أرسلت بنت النيل (20 سنة، طالبة، مصر) تقول:
لماذا نسرق البراءة في مهدها؟؟؟؟؟
عذرا لمداخلتي ولكني أحببت أن أطرح سؤال بات يلازمني ربما أعثر له على إجابة هنا؛
منذ عدة أيام فتح النقاش في هذا الموضوع بين صديقاتي، وباتت كل واحدة منا تبدي رأيها في أطفال هذا العصر، كانت كل الآراء ملتفة حول لباقة الأطفال في الكلام وتجردهم من براءة الأطفال المعتادة وانتقائهم للكلمات قد يرى البعض هذا شيئاً جيدا ولكني لا أعتقد ذلك ليس هذا الذي في بالي ولكن شغل بالي وفطر قلبي عندما قالت إحداهن: أن لأحد أقاربها طفلان لا يكاد الأخ الأكبر يكون عمره 7 سنوات والصغير مازال في كي جي 2.
تقول: عندما ذهبت لزيارتها لاحظت تصرفات غريبة من الفتيين (وليس الأطفال)، كانا يتصرفان وكأنهما مراهقان لا طفلان؛ عذرا لا أستطيع أن أخط بقلمي هذه التصرفات ولكن كل ما قد يرد في بالكم فهو صحيح، ولكن كانت الصدمة بأن سأل هذا الطفل الذي لا يبلغ عمره السبع سنوات إحدى طفلات عائلته هل سبق لك وأن شاهدت فيلما جنسيا؟!!!، أعذروني ولكن كان يجب أن أوضح ما المدى الذي وصل إليه تفكير هذا الطفل وأخيه، ولكن السؤال هنا كيف وصل الطفل إلي هذا التفكير وأين ذهبت براءة الأطفال؟؟!
مع العلم بأن كلا من الأم والأب متعلمان وأن الأم لا تعمل أي أنها متفرغة لتربية أطفالها ولا يعقل أن يكون هذا من تأثير الأغاني والفيديو كليب فقط!. لا أعرف ماذا أقول بعد هذا؟!، لكني فعلا أريد أن أعرف ما الذي أوصل الطفل لهذا التفكير الجنسي في هذا السن المبكر جدا؟!، وما التصرف السليم فهذه الحالة؟؟
تعليق الأستاذ الدكتور مصطفى السعدني:
الابنة العزيزة.....
قد يكون من الملحوظ فعلا خلال السنين الأخيرة أن الأطفال قد أصبحوا فتيانا أو مراهقين قبل أن يبلغوا بالفعل مبلغ الرجال أو النساء؛ وقد يكون من أسباب ذلك بالفعل انتشار الإثارة والاستثارة الجنسية في وسائل الإعلام المختلفة، من قنوات فضائية وإنترنت وأفلام ومسلسلات وصور على الموبيلات أو الجوالات وغيرهم من وسائل الإعلام، ومع انتشار العولمة والإباحية وبعض المفاهيم الغربية عن تدريس الجنس بل وممارسة المراهقين والمراهقات له دون أي ارتباط شرعي أو غير شرعي!، وأصبحت القاعدة في الغرب أن المراهقة لابد أن تمارس الجنس بعد بلوغها دون أي ارتباط، وغالبا تحت نظر وعلم العائلة، وإلا يعتبرها زوجها في ليلة الدخلة "مُعقّدة"؛
وأذكر أنني في أول زيارة لي للندن عام 1999 وبالصدفة دخلت سينما في "بيكاديللي"، وكان اسم الفيلم على ما أذكر “Virginity” وبالعربي "العذرية"، وقصته باختصار: أن هناك فتاة قد تخطت السابعة عشر من العمر ومازالت عذراء، وكونها عذراء هو الهم المؤرق لوالديها وأختها!!!، ويوم قررت أن يكون لها بوي فريند Boy friend كانت الفرحة العارمة في كل البيت بهذا القرار الجديد للفتاة!؛ علَّ مشكلة عذريتها القائمة تنحل!!، وطبعا أُصِبت بصدمة ثقافية كبيرة بعد هذا الفيلم العجيب الغريب بالنسبة لي؛ وبالتأكيد لي الحق في أن أُصدم!!، ومن لا يعرف السبب يكفيه أن يُراجع استشارات غشاء البكارة على هذا الموقع فقط!، ومع سياسة العولمة أظن أن الغرب لن يرضى عنا حتى نكون مثله في إباحية الفكر وإباحية الجنس!، فالموضوع له خلفيات دولية، ولا ننسى أن هناك نسبة من أبناء أمتنا المتفرنجين –كبيرة العدد نسبيا– تعتنق الفكر الغربي شكلا وموضوعاً وتروج له وتظن أننا لن نتقدم إلا إذا اتبعنا خطى الغرب شبراً بشبر وذراعا بذراع!!؛
ولذا لا تتعجبي إن وجدت أطفالا لوالدين على درجة عالية من الثقافة والمراكز الاجتماعية المرموقة يتحدثون عن الجنس، لأن الوالدين قد يكونا مشبعين بالفكر الإباحي الغربي، ولا يجدان حرجا مثلا في رؤية فيلم من الأفلام الزرقاء بالمنزل وابنهما -الذي لم يتخط الثامنة من عمره بعد- مستيقظ يستمع للتأوهات الجنسية بالغرفة المجاورة!!، ولا مانع بالنسبة للأب أن يتصفح مجلة من إياهم وطفله يلعب في نفس الغرفة!، أما القنوات الفضائية إياها فهي غير مُشفرة ومتاحة لمن يريد وقتما يريد!!، وبالنسبة للصور الجنسية على الجوالات أو الخليوي فهذا من تخصص المراهقين والمراهقات، وإليكم هذه القصة:
أتت لي أم طفل لم يتجاوز الحادية عشر من العمر ووزنه لا يتعدى الأربعين كيلوجرام وموسوس في النظافة وبالذات يقوم يغتسل أكثر من مرة في الليل بحجة أنه يتبول لا إرادياً، ووالد الطفل مُتوفى، وطبعا لم نُقصِّر كأطباء نفسيين لا في إعطائه "الماس" ولا "الماسا"!، وبعد أشهر قليلة تكتشف الأم بالصدفة صور جنسية على موبيل ابنها، وأُسقِط في يد الأم!، هل وصل ابنها لسن البلوغ دون أن تدري، ودون أن تشعر؟!، وإن كان، فكيف ستتصرف معه؟!، وبالفعل اكتشفت أن ابنها قد بلغ مبكرا دون ظهور العلامات الظاهرية الكثيرة للبلوغ!، مثل خشونة الصوت وعناد المراهقين وارتفاع أصواتهم صياحا وشغبا بالمنزل!!، واتضح لأمه أن الاستحمام الليلي لأكثر من مرة هو بسبب الاستثارة الجنسية المستمرة بسبب مواقع الإنترنت والصور الجنسية على الجوالات، تلك الصور التي يتبادلها مع زملائه، وهنا سؤال بحثي يطرح نفسه وهو: هل الإثارة الجنسية المبكرة بالصور والأفلام للأطفال قد تؤدي إلى بلوغهم مبكراً ؟!.
والآن دعونا نناقش نظرة مجتمعاتنا إلى الجنس والزواج:
حينما يتطلع الفتيان أو حتى الأطفال إلى المجتمع، وهو يعرض الأمور الجنسية بشكل مشوه، فإن صورة خاطئة تنطبع في الأذهان، فليس لدى هؤلاء مصدر أمين نقى للتثقيف الجنسي، ولذلك هم بالضرورة يكوِّنون انطباعاتهم عن الجنس من خلال وسائل سهلة الانتشار ونقصد بها وسائل الإعلام من قنوات فضائية وأفلام جنس (كما ذكر هذا الطفل الصغير لطفلة صغيرة أخرى) ومجلات وروايات جنسية.... إلخ.
فالأفلام السينمائية والمسلسلات تصور العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع، حيث يسعى الصياد (الرجل) نحو فريسته (المرأة) إلى أن تقع في شباكه فيمتلكها ويستمتع بها، وتصور الأفلام أيضاً المرأة كجسد للإغراء، تحاول أن تسيطر على الرجل مستخدمة في ذلك ما لديها من إمكانيات جسدية، بدلاً من أن ينجذب الرجل إلى شخصيتها الجذابة الراقية المثقفة، أما الروايات الرخيصة فهي تعرض الأفكار المثيرة، وتغذى خيال المراهقين بالأمور الحسية التي تلهب أجسادهم وتفسد مشاعرهم، وأما المجلات الخليعة وأفلام الفيديو الرخيصة، فهي تعرض الجانب الحسي من الجنس مستغلة انشغال أذهان الشباب والمراهقين بهذا الموضوع، مع عنفوان الرغبة لديهم بهدف الربح والاتجار بعواطفهم الملتهبة.
أما النظرة السائدة في المجتمع عن الجنس والزواج فهي سلبية حتى لو كانت مقدمة في قالب من التقاليد الاجتماعية المتعارف عليها، فنجد المجتمع يمجد تسلط الرجل على المرأة ويفضل إنجاب الأولاد على البنات، وينظر للفتاة التي تأخرت في الزواج على أنها لم تحقق وجودها باعتبار أن قيمة المرأة تأتى من انتمائها للزوج ولا تأتى من ذاتها وشخصيتها بحسب رأي اجتماعي مشهور..!!
يضاف إلى ما سبق فكرة المجتمع حول العلاقة الزوجية، حيث يصورها الكثيرون كمعركة ينتصر فيها الرجل مظهراً قوته وقدراته الجسمانية، مفتخراً بذلك أمام الأصدقاء...!!
كل هذه الاتجاهات التربوية والاجتماعية السائدة في المجتمع تؤثر بالضرورة على فكر الشباب عن الجنس والعلاقات الزوجية.
والآن، كيف نقدم التربية الجنسية لأطفالنا وللمراهقين وللشباب، والتربية الجنسية تعني تقديم المعلومة الصحيحة عن الجنس لمن يسأل عنها، وبشرط أن تكون مناسبة لعمر الطفل أو المراهق أو الشاب الذي يسأل
التربية الجنسية والتربية الدينية:
يجب أن تسير التربية الجنسية جنبا إلى جنب مع التربية الدينية؛ فالدين يعترف بالغريزة الجنسية ويوجهها، ولم يكن الله –عز وجل- الذي زود الإنسان بجهازه التناسلي وركب فيه غريزة الجنس ليُحرِّم عليه استعمال هذه الأجهزة بتاتا وكأنها لم تكن!!، وقد كان الصحابة وزوجاتهم يستشيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحدث بينهم من مشكلات جنسية وعاطفية، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم بما يعلمه، ويحثنا الدين على ممارسة الســـــلوك الجنسي الشرعي الحلال وهو عن طريق الزواج، وقد أعلنها رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- صريحة "..... وأتزوج النساء، وهذه سنتي ومن أعرض عن سنتي فليس مني".
نقاط هامة في التربية الجنسية:
- من المفروض أن ضعف أو نقص أو إهمال التربية الجنسية العلمية يُعتَبر واحداً من أسباب الانحرافات الجنسية، ومن أخطر ما يمكن أن نترك أطفالنا وشبابنا يحصلون على معلوماتهم الجنسية من مصادر غير مضمونة، وبصورة مغلوطة ومبالغ فيها؛ كما يظهر لهم في الأفلام الجنسية المليئة بالخدع السينمائية الخيالية وغير الواقعية بالمرة.
- التربية الجنسية ضرورية في الإطار العام للتربية الدينية والتعليم؛ فنحن نحتاج في أسرنا وفي مدارسنا إلى برامج علمية مخططة بخصوص الحياة الجنسية والحياة الأسرية، ينصب فيها التأكيد على العلاقات الاجتماعية من الجوانب النفسية للحياة الجسدية، يباركها المجتمع ويشارك فيها الآباء و يرضى عنها الله عز وجل.
- يجب أن تقوم هذه البرامج على أساس دراسات وبحوث علمية شاملة للموضوعات، وبها فريق من المتخصصين من علماء النفس والتربية والأطباء وعلماء الاجتماع وغيرهم في أقطار أمتنا المختلفة.
- أهمية تحديد كم وكيف المعلومات الجنسية التي يمكن تقديمها للأطفال الذين يسألون عن الجنس وعن العلاقات الحميمة بين الأزواج، أما المراهقين فيجب أن تُقدَّم لهم معلومات عن الجنس السليم الصحي والشرعي، وعن خطورة العلاقات الجنسية العابرة (من حيث انتقال الأمراض الجنسية على الأقل) خارج إطار العلاقات الزوجية.
- تحديد مصادر هذه المعلومات وكيفية الحصول عليها.
- جمع وتنسيق أسئلة الأطفال والمراهقين، حتى يجيب عنها المختصون إجابات نموذجية.
- تحديد ماذا يقدم من معلومات جنسية ومتى تقدم وأين تقدم وكيف تقدم ومن يقدمها؟، هذا ويجب أن تعقد دورات إعداد للوالدين والمربين وغيرهم ممن يقومون بتعليم الجوانب الجنسية حتى نتأكد أنهم يعلمون ما يقولون.
- يجب أن يقوم المسئولون عن التربية الجنسية بتقديمها في إطارها العلمي والديني السليم.
- تجنب إثارة الأطفال جنسيا، ولوسائل الإعلام دور كبير هام وحيوي في منع تلك الإثارة الجنسية، مع مراقبة الوالدين لمواقع الإنترنت ومتابعة جوالات الأبناء (بصورة لطيفة مرحة، ودون تسلط من أولياء الأمور)، وتشفير القنوات الفضائية الإباحية في المنازل.
- بث التعاليم الدينية في نفوس أبنائنا منذ نعومة أظفارهم؛ وأبسطها ألا يدخل أولادنا علينا غرف النوم إلا بعد الاستئذان بصفة عامة، وبصفة خاصة في أوقات النوم والتخفف من الملابس مثل وقت الظهيرة، وبعد العشاء ووقت الفجر، مع نوم كل طفل أو طفلة في سرير أو مكان خاص به.
- أن نؤكد لأبنائنا وبناتنا أن الطريقة السليمة والصحيحة لممارسة الجنس هي الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة.
- أن نحارب الشذوذ الجنسي بكل ما أوتينا من فكر وعاطفة وسلوك، وألا نروج للجنسية المثلية سواء اللواط بين الرجال أو السحاق بين النساء، حيث تمارس هذه الجماعات (LG) ضغوطا عنيفة على المجتمعات الغربية باسم الحرية والديمقراطية، لدرجة أن هذه الجماعات –ومع ضغوطها المستمرة– جعلوا من الجنسية المثلية خارج نطاق تقسيمات الاضطرابات الجنسية في الدوريات والكتب الطبية الغربية، وسمحوا للمثليين بالزواج الرسمي ببعض الدول الغربية، ونخشى أن تنتقل هذه الضغوط إلى مجتمعاتنا مع ازدياد ضغوط العولمة الغربية علينا.
في النهاية أكرر جزيل شكري لمداخلتك الفعالة والمؤثرة، ولا تحرمينا من مشاركاتك الإيجابية في المستقبل.
اقرأ أيضاً:
.... حتى لا يشتري أطفالنا أدمغتهم!! / الإرشاد النفسي الجمعي للأطفال / كيف السبيل إلى الأبناء المصلين؟