ماهو سبب معاناتي..!؟
تعبت وأنا أبحث عن سبب لمعاناتي، وأتمنى أن أجد ضالتي عندكم، ويشرفني أن أكتب استشارتي في هذا الموقع المميز. بداية: حالتي كانت قبل 7 سنوات بعد إنجاب طفلي الثاني بشهرين تقريبًا.
أصبت بحالة غريبة، هلع، خوف، بكاء بشكل مستمر، وساوس لا تنقطع أحيانًا، أشعر أن عقلي يعمل ليل نهار، وأحيانًا يتوقف عن العمل، أشعر أنه خاوي، انفصلت عن العالم تمامًا، لم أعد أشعر بأي مشاعر تجاه أقرب الناس لي، أطفالي، زوجي، أهلي، أشعر أني أعمل كالآلة بدون شعور، كنت أبكي وأشعر برعب من حالتي، أخاف أن أفقد عقلي، ضيق شديد يخف في الليل ويزداد في النهار، أشعر أني غريبة عن نفسي، وكل شيء غريب، الناس، الشوارع، المباني حتى ملابسي غريبة كأني أراها لأول مرة، كأني لم ألبسها من قبل، أستغرب لماذا تأكل الناس؟ ولماذا تتكلم؟
أعرف الأشياء في قرارة نفسي، لكن أشعر بتساهل داخلي، ما هذا الشيء؟! مثلًا أرى قطع الأثاث أعرف مثلا أنه كرسي، لكن أشعر بسؤال ملح ما هذا؟ ما اسمه؟ أشياء فقط تجهد تفكيري، أشعر أن أحدًا يقول لي أخرجي إلى الشارع، افعلي فعلا مشينًا، أنا أعلم أنني مستحيل أن أفعلها، لكنها أفكار تسلطية تزيد قهري وتتعبني، فقط بعد شهرين فطمت ابني بطلب من الطبيب، وصرف لي زبريكسا مضاد للاكتئاب والذهان والفصام على ما أعتقد، وآخر للصرع.
أخذت العلاج ولم أستفد شيئًا، فقط زاد وزني بشكل مخيف، وأصبحت جثة أكل ونوم، وبعد شهرين طلبت من الطبيب أن أوقف الدواء، أوقفته بالتدريج، وأصبحت أذهب إلى رقية ورقاة كثير، منهم من قال حسد، ومنهم من قال عين، ومنهم من قال مس، وآخر قال سحر، لكن لم أتحسن ولم أتأثر بالرقية، بعد 10 أشهر عدت إلى طبيبة نفسية شخصت الحالة اكتئاب ما بعد الولادة، ثم قالت ثنائي القطب وصرفت لي افيكسور وليمكتال وبروزاك وفيتامينات ومنومًا، لكن لم أستمر على المنوم؛ لأنه متعب جدًا.
المهم بعد أسبوعين تقريبًا أصبحت أشعر أنني أعود إلى الحياة رغم الأعراض، أشعر بالفرح، ذهب الخوف، أصبحت أهتم بأطفالي بمنزلي، أخرج بعدما كنت أخاف من الخروج بسبب غرابة الشوارع والناس، لكن الآن حتى لو شعرت بالغربة أصبح الوضع عاديًا بالنسبة لي كأنه مخدر، استخدمت العلاج سنة ونصف، وتركته بالتدريج حسب تعليمات الطبيبة، وأنا الآن متوقفة عن العلاج منذ 5 سنوات تقريبًا، متعايشة مع وضعي، لكن لا أشعر أني عدت طبيعية 100%.
أحيانًا أشعر بخوف وحزن من لا شيء، ومشاعري تجاه زوجي خصوصًا متبلدة، كنت في السابق متعلقة به وأحبه، الآن ليس لدي مشاعر تجاهه، وهذا يحرجني كثيرًا معه؛ لأني أصبحت أتهرب من العلاقة الخاصة وأشعر بنفور منها، أحيانًا أشعر أني أعيش بلا هدف، مخاوف عند الإقدام على أي شيء، لا أشعر بسعادة حقيقة، وإن شعرت بها أشعر بمن يقول: أي لا تفرحي كثيرًا، وأنا على هذا الحال منذ 7 سنوات، كيف أحب الحياة كما كنت وأحب زوجي وأطفالي كما في السابق.
آسفة على الإطالة وأتمنى أن تردوا علي في أسرع وقت؛ لأنني تعبت.
وشكرًا.
24/11/2015
رد المستشار
كم أنا فخورة بمشوارك في التعافي من معاناتك يا صديقتي، وأتمنى أن تكوني على نفس درجة التقدير والفخر بهذا المشوار العظيم الذي سرت فيه منذ سنوات وسنوات؛ فلقد رأيت الكثير من البشر الذين يعانون من مشكلات تشبه مشكلاتك، وتكاد تتطابق معك؛ فمنهم من ركن للمرض وظل في معاناة تتفاقم ولا يجتهد في مد يده لنفسه، ومنهم من ارتاح في مرضه واختار البقاء فيه حبا وتلذذا، ومنهم من نفض عنه معاناته ودفع ثمن الشفاء وبذل الجهد والوقت وأنت منهم ولله الفضل، ولكن هناك فارق بين التعافي من وطأة المرض وأعراضه السخيفة المؤذية، وبين تمام التعافي من جذور المرض قدر الإمكان؛ فلقد خطوت خطوات واسعة وكبيرة في التعافي ولم يبقى سوى الإتمام للقضاء بشكل كبير على جذور تلك المعاناة؛
وهنا الأمانة تقتضي مني أن أوضح لك كيف هو مشوار الإتمام؛ فهو يحتاج لمرجعة محايدة ودقيقة ودرجة مقبولة جدا من الاستبصار للتمكن من الوصول لما يعرف بحقيقة الفكرة الأم التي اختفت وراء ظلال تجاربك ومواقف حياتك، بل وجيناتك والتي لم تعد واضحة رغم أنها لازالت موجودة وتؤثر في مشاعرك وتصرفاتك!
وحتى يتضح كلامي أكثر سأعطيك مثال: تخافين مثلا من القرب والحميمية من الصديقات؛ فتجدين نفسك تصادقين وتستمتعين بصداقاتك ولكن لقدر معين من العمق، أو الارتباط، وترفضين من داخلك المزيد من الاقتراب والتعود، أو البوح بحقيقة مشاعرك، ومشكلاتك مع إحداهن بلا سبب حقيقي ظاهر، لكن حين تكونين في حالة حياد ودقة واستبصار تكتشفين أنك تبتعدين عن شدة احتياجك للقرب من صديقاتك؛ بسبب خوفك من فقدانهم، أو هجرهم للعلاقة معك؛ فترفضين مشاعر الألم من الفراق؛ فتقررين من البداية ألا تتورطي في القرب!
هنا تكون الفكرة الأم المختفية "إن القرب يأتي بعده الألم من الفراق!"؛ وهذا مجرد مثل توضيحي، ويحتاج كذلك لتكسير أصنام بداخلك؛ كفكرة أن المرأة لا قيمة لها إلا بارتباطها برجل!؛ فالتي تأخرت في زواجها ولن تتزوج مسكينة لا قيمة لها، ومن تزوجت ثم طلقت صارت مخيفة لا يمكن الاقتراب منها إلا بحذر، ومن ترملت هي في الحقيقة تدفن نفسها بجانب زوجها وإن عاشت من الخارج بعده سنوات وسنوات!، وهي مجرد أمثلة توضيحية أيضا؛ فهذا الإتمام هو ما يخلصك من بواقي وشوائب ما علق بنفسك من معاناتك الماضية، ولا يتمكن بفعل هذا كل شخص، وإن كان ليس مستحيلا مع التركيز والإرادة، ولكن يمكن مواصلة رحلة الإتمام مع متخصص نفسي بلا دواء؛
مادام طبيبك أشار عليك بانتهاء رحلة العلاج الدوائي؛ فهناك العلاج المعرفي، والنفسي، والسلوكي؛ الذي يتمم الشفاء بطرق مختلفة من خلال الجلسات النفسية وتعديل الأفكار والسلوك وغيره، وكذلك العلاج النفسي الجماعي يفيد كثيرا في مرحلة الإتمام؛ فبما أنك تلك الإنسانة الرائعة، الصامده فأقترح عليك القيام بتلك الخطوة وستجدين عجبا، ولا تبخلي على نفسك بتلك الخطوة حتى تعودين لذاتك الحقيقية وتقتربي منها، وتقتربي من مشاعرك التي تفر منك، وتلعب معك لعبة القطة والفأر لترتاحي؛ لأن راحتك واطمئنان نفسك وسلامك الداخلي أهم كنز تحتاجين للوصول اليه.