أفكار متسلطة
أفكر في أشياء ليس لها إجابات عند البشر وتسيطر على رأسي وجعلتني أفقد لذة الحياة من أكل ونوم وعلاقات اجتماعية تتعلق بالروح وعملها والإدراك والشعور والألم وكثير من مثل ذلك، ويأتي إلى ذهني أقوال الملحدين وأقاوم ذلك بالأدلة وهذا يسبب لي هذه المشاكل وكنت قد تعرضت لمثل هذا من قبل في سن 21 وجاء في صورة شك في الثوابت ثم تعافيت منه؛
والحمد لله ثم تزوجت وأنجبت طفلا وقد عادت هذه الحالة نتيجة اكتئاب شديد بسب ظروف العمل المادية
وأكثر شيء يتعبني هي محاولة إيجاد إجابة من العقل فيزداد تعبي.
30/3/2016
رد المستشار
الأخ الفاضل "يوسف أحمد إبراهيم" أهلا وسهلا بك على مجانين. حالتك واحدة من أكثر حالات اضطراب الوسواس القهري تواترا بين المرضى. ودعنا بداية نحمد الله أن نوبتين فقط حدثنا في حياتك وبينهما 21 سنة من الحياة الطبيعية، وهذا يجعلنا نفكر في العلاقة الوثيقة بين الاكتئاب والوسواس القهري.
بعيدا عن التوصيف والتشخيص دعنا نركز على ما يهمك أنت شخصيا يا أخ "يوسف"....
حالتك بهذا الشكل في بلادنا تحتاج إلى علاج نفسي ذي شقين أحدهما عقاري والآخر معرفي سلوكي إن أمكن، ولكن التقييم الحقيقي لحالتك ليس ممكنا في ظروف الموقع الحالية ونحن نتحاور بما يشبه الإيميل وهو ما يعني أهمية قصوى للاستعانة بمعالج نفساني متمرس ليقرر حاجتك لنوعي العلاج (المعرفي السلوكي والعقاري) معا أم أحدهما حسب الظروف العامة لحالتك كما يراها.
وأما ما ننصحك به فهو التدرب على التعامل مع ما ذكرت من أفكار وتساؤلات بطريقة جديدة تعتمد على تعميق وعيك المعرفي وفهمك الموضوعي (وليس الوسواسي) لكيف يعمل التفكير؟ وكيف تعمل محاولة قمع الأفكار؟ وكيف يمكنك أن تنجو من براثن الوسواس.
اسمع يا "يوسف"... قلت بآخر سطر في إفادتك (أكثر شيء يتعبني هي محاولة إيجاد إجابة من العقل فيزداد تعبي)، وأقول لك عندما يقتحم الوعي سؤال مثل ما ذكرت كثيرا ما يمتزج الخوف من السؤال ومن محاولة الوصول إلى إجابة خوفا من الفشل بمحاولات قمع فكرة السؤال نفسها... وهذه استرتيجية غالبا فاشلة حتى ولو نجحت على المدى القصير.... كما سبق ووضحنا في متابعة لإجابة "الستارة" كيف يحدث ذلك طبقا لخاصية ابتلي بها التفكير البشري تسمى العمليات العقلية الساخرة Ironic Mental Processes .
لكن أحيانا يحدث أمر مختلف خاصة في الرشد المبكر Adolesence، حيث من الطبيعي للراشدين الصغار أن يفكروا ويتسائلوا مثلا عن الغيبيات وهي في الغالبية مرحلة عابرة.... إلا أنه حين يستمر ذلك طويلا فإنك تجد نوعين من المستمرين في ذلك أحدهما مريض الوسواس المعتاد البريء المعذب والآخر -المعذب أيضًا- هو من يعجب بالسؤال نفسه وهو غالبا معجب محب لطريقة تفكيره وتراه يرفع شعارات مثل "لابد أن أثبتها بالعقل والمنطق" أكثر من غيره، وهذا هو مسار الاجترارات الفكرية الوسواسية Obsessive Ruminations .....
ويمكن -كما حدث معك- أن يتكرر ذلك النوع من الوسوسة بشكل نوبي كثيرا ما يرتبط بالكروب الحياتية Life Stressors والواضح أن هذا ما حدث معك مثلما من الواضح أنك دائما كنت من أصحاب رد الفعل المنزعج الرافض –خاصة للغيبيات والأمور العقدية- الذي يبدأ بالمحاولة الفاشلة لقمع الفكرة، ثم محاولة إلهاء العقل عنها لتفشل أيضًا ولو بعد حين ثم تجد المريض يتأرجح بين محاولات قمع أو تحييد أو التلاهي عن الفكرة ومحاولات الوصول إلى إجابة مقنعة أي السقوط في براثن الاجترارات الفكرية الوسواسية.
وأما حين تحدث الوسوسة بمثل هذه التساؤلات للمرة الأولى بعد سن الثلاثين يكون فغالبا ما يكون ذلك ضمن اضطراب اكتئاب أو وسواس اكتئابي وأحيانا –ليس دائما- ما نجده يعكس شيئا من الرفض الداخلي لواقع معاش،...... لا عليك من هذا فما عليك هو أن تنفذ النصيحة بطلب العلاج فليس مضمونا أن تنتهي النوبة مثلما انتهت سابقتها القديمة خاصة وأن لديك اكتئاب شديد كما وصفته... أهلا بك دائما فتابعنا بالتنطورات الطيبة.