينات المراجع أو أحداث الحياة وإن كان هذا الارتباط بالاكتئاب مصدره توسع الشبكة أو صغر حجم الشبكات الأخرى.
هذا البحث الجديد في غاية الأهمية، ولكن هناك الحاجة إلى تكراره رغم كبر حجم العينة والتحدي الأكبر إمكانية عكس شبكة بروز الفص الجبهي المخططي الموسعة بالتدخل المبكر.
المصدر:
The N et al. A mega-analysis of functional connectivity and network abnormalities in youth depression. Nature Mental Health 24 September 2024.
واقرأ أيضًا:
دماغ المراهق المكتئب / الدماغ المكتئب!2