تشير آخر التقارير إلى أن عمليات التجميل تكلف كل عام 400 مليار دولار على مستوى العالم، ولهذا قامت البنوك بعمل عروض لإمداد راغبي التجميل بقروض طويلة الأمد لتحقيق رغباتهم في عمليات التجميل، وأن النساء يشكلن 75% من مجموع طالبي عمليات التجميل في حين يمثل الرجال 25% من زوّار جراحي التجميل، وفى أمريكا وحدها يتم إنفاق 160 مليار دولار سنويا على هذه العمليات، ويقول خبراء التجميل بفخر شديد أن هذا دليل على أننا دخلنا مرحلة ثقافة التجميل.
ولو انتقلنا من العالم الأوسع إلى عالمنا العربي لوجدنا إقبالا شديدا من كل الأعمار والمستويات على عمليات التجميل، فهذه تنفخ وجهها وتلك تنفخ ثديها وثالثة تصغر ثديها ورابعة تشفط دهون بطنها وأردافها، وخامسة ليست لديها أية مشكلة في وجهها أو جسمها ولكنها تحمل كتالوجا إلى جراح التجميل لكي يحقق لها حلمها في أن يكون لها مثل: شفايف نانسي، وصدر إليسا، وجسد هيفا، وبشرة أصالة، وعيون صفية.
ويبدو أننا دخلنا مرحلة عشق الصورة نظرا لجلوس الناس أمام شاشة التليفزيون وشاشة الكمبيوتر لساعات طويلة وقد نسى الناس أن الله لا ينظر إلى صورهم ولا إلى أجسادهم ولكن ينظر إلى قلوبهم. وهكذا أصبحت الحياة أستوديو كبير يقوم فيه جراح التجميل بدور المؤلف والمخرج، ودخلنا في حالة من هوس التجميل ضاع معها مفهوم الجمال وآفاقه.
فلا شك أن الله قد خلق الكون كله على قاعدة الجمال: "الذي أحسن كل شيء خلقه"، فالجمال في السماء "وزيناها للناظرين"، والجمال في الأرض "وأنشأنا فيها حدائق ذات بهجة" والجمال حتى في الحيوان "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" والجمال في الإنسان "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، وهذا كله جمال فطري طبيعي بمقاييسه واختلافاته.
وهناك ما يسمى بجمال الشواش وهو الجمال الذي نراه في الجبال بأشكالها غير المنتظمة وفي تشكيلات السحب أيضا، ولا يصح أن نقول بأن الجبال في حاجة إلى تعديل شكلها لتكون مربعة أو مستطيلة أو دائرية، فجمالها هو في شكلها هكذا. والإنسان أيضا خلقه الله بمواصفات معينة ليكون لكل شخص خصائصه، فلو افترضنا خصائص مثاليه وأخضعنا كل الناس أو غالبية الناس لها لوجدنا أنفسنا أمام أشكال متكررة من البشر بلا معنى وبلا روح.
وأذكر أنني رأيت صورة تجمع الأميرة ديانا والأم تريزا وأحسست وقتها بتفوق جمال الأم تريزا على الأميرة ديانا بفارق هائل بما تحمله من روح إنسانية وبما قامت به من مساعدة للفقراء في أشد البلاد فقرا وبؤسا. وسيدنا بلال الحبشي أجمل بكثير من أي شاب عصري وسيم خضع لعمليات التجميل وانتخبوه كأجمل شاب في العالم. وغاندي ونيلسون مانديلا وأحمد ياسين ونجيب محفوظ وصلاح جاهين شخصيات تفيض بالجمال والحسن كل في مجاله.
ومن الخطورة بمكان أن تحل ثقافة التجميل وعبادة الصورة محل ثقافة الجمال الشامل، جمال الكلمة وجمال الموقف وجمال الروح وجمال العطاء، وجمال العدل، وتتحول الحياة إلى شاشة يتحرك عليها شباب وفتيات بمقاييس مثالية في الوجوه والأجساد بينما قلوبهم وأرواحهم خاوية.
وهذا ليس موقفا ضد التجميل، ولكن تصحيحا وترشيدا، فعلم التجميل، وجراحة التجميل هي من العلوم المهمة التي تعيد الأشياء إلى طبيعتها وإلى فطرتها إذا أصابها تشوه بفعل الحوادث أو الحروق أو ظروف الحياة أو كانت هناك شذوذات خلقية تسبب تغييرا واضحا في الشكل أو الوظيفة، وهذا الأمر يسمى تكميلا فهو يعدل في الشكل الذي أصابه عطب ما، وهذا يختلف عن التبديل الذي يغير خلق الله ويحقق مراد الشيطان حين قال "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"، وهذا ما فعله مايكل جاكسون بنفسه وساعده عليه أطباء تجميله وتبديله فأصبح شيئا آخر تماما، وهذا هو تشويه الخلق وتغيير الفطرة.
إذن فلنربي أنفسنا وأولادنا على قيم الجمال الشامل بكل أبعاده الجسدية والعقلية والوجدانية والروحية، فهكذا قيمة الإنسان تتجاوز حدود صورته إلى آفاق أعلى من الجمال، آفاق لا تؤثر فيها تجاعيد الوجه ولا انحناءة الظهر ولا جفاف الجلد ولا مرور السنين، نوع من الجمال الخالد نراه في وجوه الصالحين والمصلحين ولا نراه في وجوه المتجملين المترفين الأنانيين الذين ينفقون 400 مليار دولار سنويا على عمليات التجميل والتبديل ويستدينون من البنوك لكي يحسنوا صورتهم الخارجية، ويشفطوا دهونهم المتراكمة على أجسادهم بسبب التخمة والكسل، ولا يؤرقهم جوع الملايين في كل مكان في الأرض، فكيف إذن تكتسب وجوههم جمالا في حين تحمل قلوبهم كل تلك القسوة والأنانية وتحمل نفوسهم تلك الرغبة في الإسراف والإسفاف.
وأخيرا نستعيد الميزان المعتدل ونتذكر بأن الله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا ولكن ينظر إلى قلوبنا، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم.
واقرأ أيضا:
اضطرابات الأكل والحمية Eating (dieting) Disorders / بدانة: عدم رضا عن الجسد Body Dissatisfaction / نحافة: عدم رضا عن الجسد Body Dissatisfaction / اضطرابات صورة الجسد Body Image Disorders