الشذوذ الجنسي والوسواس القهري: وسواس المثلية
لما كان الانتباه إلى وسواس الشذوذ باعتباره حالة خاصة من حالات الوسواس القهري يعتبر حديث العهد نسبيا فإنه لا توجد دراسات مخصصة لدراسة طرق العلاج المختلفة ونتائجها وفعاليتها في تخليص المريض من معاناته، لكننا نستطيع القول بأنه كما في كل حالات الوسواس القهري فإن مقاربات العلاج النفسي التحليلي التقليدية Traditional Psychodynamic Approaches قَدْ تُساعدُ على جعل المريض المريضة يشعر بأنه أفضل وبأنه يَفْهمُ نفسه أكثر، لَكنَّ أيا من تلك المقاربات لن يَكُون كافيا لإيقاْف السلوكِ الوسواسي القهري، وبالتالي فإن طريقة العلاج الأفضل هي العلاج المعرفي السلوكي وسنعرض المتاح لنا من الخبرة في هذا المضمار.
بطبيعة الحال ككل حالات الوسواس القهري ليس هناك حل سحري ينهي المشكلة ولكن هناك طريقا علاجيا طويلا لابد يسلكه المريض والطبيب النفساني المعالج، ومعالم هذا الطريق تحدد حسب شدة الحالة وملابساتها ومضاعفاتها المختلفة، وينصح في الحالات الشديدة أو التي يظهر فيها التأثير فادحا على أداء الشخص الاجتماعي ينصح هنا أن يبدأ الطبيب النفسي العلاج باستخدام أحد عقَّاقير الم.ا.س.ا SSRIs ، ثم يضيف العلاج المعرفي السلوكي بعد ذلك، وأما في الحالات الخفيفة أو متوسطة الشدة فيمكن استخدام العلاج المعرفي والسلوكي بالتعريض ومنع الاستجابة القهرية إضافةً إلى أو بدون العلاج بالعقاقير.
وعقاقير الم.ا.س.ا سَتُساعدُ فعلياً على تَخفيف القلق لكنها سَتُسبّبُ أثرا جانبيا جنسيا أيضاً على الأقل في ثُلث المرضى (Bystritsky, 2004). ويمكن للتخفيف مِنْ القلق -بقدر مناسب- أَنْ يمكن المريض/المريضة من التغلّبَ على المشاكل الجنسيةِ الناتجةِ، لكن العقار نفسه في بعض الأحيان يَجْعلُ الأداء الجنسي السليم مستحيلا، قَدْ يَكُون هذا مشكلة مؤقتة، لكن في حال استمرارها عادة يستطيع الطبيب النفساني المؤهّل يُمْكِنُ أَنْ يُعدّلَ من الجرعة أَو يَدْمجُ عقَّارا آخر لتَحسين الأثر الجانبي. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مرضى وسواس الشذوذ دائما يكونون أكثر انزعاجا ويبدون قلقا أكثر استجابة لأي مشاكل في الأداءِ الجنسي، لذلك يعتبر من المهم التعليم والتعريف مبكراً بهذا الأثر الجانبي المعيّنِ لهذا النوع من المرضى قبل وصف عقَّاقير الم.ا.س.ا لهم.
تَتضمّنُ المعالجةُ المعرفية السلوكية تَعليم المريض/المريضة حول الاضطراب وأسباب إدامة الأفكار التسلطية، إضافة إلى التعرّض إلى المواقف والحالاتِ التي تُسبّبُ زيادة الأحداث العقلية التسلطية (على سبيل المثال، الاغتِسال في حمامات الرجال في النوادي الرياضية، النظر إلى مجلات الأزياءِ التي تعرض أجساد الجنس المماثل ودون أداء الأفعال القهرية)، وكذلك تستخدم تقنية إعادة الهيكلة المعرفية Cognitive Restructuring من أجل تعديل طريقة التفكير والتصرف، ويَجِبُ أَنْ لا تُركّزَ المعالجة النفسية لمريض وسواس الشذوذ على معنى الأعراضِ، لأن المريض/المريضة بالفعل يمضي كميةً مفرطةً مِنْ الوقتِ يَتأمّلُ ذلك. وإنما يجب تفعيل برنامج علاج معرفي سلوكي قياسي لإغاثةِ المريض بأسرع ما يمكن والتخفيف من معاناته، وغالبا ما يكون العمل المهم في هذه المرحلة هو العمل على الأفكار التلقائية السلبية التي تهاجم المريض/المريضة في مصاحبة انفعاله بالحدث العقلي التسلطي (الوسواس) إضافة إلى العمل على إقناع المريض المريضة بإهمال احتياطات الأمان التي يتخذها غالبا في المواقف الاجتماعية مع الجنس المماثل وكذلك الإحجام عن أداء الأفعال القهرية.
وربما بعد النجاح في ذلك يكون من المهم البحث عن القناعات الراسخة Core Beliefs والافتراضات المعيقة التي يعيش بها الشخص قبل ظهور أعراض المرض وكمثال على ذلك أذكر مثلا صادفته أكثر من مرة بين المرضى الذكور وهو قصر القامة، حيث يرسب ذلك في النفس قناعة بأنه أقل من الذكور الآخرين، وعلى هذه الخلفية المعيقة يصبح افتراضٌ مثل (يجب أن أكون قويا جدا جنسيا وإلا فإن دونيتي ستثبت) افتراضا يعيش به المريض، وعلى هذه الخلفية المعرفية يمكن لأي تهديد مدرك فيما يتعلق بالقدرة الجنسية أن يفجر وسواسا كوسواس أنا شاذ!
وخطة العلاج السلوكي بالتعريض ومنع الاستجابة القهرية تنَفَّذُ في مراحلِ، وتستند على قائمة يضعها ويصنعها المريض والمعالج معا ترتب فيها الحالات والمواقف التي تزيد فيها وساوس الشذوذ الجنسي من ناحية كَمّ مضايقتها وإزعاجها للمريض/المريضة ترتيبا تصاعديا. وعادة ما تُقدّر شدة المواقف على متصل مِنْ 0 إلى 100.
وباستخدام هذه الطريقةِ، يتَعلُم المريض تَعْرِيض نفسه إلى المستويات المتزايدةِ بشكل تدريجي مِنْ المواقف المقلقة المثيرة للأحداث العقلية التسلطية المتعلقة بالشذوذ الجنسي. ويتعلّمُ تَحَمُّل الانزعاج الناتج عن ذلك بدون اللُجُوء إلى سؤال نفسه، أو التَدقيق فيها، أَو تَجنيبها القلق بالتحاشي، أي أنه يسَمح للقلقَ والانزعاج الناتج عن الحدث العقلي التسلطي بالانحِسار وحده، بينما يتعزّزُ تَحَمّله له ببطء، وهذا ما يجعل الأحداث العقلية التسلطية تختفي أو لا تعود مزعجة على الأقل ولا يبنى عليها سلوك غير التجاهل.
ومن التمارينِ المثاليةِ في العلاج السلوكي بالتعريض ومنع الاستجابة القهرية:
- لا تدقّقْ في ردود أفعالكَ تجاه الأشخاص الجذّابينِ أو غير الجذابين مِنْ نفس جنسِك، حيث تجد المريض يكثر من مراقبة ردود أفعاله تجاه الأشخاص من نفس جنسه وكيف تغيرت مثلا يقول المريض: لي زميل يعمل في بلدٍ آخر ولا يرجع بيته إلا كل أسبوع في الإجازة الأسبوعية... هذه الأيام أصبحت أشعر كل خميس أنني أود الاتصال به ومقابلته لنخرج معا رغم أنني فيما مضى كنت لا أكاد أتذكره ولم أكن أخرج إلا كل شهرين أو ثلاثة، أليس ذلك دليلا على تغيرٍ يحدث فيّ؟
- لا تَتخيّلْ نفسك في المواقف الجنسيةِ الشاذة مع أحد أفراد جنسك للاستكشاف والتَدقيق والتفتيش في ذاتك كيف تَشْعرُ وتحس بهم، والحقيقة أن كثيرين من هؤلاء المرضى يبقون لساعات يتخيلون أنفسهم في مواقف ممارسات جنسية شاذة وكأنما يودون التأكد من صلاحيتهم/عدم صلاحيتهم لمثل هذا الدور، ومنهم من يقارن كيف يبدو وهو يمارس دورا جنسيا شاذا بكيف سيبدو وهو يمارس دورا جنسيا طبيعيا.
- لا تتصرّفْ جنسياً مَع أعضاء الجنس الآخرِ فقط لاستكشاف والتَدقيق في رد فعلكَ الجنسي، وذلك أن ما يحدث للمريض في المواقف الاجتماعية مع أعضاء الجنس المماثل شبيه إلى حد كبير بما يحدث لمريض الرهاب الاجتماعي حيث تتحول بؤرة الانتباه والتركيز من وجهتها الخارجية الطبيعية (أي التركيز في التفاعل الاجتماعي نفسه ومحتواه) إلى وجهة داخلية فيتجه معظم الانتباه والتركيز إلى المشاعر الداخلية خاصة الجنسية منها فيدقق المريض في مشاعر جسده مثلا هل يوجد شعور خلفي أم لا؟ هل يوجد انتصاب؟ -في حالة الذكور- أو هل هناك إفرازات مهبلية أو هل هناك سخونة في المهبل أو انتصاب في الحلمتين -في حالة الإناث- وكثيرا ما يستتبع ذلك أن يبني المريض/المريضة صورة عقلية لكيف يبدو/تبدو في مثل هذه المواقف للآخرين من نفس جنسه وبالطبع تأتي تلك الصورة العقلية مشوهة لأنها تستند إلى معلومات داخلية كثيرة البعد عن الواقع الفعلي، وفضلا عن ذلك يفقد الشخص جزءًا كبيرا من قدرته على الاندماج في التفاعل الاجتماعي.
- قاومْ مُرَاجَعَة المواقف السابقة عندما كُنْتَ مَع أعضاء من نفس الجنس أَو من الجنس الآخرِ وكَانتْ المواقف غامضة نوعا لتراجع ما إذا كنت تصرفت بشكل مشكوك فيه، وفي مثل هذا النوع من التفكير الوسواسي الاجتراري يمضي هؤلاء المرضى ساعات طويلة وهم يراجعون كل كلمة وكل إيماءة قاموا بها، كيف بدت وكيف تلقاها الآخرون وبأي شكل يا ترى يفكرون فيها.
- تجنّب مُراقبة نفسك لترد على سؤال هل أتَصرّف بطريقة ما تظهرُ أني شاذّ جنسياً، وهذه آلية أخرى من الآليات المعيقة التي توقع المريض/المريضة في فخ توجيه بؤرة الانتباه داخليا بكل مساوئ ذلك التي أشرنا إليها. ولما كانت خبرتي الشخصية في هذا المجال كلها كانت مع غير متزوجين فإنني لم أجد مشكلة من استخدام عقَّاقير الم.ا.س.ا مع برنامج العلاج المعرفي السلوكي، وقد صادفت أثناء عملي (حتى وقت كتابة هذا المقال) 38 حالة من هذه النوعية رأيتها بنفسي (أعمارهم بين 17 و30 سنة)، (80% منهم ذكور) وأكمل 29 منهم العلاج بهذه الطريقة بعضهم تزوج وبعضهم ما زال ينتظر تحسن الأحوال.
المراجع:
Bystritsky A. (2004) : Current Pharmacological Treatments for Obsessive- Compulsive Disorder. Essential Psychopharmacology, 5(4): 251–272
اقرأ أيضاً:
قشعريرة في الدبر وسواس أم شذوذ؟ / ليس شذوذا بل؟: مرة أخرى! / وسواس قاتل: أنا شاذ جنسيا / ليس شذوذا جنسيا بل وسواس قهري / مراهقة تتساءل هل أنا شاذة؟ م2
التعليق: أنا أعاني من هذا الوسواس اللعين وربما يعاقبني الله على ممارستي العادة السرية وهذا الشعور في مؤخرتي أشعر به غالبا عند النوم فأستيقظ مفزوعا
وسؤالي الملح وهو سبب قلقي الدائم هل هذا الإ حساس يؤدي إلى اتساع فتحة الشرج حيث أني مقبل على أداء الخدمة العسكرية ؟
مع العلم أني لا أمارس أي أفعال شاذة.
أرجو الرد السريع بعد إذثك