وسواس الاغتسال..!؟
مشكلتي تكمن في أنني أعاني من وسواس الاغتسال. خاصة وأنني قرأت من أنه يجب أن يصل الماء إلى كامل الجسد مع تمرير اليد من دون ترك ولو لمعة من الجسم. فأنا الذي يحصل معي هو أنه أسكب الماء باليد اليمنى بواسطة الإناء وفي الوقت نفسه أحاول أن أمرر اليسرى على الجسم لأحقق شرط الدلك. ولكنني دائما ما أخشى أن يدا واحدة لا تكفي لتمر على كامل الجسم ما يضطرني إلى أن أسكب الماء باليمنى ثم أحاول في عجل أن أترك الإناء لأمرر كلتا اليدين ليتحقق شرط الدلك والموالاة وتمرير اليد من دون أن يفوتني شيء.
وما زاد في وساوسي هو أنه في مرة من المرات سكبت الماء على جسدي في مقابل المرآة فلاحظت أن الماء يجري من الأعلى إلى الأسفل ولكن يجف قبل أن يصل إلى المناطق السفلى، فمثلا إذا ما سكبت الماء من أعلى الصدر فإنه لا يجري بما يكفي ليصل إلى أسفل البطن. كما أجد مشقة قصوى في غسل الظهر والرقبة والتي أعتقد بأنني إذا ما قمت بصب الماء من أعلى الرقبة فإنه لا يجري كما ينبغي ليلتف بشكل دائري على كامل هذا العضو.
أما الأذن فهي حالة أخرى من التعب والمعاناة. إذ أحاول أن أدخل الماء إليها. وأحاول أن أدخل إصبع السبابة ليمر على كامل التجويف الداخلي لهذا العضو خاصة و أن المذهب المالكي عندنا يشترط أن تمر اليد على كامل الجسم من دون ترك ولو لمعة. وبالتالي فإن تبليل الإصبع وتمريرها على الأذن لا يكفي، إذ يجب أن يدخل الماء إليها.
أستغرق في الاغتسال مدة 15 دقيقة بعدما كان يأخذ معي 30 إلى 35 دقيقة ولكن كان ذلك بعد مجاهدة وصراع طويل مع النفس. أحلم بأن أصل إلى مدة 5 دقائق والله إنه حلم في حد ذاته، ولكنني لم أستطع أن أصل إلى هذه المدة مع شعوري بأنها غير كافية لاغتسال صحيح. أسرف في تبذير الماء بشكل كبير. الحاله تسوء خاصة في رمضان وبالأخص في ليلة القدر أين أسعى لأن يكون الاغتسال مكتملا بما يتواءم مع هذه المناسبة العظيمة. فأعود إلى مدة 35 دقيقة.
كذلك أتوسوس في إيصال الماء إلى أسفل الفرج وفتحة الدبر. حينما أنسى المضمضة أو الاستنشاق فأرى بأن اغتسالي غير صحيح لأنني أعتقد بأنه في الوضوء سنة أما في الاغتسال واجبا حسب المذهب المالكي، ففكرة وجوب وصول الماء إلى كامل الجسد لا تكاد تفارقني.
أرجو منكم المساعدة فأنا أشعر بأنني أحتاج إلى توجيه صحيح فأعود إلى إجادة الصواب.
21/10/2016
* ثم أرسل مرة أخرى يقول: وسواس الطهارة
السلام عليكم؛
نسيت في الاستشاره السابقة أن أسأل عن حكم شرعي يؤرقني. وهو أني كثير التعرق الأمر الذي يجعلني أضع مراهم مزيلة للتعرق تحت الابطين. ولكن وقت الاغتسال أجد لزوجة ذلك المرهم. الأمر الذي يشعرني بأنه يمنع من وصول الماء إلى العضو. فأشعر بأن اغتسالي غير صحيح.
رجاء أفيدوني.
وفقكم الله
27/10/2016
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "محمد" وأهلًا وسهلًا بك؛
باعتبارك مالكي المذهب، -وهو المذهب السائد في المغرب- سأبدأ إجابتك حسب مذهبك، لترى كيف أن الأمر فيه أيسر مما تتصور. إيصال الماء إلى سائر الجسد مطلوب، لكن يكفي غلبة الظن لغير الموسوس، أي لا تحتاج للعلم بوصول الماء إلى سائر الجسد 100%، يكفي 80% مثلًا، وغلبة الظن هذه لا تشترط للموسوس يعني يكفيه 50% فقط!!!
قال الشيخ محمد عليش في كتابه منح الجليل (ويكفي فيه غلبة الظن على الصواب فإنها كافية في الإيصال الواجب بالإجماع، ولا تشترط غلبة الظن في حق مستنكِح الشك لعجزه عنها، فيكفيه الشك فيه، ويجب عليه اللهو عنه ولا دواء له إلا هذا). وقال النفراوي في الفواكه الدواني في هذا الموضوع (وأقول: الذي يظهر من كلامهم في الصلاة، وفي الوضوء، وفي مواضع متعددة، من وجوب بناء المستنكِح على الأكثر عند الشك أي في الركعات أو الغسلات، ومن بنائه على الفعل عند الشك في النية وعدمها، وفي مسح رأسه هل فعله أم لا؟ أنه يكتفي بالظن هنا، ولو لم يكن غالبًا). إذن بالنسبة لك بالذات لا داعي لأن تتأكد ولا لأن يغلب على ظنك، اسكب الماء ومرر يدك بلطف ولا تفكر في الموضوع، أراحك الله فأرح نفسك!
وبالنسبة للدلك: قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (ويكره التشديد والتكرار لما فيه من التعمق في الدين المؤدي للوسوسة)، فيكفي فيه إمرار اليد على العضو سواء مع صب الماء، أو بعد صب الماء إذا كان باقيًا على العضو، مثلًا: صببت الماء على أذنك، يكفي إمرار أصابعك بعدها، لأنها مبتلة والماء لا يزول عنها بسرعة.
إذا كان هناك شيء من الماء يسيل على العضو، أو على الجسد، فأمررت يدك على الجسد حصل الدلك الواجب عند المالكية، هذا مع العلم أن الدلك في الغسل لا يشترط فيه باطن الكف، فلو دلكت الرجلين ببعضهما، أو بطنك بذراعك، صح... ثم ما عجزت عنه من جهة الظهر، أو الكتف، تسكب عليه الماء ويسقط عنك الدلك فيه، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
ولا يشترط في حقك يا أستاذ أن تتأكد من استيعاب الماء والدلك لا في أذنك ولا في سائر جسدك، حتى لو كنت شاكًا يكفيك، باعتبارك موسوسًا...، افرح أن لك استثناءات ورخصًا لا يملكها غيرك، وطنش عن الباقي!!
تقول: إنك سكبت الماء من الأعلى فلم يصل إلى أسفل البطن، وأنك تخشى ألا يلتف حول الرقبة...، اسحبه بيدك إلى المكان الذي لا يصل إليه وانتهى الموضوع! وإن لم يمكن سحبه لقلته، صب على جسدك من حيث توقف الماء. عندما تصب على رقبتك، أدر الماء بيدك عليها كلها، هذا مع العلم أن ما تصبه من الماء على رأسك، أو على وجهك، فيسيل وينزل إلى الرقبة كاف للاغتسال، ولا تحتاج إلى ماء جديد لكل عضو، كما هو الحال في الوضوء. ثم إن المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء والغسل عند المالكية، الحنفية هم الذين يجعلونهما واجبين في الغسل دون الوضوء، ولا علاقة لك بهم.
وأخيرًا؛ رغم أني لا أدري ما نوع مزيل التعرق الذي تستعمله وهل له جرم يمنع الماء أم لا؟ لكني لا أظن أن إزالته تحتاج لأكثر من غسله بالماء مرة واحدة كما تغسل يدك بعد الطعام، المانع يجب أن يكون له جرم يحجز بين الماء والجسم، كالعجين، والطلاء، والمواد اللاصقة، ونحو ذلك... أما الزيوت، والكريمات المطرية ونحوها فلا تمنع الماء، حتى إن شعرت بملمسها أثناء الغسل أو الوضوء.
وبعد أن ذكرت لك مذهب المالكية، أقول: إن الأمر أيسر مما تتصور، ما لا يصحّ في مذهبك، يصحّ في مذهب آخر. وقد تم الاعتراض قبل هذه المرة على القول بلزوم اتباع الموسوس لرخص المذاهب، وبأنه كيف يكون تغيير المذهب علاجًا للوسواس؟ وأن الوسواس يحتاج إلى منهجية معينة، وليس استبدال مذهب بآخر...الخ. ولعل من اعترض حينئذ لم يفهم وجه العلاج من خلال استبدال المذاهب، الموسوس يضيق على نفسه دائرة الصواب في الأعمال، فيحصر نفسه في طريقة واحدة، يعتبرها هي الصحيحة وما عداها خطأ، ومخالفتها كارثة.
فإذا تتبع رخص المذاهب، وعلم أنها كلها مقبولة عند الله تعالى، تخلص من الشعور الكارثي فيما لو بدل قليلًا، فهناك متسع. إن لم يدلك فسائر المذاهب لا تشترط الدلك، غسله مقبول عند الله وفق اجتهادهم، يعني لن تحصل كارثة فيما لو لم يدلك، إن لم يوالي الغسل، وغسل رجله بعد ساعة من يده، فغسله صحيح عند الحنفية والشافعية الذين لا يشترطون الموالاة، فلن تحصل كارثة من ترك الموالاة، وهكذا...، فإذا اختفى الشعور الكارثي، سيتعود الموسوس آليًا على عدم التدقيق وعدم التزام طريقة معينة في العمل. يعني حتى لو كان ما جاء به غير كامل حسب قناعاته السابقة، فإنه مقبول، ولا يشترط للقبول الكمال في كل شيء، ولو كان لا يقبل في الجامعة إلا من أتى بالعلامة التامة في الثانوية، لما دخل الجامعة أحد.
طيّب ماذا لو اتفق العلماء كلهم على وجوب شيء يشك الموسوس فيه؟ هناك يتفق العلماء أيضًا على أن الموسوس يقوم بالعمل حتى مع الشك، وهو صحيح شرعًا، إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والموسوس لا يستطيع التخلص من شعوره بالشك، فيكتفى بأدائه للعمل بجوارحه دون التعويل على نيته وشعوره لأنه عاجز بالنسبة لهما. وإذا ضاق الأمر اتسع.
تدرب الآن على الاغتسال دون التفات للموالاة والدلك، ولتعطِ لنفسك في هذا مدة شهر على الأكثر، ثم ابدأ فحدد مقدار الماء المستعمل، ثم أنقصه شيئًا فشيئًا إلى أن يصل إلى حد مقبول. إنما هو تمرين واكتساب مهارات في تمرير أقل كمية من الماء، على أوسع مساحة ممكنة من الجسد.
مثلًا تمرّن خارج الوضوء أو الغسل، ضع في كفك شيئًا من الماء، ومد ذراعك الأخرى وحاول تمرير ماء كفك على الذراع كلها، من جهة واحدة بداية، ثم تمرن على أن تستوعب الذراع كلها وتدير عليها الماء مستغلًا كل قطرة. طبعًا إن بقي من الماء قطرة تسيل فهذا غسل، ولا تتحول إلى مسح إلا إذا بقي على الذراع رطوبة لا يسيل منها ولا قطرة، حينها لن تستطيع سحب هذه الرطوبة إلى مكان جاف.
تمرن على هذا بضع مرات خارج العبادة، ثم ابدأ بتطبيقها أثناء وضوئك واغتسالك، ولا تلتفت لمشاعرك بعدم التعميم وكمال الإيصال، ولا تعد إلى الوراء ولا تعيد. ولعلك تستفيد من استشارة الوسواس القهري برنامج علاجي فقهي سلوكي. إذا استطعت اكتساب هذه المهارة، مبارك عليك، قد انتهيت من الوسواس.
وأهلًا بك دائمًا.
ويتبع >>>>>>>>: وسواس الاغتسال 50% تكفي للموسوس ! م