عندي إحساس بالإحباط وعدم الثقة والتشتيت
أنا خريج دفعة 2015 و لسه مخلص تجنيد .. عمري 26 سنة .. خلصت الكلية في 8 سنين بعد رسوب 3 سنوات ودخلت في أكثر من تجربة عاطفية فاشلة .. كلها أثرت فيّ لكن أكثرها الأخيرة .. لأني بسببها كنت استعدت جزء من حماسي وثقتي ونجحت آخر سنتين في الكلية بتقدير ولكن بعد ما تخلت عني وارتبطت بحد جاهز رجع لي نفس الشعور اللي قبلها ولكن بزيادة
مشكلتي دلوقتي أني مشتت جداا وخائف أخذ قرار في أي حاجة حاسس أني تأخرت كثيراً واللي في سني بقوا في مكان ثاني وأنا لسه ببدأ .. خائف أخذ مثلاً كارير معين في الشغل وأرجع أندم عليه .. وخصوصاً أني حالياً ندمان تقريباً على كل حاجة حصلت لي قبل كده حتى قرار أني أدخل الكلية دي ومش شايف نفسي في أي شغل تبعها
معنديش ثقة أني ممكن أنجح في أي مجال .. بحس بالتوتر من أقل شيء ومن أتفه حاجة .. عندي إحساس دائماً بالإحباط وعدم الرضا عن نفسي وعن حالي
للأسف بعيد عن ربنا ومش بصلي .. حاسس أن ربنا مش راضي عني .. وبخاف أني أدعوه أو أطلب منه أو أستخيره في الحيرة اللي أنا فيها دي .. لأني معملتش اللي أستحق بيه أنه يقف جنبي .. حاولت أقرب منه بس في حاجة تبعدني وأكثر حاجة بحس أني بكذب ومش من قلبي
مدمن للعادة السرية .. دائم الشكوى لأي حد كأني بدور على حد يتحمل مسئوليتي أو يفكر بدالي
هل في حل أني ممكن أرجع إنسان طبيعي ثانية ؟؟
19/4/2017
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله أخي الكريم "محمّد"، وحللت أهلاً وسهلاً في موقع مجانين، ونشكر ثقتك بالقائمين عليه. وهناك حلّ نعم.
أحب أن ألخّص استشارتَك في العناصر التالية:
- ضعف تأكيد الذات self esteem
- إحباطات عاطفية
- عدم الرضا عن المسار الدراسي والوظيفي
- اكتئاب محتمل
- بعد عن الله وتصوّر معيّن عن العبادة
- إدمان للعادة السريّة
أخي محمّد أبدأ معك بهذه الجملة (وخصوصاً أني حالياً ندمان تقريباً على كل حاجة حصلت لي قبل كده حتى قرار إني أدخل الكلية دي ومش شايف نفسي في أي شغل تبعها)....... أنت تصف شعورك بأنّك نادم على كلّ شيء حتّى دخول كليّة الصيدلة التي يحلُم بها الكثيرون، فهي كلية مرموقة على أيّ حال. وهذه المشاعر السلبية تجاه نفسك ومسارك وحياتك، توحي باكتئاب وسوداوية في التفكير ويؤكّد هذا جملتك (معنديش ثقة أني ممكن أنجح في أي مجال .. بحس بالتوتر من أقل شيء ومن أتفه حاجة .. عندي إحساس دائما بالإحباط وعدم الرضا عن نفسي وعن حالي). فهذه من أعراض الاكتئاب، وربما قلق متعمّم، نظراً لأنك خائف من اتخاذ القرارات، وأيضاً خائف من أن تندم عليها في حالة اتخاذها !
ينبغي أن تعلم أخي محمد أن الاكتئاب وما يصاحبه من انخفاض تقدير الذات، يعطي أحكاماً خاطئة جداً عن الفرد وحياته منجزاته، بطريقة يركز فيها على ما هو سلبي فقط، ولا يستشعر حلاوة ما أنجز. بكلمات أخرى النفسية تكون "مُنتجة" لأحاسيس مشوّهة اتجاه الواقع الذي يعيشه صاحبها، ولا يمكن الاعتماد عليها في تقييم الحياة الشخصية. فعِوَض أنْ تستهلك ما يَرِد عليها من فرح وحزن وحماسة وإحباط، تصير كالمرشِّح لا يمرّر إلا ما تسمح طبيعته السوداوية بتمريره معدّلاً متأثّراً.
بالنسبة لدراستك وتعثّرك في مسارها، لم تخبرنا سبب التعثّر، هل للأمر علاقة بالتجارب العاطفية المُحبطة أو بشيء آخر؟ على أيّ التأخير وارد في مسارات النجاح، والنجاح نجاح حياة وليس فترة كما علّمتنا الحياة نفسها. فالسنوات الثلاث التي تأخرتَ فيها، قد تُنزع ممن اقتصَدَ فيها بسبب مرض وبلاء، يأخذان كل السنين وليس ثلاثا فقط ! نسأل الله السلامة واللطف. فلا تبتئس فحياة البعض مشرقة من الأول، وبعضنا يتأخر شروق الشمس قليلاً عنهم.
جملتك هذه (خائف أخذ مثلاً كارير معين في الشغل وأرجع أندم عليه) وكأنك لم تبدأ العمل بعدُ؟ صحيح؟
إذا كان الوضع كذلك، فهذا سبب آخر (طبيعي) لإحباطك، خصوصاً أنك تقارن نفسك مع غيرك، ولا يمكن فصل هذا التقييم الذاتي عن التجارب العاطفية الفاشلة، فقد قلتَ أن الأخيرة أثّرت فيك أكثر، وربما سبب ذلك أنّ الإحساس بالدونية مقارنة "بالرجل الجاهز" زاد من شدّة الصدمة ووقعها على نفسيّتك، حسّيت أنك "مش راجل" أمامه وأمامها !
وطبيعيّ أن تشعُر بنشاط وثقة وحماس بعد أن ارتبطت وحققت حاجة نفسية عاطفية، ولكن المشكل هو ربطُك تقدير ذاتك واحترامك لها، بمدى قبول النساء لك. وأيضاً خوضك التجربة دون معرفة تبعاتها على شخصيّتك بالذات، لذلك ارحم نفسك إن كنتَ حسّاساً من هذه الجهة، ولا ترتبط بإنسانة مهما بدت لك "دون مثيل ولا بديل" ! فصدّقني هناك دائماً حل وبديل أفضل نجهله. واعمل على تحسين وضعيّتك الاقتصادية والمهنيّة، فهي كفيلة برفع مستوى تقديرك لذاتك ومع أقرانك، وستكون آنذاك أقدر على ربط علاقة صحيّة مع زوجة تختارها، وحتى إنْ لمْ تنجح على المستوى العلائقي، فستُواجهها بنفسية واثقة قوية مستعلية شيئاً ما، وتتجنبّ فخ عزوِ فشلك العاطفيّ إلى حالتك المادية أو المهنية، وكأنّ التجارب العاطفية تأتي لتؤكّد لك ما أنت موقن منه، وهو أنّك "فاشل" وهنا مكمن الخطر.
توقعاتك عن نفسك سلبية وطبيعي أن تكون التوقعات عن كفاءتك وقدرتك على الإنجاز كذلك، ولكن لا يمكنك معرفة قدرتك على الالتزام والقيام بعمل ووظيفة إلا بعد الولوج لها والصبر على المشاعر السلبية الأولية، جراء صعوبة التأقلم وحداثة المواقف والأجواء على نفسك. لذلك ثق في نفسك أكثر وتفاعل مع الناس وأنت تفهم أنّهم لا يطلعون على أفكارك وإحساسك اتجاه نفسك، إنما يتعاملون معك بالقدر الذي تتفاعل به معهم ظاهرياً، فإن ركزت على عالمك الداخلي فوّت الفرصة لكي تبرهن لهم أنّك كفؤ وإيجابي.
بخصوص كثرة الشكوى، قد يكون الأمر عادياً إن لم تتجاوز نسبة الشكوى حجم المشاكل ووتيرة معيّنة. آنذاك سيكون تجليّا لنفسيّة مزعزعة تحتاج دائماً كلمات تطمئنُها وتطبطب عليها، إما لكي تبرّر لها ركونها للسلبية، أو لترسُم لها واقعاً جذّاباً سعيداً، قد يكون زائفاً ومفرحاً بشكل مؤقّت. لا تُدمن عادة الشكوى إلا لمن رأيته معينا لك، ويجب اختيار مواضيع الشكوى أكثر من اختيار الأشخاص، وبذل الجهد لنقد ذاتي (دون تأنيب ضمير) لمعرفة ما تملكُه ويمكن تغييره، وما لا يدخل تحت نطاق قدرتك، فكلنا له قدرة محدودة بصفتنا بشرا !
نأتي على قضية العلاقة مع الله تعالى، تقول (لأني معملتش اللي أستحق بيه أنه يقف جنبي). قد قال الله سبحانه في كتابه: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (43) سورة الأنعام) فأيّ الفريقين تختار أخي محمد ؟ تأمّل أن الله عاب عليهم عدم تضرّعهم مع أنّهم كانوا عصاة ! فالتصور الإسلامي الصحيح بعيد كل البعد عن تصوّراتنا المثالية عن التدين والتقرّب من الله. يكفي إذن أن تتقرّب إلى الله لتكون ممن استجابوا لله كي يستجيب لهم. وإحساسك هذا (حاسس أن ربنا مش راضي عني) ليس إلا إسقاطاً لمشاعرك واكتئابك على شيء غيبيّ أصلاً. فعندما نكره أنفسنا نشعر أنّ كل شيء يكرهنا حتى القطّة التي تفرّ منّا في الشارع !
ولكن قلت أن المانع من التقرّب إليه هو إدمانك العادة، ولا أدري ما هو تعريف الإدمان عندك وأنت لم تعطنا فكرة عن الوتيرة. ولكنّ أتفهم أن الجنابة والاغتسال منها شاق جداً إذا ما تكرّرت الممارسة. فهل ستجعل عادة تحول بينك وبين شعور الحاجة والضعف والالتجاء إلى الله بالصلاة والدعاء؟! هل حاولت التقليل منها ومن مصادر الإثارة ؟ هل عملت على برنامج سلوكي لتفادي الوقوع فيها ما استطعت ؟ كأن تجتنب النظر لصور النساء، أو الإباحيات أو القصص الغرامية...
التغيير ممكن والحمد لله، وتغير الفصول وتحول الأوضاع من حولك، وتبدل الناس وتطور العقليات.. كل ذلك يعطيك انطباعاً بأن دوام الحال من المحال. شرطَ أن نبذُل جُهداً وننتقض بعزيمة نخلُقها من كثرة مقتنا لأنفسنا نفسها، لنحوّلها إلى قوة داعمة عوض أن تكون مدمّرة.
وأنصحك طبعاً برؤية معالج نفسي متى استطعت. وأتمنى لك التحسّن أخي محمد، في أمان الله
وأحيلك على روابط متعلقة بالنقاط التي ذكرتُ، وستجدها تحيلك إلى مواضيع مشابهة:
عسر المزاج والتفكير الاكتئابي المشوه
عاوز أحب وأتحب
الحب ليس طفلاً تائهاً نبحث عنه
قلق عام مزمن أو قلق متعمم !