الوسواس القهري
السلام عليكم
أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نذكره كثيرا وأمرنا بأن لا نعرض عن ذكره، فهل يجب أن نذكر الله تعالى 24 ساعة بشكل مستمر أي مثل التنفس...... يعني نقول (سبحان الله والحمد لله ......) بصورة مستمرة ودون توقف
أتمنى أن تجاوبوني هل الله تعالى يريد منا أن نذكره باستمرار، أم يريد أن نذكره لفترة من الزمن ومن ثم نرتاح لفترة، وأنا كنت أعاني من الوسواس القهري فاستشرت طبيبي النفسي وقال لي هذا أيضا نوع من الوسواس قهري والعلاج هو التجاهل والإعراض............ والله تعالى أمرنا بأن لا نعرض عن ذكره فكيف يكون العلاج بالإعراض عن الذكر
أرجوكم ساعدوني بالله عليكم فإن نفسيتي قد تعبت جدا
30/5/2017
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "أحمد"، رمضان مبارك
هناك التباس حاصل لديك بين معنى الإعراض عن ذكر الله، ومعنى الإكثار منه، ومعنى تجاهل الفكرة الوسواسية. وهو ما سبب لك كل هذه المعاناة، وسأبيّن لك كل هذا:
أولًا: معنى الإعراض عن ذكر الله تعالى المذكور في قوله سبحانه: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:124]، فالمراد به الإعراض عن الدين وعن الإيمان بالقرآن. جاء في تفسير الجلالين: ("ومن أعرض عن ذكري" القرآن فلم يؤمن به). وفي تفسير القرطبي: (أي ديني وتلاوة كتابي والعمل بما فيه وقيل: عما أنزلت من الدلائل). ومثله في تفسير الرازي وابن كثير وغيرهما. وكما ترى، أنت وكل مسلم لا يندرج تحت هذه الآية، فنحن لم نعرض عن دين الله تعالى وكتابه بفضله سبحانه وهدايته لنا.
ثانياً: معنى الإكثار من ذكر الله تعالى: واضح أن كلمة "الإكثار" لا تعني كلمة "الدوام" أن أذكر الله كثيراً، ليس معناه أن أذكره دائماً. تقول: كثيراً ما أذهب للنزهة. هذا لا يعني أبداً أنك دائماً في نزهة!! وأقل الكثير (كما ذكروه في شرح الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة): أن يصلي عليه أكثر من ذكره لغيره في ذلك اليوم وليلته. ومنهم من قال: أقل الكثير هو أن يصلي عليه ثلاث مئة مرة، لأن الثلاثة أقل الجمع...
وأما في التفسير فقالوا: (يعني بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية) كما في تفسير الخازن، وقريب منه ما قاله غيره.
إذا جاء الليل اذكر الله تعالى بأذكار المساء، وإذا دخل النهار اذكره، وكلما قمت إلى الصلاة فأنت تذكره، وإذا رأيت بديع خلقه ذكرته واستحضرت عظمته...، إذا ركبت في السفينة أو الطائرة أو السيارة فلذلك أذكار تقولها وتذكر الله بها. وتتفكر كيف سخر لنا هذه الوسائل؟!.. إلخ.... لكن لا مانع خلال هذا من انقطاع للذكر تنشغل به بأمور مصالحك، لأن المطلوب أن تذكر الله كثيراً وليس دائماً. ويكفي أن تأتي بأقل حد للذكر الكثير حتى تكون ممن يذكر الله كثيرًا، لكن المضمار واسع في هذا، ولم يجعل الله تعالى للإكثار حداً ينتهي إليه... لكن على كل حال الإكثار لا يعني (دائماً في كل ثانية).
ثالثًا: تجاهل الوسواس: مما سبق تعلم أن تجاهل الوسواس لا يعني أن تترك الإقبال على الله وعلى دينه وقرآنه. ولا يعني أن تترك أذكار الصباح والمساء، والتفكر في خلق الله وقدرته، و تذكرك إياه عندما تضع رأسك على الوسادة لتنام، أو عندما تبدأ الأكل...
إنما يعني أن تترك التفكير: هل أكثرت أم لا؟ وأن تتجاهل القلق عندما تشك في التقصير، وأن تقتنع أن قولك للأذكار النبوية الواردة في اليوم والليلة، وتفكرك في أمرٍ بديع رأيته، كافٍ لأن تكون من الذاكرين الله تعالى كثيرًا.
أرجو أن يكون كلامي واضحًا، وأن تبدأ بتجاهل الوسواس رغم صعوبة ذلك في البداية. فكما تعلم من خبرتك دائما بداية التجاهل صعب، لكن نتيجته طيبة. أعانك الله.