لماذا يتصالح الفلسطينيون؟ هذا هو السؤال الذي فاجأني به مواطن فلسطيني عادي، وقلت له ببساطة العبارة نصيحتي لمن هم في الحكم والسلطة لا داعي للمصالحة، فنحن في أحسن حال، مما كنا عليه لا حصار، كل شيء متوفر وبأقل الأسعار، وكل شيء في متناول يد المواطن العادي، فلماذا نعود للوراء، أليس التراجع إلى الوراء شكلا من أشكال التخلف والتقهقر والاستسلام، ونحن في ثقافتنا نرفض الاستسلام والهزيمة، فحياتنا كلها انتصارات، ونظر هذا المواطن البسيط لما أقول، أو كيف لي أن أتفوه بهذه النصيحة وهمس في أذني قد يأخذون بها.
وذهبت في استرسالي إلى أن المصالحة عمل ضد المصلحة الفلسطينية، وكل من ينادى بالمصالحة ليس فلسطينيا. أليس الاحتلال قد انتهى، إسرائيل غير موجودة في غزة، والحياة تسير بيسر ورغد، والإعمار ولله الحمد قد اكتمل، أليست لدينا بيوت من طين، أو أليس ذلك من تراثنا وتاريخنا الذي ينبغي أن نحافظ عليه. فمع الانقسام لدينا حكومتان وسلطتان وكل الناس لها حكومة واحدة، والمساعدات والمال بدلا من أن يتدفق على حكومة واحدة يتدفق على حكومتين، والشعب هو المستفيد، ولماذا ننهى الانقسام وأصحاب النفوذ والجاه في الداخل والخارج يمتلكون كل شيء، الأولاد يسافرون بسهولة، ويتعلمون في الخارج، واليوم الكل يعيش في بيوت مرفهة وبها المكيفات التي لم نرها من قبل، رأيناها مع الانقسام. أما في زمن المصالحة فلم نكن في حاجة لها، واليوم عندنا في غزة كل أنواع الحمضيات من مصر، وفى الضفة الغربية لديهم كل الأنواع والمنتوجات الزراعية من إسرائيل.
واليوم في زمن الانقسام لدينا من كل وزارة وزارتان، ولكل وزارة موقعها الإلكتروني، وطالما أن الرواتب تدفع على حساب هذا الانقسام لماذا التصالح؟، الناس تتخوف لو تمت المصالحة هناك الكثيرون سيفقدون مناصبهم وامتيازاتهم، فالخير كله يأتي مع الانقسام، فالمساعدات تتدفق من كل صوب وحدب، والكوبونات تنهمر على الجميع حتى يسكتوا. ومن أهم ما حققناه مع الانقسام أن القضية لفلسطينية باتت على لسان كل شعوب الأرض، فالناس تأتى إلينا من كل مكان متعاطفين مساندين، وهذا أمر جميل، وهذا لم نعهده في زمن المصالحة، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد فالوفود الرسمية تتدفق على أراضي السلطة الفلسطينية وما زال لدينا رئيس يستقبل مثل بقية رؤساء الدول الأخرى، والوفود البرلمانية تسافر من الضفة ومن غزة، والكل يسعى لتحقيق مكاسب سياسية.
والدعوات الرسمية تصل السياسيين من كل تنظيم، والطائرات الخاصة تجهز، والزيارات لعدد من العواصم مستمرة وكل هذا في زمن الانقسام، فلماذا المصالحة والاستعجال عليها. وفى زمن الانقسام تتحقق أحلام الكثيرين في العيش في عواصم العالم المختلفة في بيوت فخمة وفي رفاهية لم تكن موجودة في زمن المصالحة، والأبناء يتعلمون في الجامعات الأجنبية والعربية، وقد تعودوا على هذه الحياة الجديدة، فلماذا المصالحة والعودة من جديد لأرض الوطن الصغير الذي لم يعد يتسع لما يملكون.
وفى زمن الانقسام لماذا البحث عن حل للقضية الفلسطينية، فكل شيء يمكن أن يؤجل إلى زمن المصالحة، وطالما أننا لسنا مستعدين لأي حل، فالأفضل استمرار الانقسام لأن المصالحة ستعيد ترتيب الأوراق من جديد، وقد يخسر الكثيرون الأوراق التي في أيديهم. والبديل لذلك الانقسام.
وللانقسام وجه آخر غير فلسطيني، وجه عربي وإقليمي وحتى دولي وقبل كل ذلك إسرائيلي، فالقضية الفلسطينية ورقة سياسية رابحة في يد الدول العربية والإقليمية المتنافسة على القوة ولكن على حساب القضية الفلسطينية وهى ورقة سهلة لا تكلف هذه الدول الكثير، فبدلا من أن تتدخل هذه الدول في صراعات وحروب مكلفة، فأقصر الطرق هو التحكم في هذه الورقة الفلسطينية، والكل يلوح ويقول أنا من يملك مفاتيح هذه القضية، وأنا من يملك الحل، هكذا صارت القضية الفلسطينية.
حتى المصالحة الفلسطينية هناك من يقول أنا من يستطيع أن يضع حدا لهذا الانقسام ولا يهم من يرعى المصالحة. فلا داعي للمصالحة طالما أن هذا لا تتفق مع مصالح هذه الدول. والأمر لم يتوقف عند حدود الدول العربية والإقليمية، بل دخلت على خط المصالحة إسرائيل المستفيد الأول والأخير من استمرار الانقسام الذي يحقق لها ما عجزت عنه آلتها العسكرية الضخمة في حسم الصراع، فأسهل طريق للتخلص من القضية الفلسطينية هو الاستمرار في الانقسام وكيف يتحقق لها ذلك؟ الأداة لذلك هم الفلسطينيون أنفسهم باللعب على كل ما يريده كل طرف، إسرائيل تستثمر قضية الحكم والسلطة بما يحقق لها أهدافها الفلسطينية.
وحتى على المستوى الدولي هناك استثمار للانقسام، فإذا أراد الفلسطينيون الخروج من الحصار والاعتراف بهم عليه أن يعترفوا بإسرائيل وبالشرعية الدولية وهكذا التعامل مع الانقسام، لكل ذلك لا داعي للمصالحة ونعم للانقسام.
واقرأ أيضاً:
دولة واحدة/ الماراثون الدولي لعملية السلام/ الحياة مقاومة لا مفاوضات/ إعادة تشكيل الإطار السياسي الفلسطيني