نفسية
أنا طبيبة عندى 31 سنة لم يسبق لي الارتباط الرسمي لكن ارتبطت عاطفيا بشخص ما لفترة وخذلني، مشكلتى حاليا إني حاسة إن شهوتي عالية وأفكر دايما في الجنس
طول الوقت بتخيل نفسي مع الشخص إللي كنت بحبه أو مع أي حد متقدملي أو معجبة به، والتفكير ده أحيانا بيوترني ويخنقني ويعملي أزمة نفسية لأني مش طايلة إللى بفكر فيه ده، بفكر فيه زي الشاب في مرحلة المراهقة وأحيانا بيحصلي external orgasm وأنا نايمة
أنا عارفة إن علاجي إني أتجوز بس مشكلتي التانية إنى خايفة من الارتباط ومسؤوليته ومش بكمل في أي موضوع جواز بسبب الخوف وعدم الاقتناع كمان، لدرجة أني حاليا كل اللى نفسي فيه شخص أرتبط بيه ميشلنيش همه وأقدر أطلع معاه كل الكبت اللى حاسة بيه بس ده طبعا مش موجود
بلعب رياضة وبدعي وبشتغل بس لسه عندي نفس المشكلة ويمكن مش عايزاها تهدى على قد ما أنا عايزة أبطل خوف من الجواز
أعمل إيه؟؟؟؟؟
2/10/2017
رد المستشار
السائلة الكريمة:
رسالتك المختصرة تفتح ملفات كثيرة بالغة الأهمية، وأشكرك على ثقتك بموقعنا.
أرصد معك شيئا عجيبا شائعا وهو أن نعتبر الرغبة الجنسية شيئا مزعجا!!
التفكير في الجنس هو من علامات الحياة والإنسانية، وهو تذكير دائم ومستمر بأن هناك احتياجات علينا أن نبحث لها عن الإشباع بالأسلوب المناسب!!
مأزق كبير أن مجتمعاتنا البائسة تائهة، وغائبة عن الوعي فيما يخص التفكير، والتركيز، والسعي (والوعي مقدمة السعي) للعمل على تلبية الاحتياجات الإنسانية كلها بأنواعها، ودرجاتها!! رغم أن غياب تلبية الاحتياجات مسؤول عن تعاسات، وتعثرات، وأهوال كثيرة.. في حياتنا.
ضاع تركيزنا على إشباع وتلبية الاحتياجات لمصلحة التركيز على الالتزام بالتدين الشكلي، والأخلاق الظاهرة رغم أن روح الإسلام – دين الأغلبية – هي أن الأخلاق إنما تنبع من النضج الروحي، ومجاهدة النفس لتعلو على الرغبات والشهوات والمخاوف وهي لا تستطيع ذلك – كما أفهم الإسلام – إلا في ظل منهاج يشبع الاحتياجات، ويعمل ويجتهد في تيسير الإشباع حتى يكون سهلا ميسورا، وبسيطا قريبا، وفي غياب الإشباع يصبح الحديث عن العفة والأخلاق محض كلام!! وبناءً عليه فإن شهوتك ليست عالية عن غيرك إنما هي إشارة إلى احتياج غير مشبع، ويبدو أن إشباعه متعسر عند الملايين رجالا ونساءا!!!
ومن الطبيعي أن يحصل إسقاط على شخص معين واقعي مهما كان هذا الشخص، وهذه الخيالات من شأنها أن تؤدي إلى تفاعلات نفسية وجسدية قد تصل أحيانا إلى الإرجاز، وهذا كله طبيعي، ومتوقع، فأين المشكلة هنا؟!!!
الملفت أنه في ظل غياب الإشباع يتجه تفكيرنا غالبا إلى أن الجنس، والتفكير فيه، وحركة الشهوة لممارسته هي عبء، وكأننا نود التخلص منه، ولا تتجه جهودنا عامة إلى حل مشكل الإشباع الغائب، وتداعياته!!
يعني أسمع كلاما كثيرا عن العفة، والحفاظ على الشرف، والقابض على دينه، والجمر المشتعل.. إلخ، ولا أكاد أسمع من أحد في هذه المجتمعات المسكينة المجرمة في حق أبنائها، وبناتها، ولا أكاد أسمع كلاما عن حلول أو مخارج للتعامل مع غياب الإشباع ليس للجنس فقط، ولكن احتياجات أخرى إنسانية، ومغيبة!! رسالتك هي حديث كاشف بلسان الملايين ممن لم يعد الكلام عن تيسير الزواج، وأخلاق العفة كافيا لهم.
على كل حال... رسالتك تستدعي تفصيلة في غاية الأهمية، وفي غمرة التفاصيل، أو الغيبوبة العمة عن التفاصيل، والتفكير الاندفاعي، والممارسات الرعناء، فإن هذه التفصيلة تضيع!!
أبدأ بسؤال: من الذي قال أن الارتباط حتمي بين إقامة علاقة بالزواج، وبين إقامة أسرة، وبناء بيت بما تحمله كل هذه العناوين من أعباء!!
من الذي ربط العلاقة الزوجية بإنجاب الأطفال، وبقية الأعباء المعروفة في حياتنا المعاصرة؟!
لماذا لا يوجد لدينا علاقات زواج بهدف إشباع الاحتياج للحميمية، والتلامس، والدعم المتبادل، وممارسة الجنس!!
لماذا يتوجب على من يريد إقامة علاقة زواج أن يتحمل كل هذه الأعباء الحالية، والمتزايدة في ظل انهيار أنظمة الحكم والإدارة والتيسير في أغلب البلدان العربية!!
وذلك مع غياب النسيج المجتمعي الفاعل، والنتجة أن تحولت مسؤوليات الزواج إلى جحيم أرضي متكامل الأركان!! وبخاصة حين يحصل إنجاب أطفال، ويتحمل الوالد والوالدة مسؤولية السعي للإنفاق، وتحمل أعباء التربية، والتلعيم بكل مشكلاته، وكل شيء من الألف إلى الياء دون عون من أجهزة دولة، ولا مساندة من جهود مجتمع!!
من أجل ذلك صار الزواج والإنجاب في بلداننا مغامرة، ومخاطرة غير محسوبة العواقب!!
خوفك من هذه الأعباء مفهوم، ومنطقي، وله مبررات قوية، واستهانة الأغلبية بها تؤدي إلى الفشل الذريع، وأحيانا السريع، ومن ثم ارتفاع نسبة الطلاق إلى معدلات فلكية.
المجتمعات العربية المعاصرة تعاني من أخطاء في التشخيص، وعجز عن العلاجات الممكنة والمطلوبة بشدة، وكلما واجهتنا مشكلة وقفنا نردد ما حفظناه، ونكرر ما يتبادر إلى أذهاننا من نصوص دينية، أو مفاهيم مستقاة منها نحسبها حلولا، وهي مجرد كلام في الهواء نطلقه!!
لأن تعاليم الدين لا تفعل شيئا بمجرد التلاوة، ولكن بأن تتحول إلى برامج، وخطوات، ومبادرات عملية، ومراجعات للثقافة الشائعة، والسلوك، وأنماط العلاقات
المدهش أيضا أنني أزعم أن هناك ملايين قد ينفعها هذا النوع من التفكير الذي تشيرين إليه أنت عرضا، وكأنه مستحيل! أي ألا نضع كل الأعباء والخطوات والمخاوف المشروعة في سلة واحدة بحيث يعني الزواج حمل هذه السلة بأسرها على كاهل مثقل أصلا... بأعباء العيش والسعي في ظروف طعبة!!!
يفيدنا أن يكون لدينا اختيار جديد بين الزواج الثقيل متعدد الأبعاد والضغوط، وبين بقاء الإنسان وحيدا يعاني من نقص، أو غياب إشباع احتياجاته!!
زواج السكن الروحي، والإشباع النفسي، والجسدي، دون أن يتحمل كل طرف أعباء الطرف الآخر، أو أن يتحملا معا الأعباء الضاغطة للزواج المعتاد.. ربما يكون هذا حلا للبعض!!
لابد أن أتوقف عند الإشارة الملهمة والمهمة التي جاءات في ثنايا رسالتك حين قلت:
"شخص أرتبط بيه ميشيلنيش همه"
لا يكاد يفهم أحد منا أنه لا علاقة أصلا للزواج الطبيعي بين بشر واعين أسوياء بما يحصل عندنا حين يأتي كل طرف من طرفي علاقة الزواج بمشاكله، أو همومة إلى مساحة العلاقة!! ويلقيها على كاهل الطرف الآخر!!
بحيث أن كل تاريخ وتعقيدات وتعثرات وموضوعات وقصص وانكسارات وتشوهات الرجل في مسار حياته تصبح عبئا على امرأة مثقلة، ومطلوب منها أن تصبر وتتحمل وتستوعب وتحتوي وتعالج!!
وكل عيوب وضغوط وسفاهات وتحرشات وجنون تربية الأنثى عندنا يحصل لها نوع من الإزاحة أو الإلقاء في حجر زوجها، ومطلوب منه أيضا أن يطبطب، ويطبب ويعالج، ويحتوي، ويهدد، ويمول حماقات زوجته، أو رحلة تعافيها من حماقاتها، إن وعت!!
هذا التصور والوضع الأخرق الذي نتوهمه، ونحاول أن نعيش بمقتضاه، وتوقعاته زاد من جحيم الزواج ليتحول إلى سعير مدمر!! فإما أن يصبح كل زوج طبيبا نفسانيا، ومستشارا لشئون الترفيه، واللعب، وحكيما هنديا يجيد التأمل، والصبر، وشاعر، وفنان، وأب، وعاشق متمكن، وأشياء أخرى تلزمه ليعالج ما تراكم عند زوجته عبر حياتها، وأن تصبح الزوجة خبيرة نفسية، وأم ثانية، وجليسة أطفال، وإنسان آلي يعمل بلا كلل ولا ملل، ولا تعب، ولا شكوى لاحتواء ما تراكم من تشوهات عبر حياة زوجها!! وللقيام بالأعباء اليومية الرهيبة المطلوبة منها!!
إما هذا، أو أن نكف عن هذا اللغو الفارغ، والفشل المستدام، وأن يعرف كل طرف في العلاقة أن أموره، ومواضيع حياته، وحل مشكلاته الخارجية والداخلية مع نفسه، ووالديه، والعالم، والأشياء، والأشخاص هي ليست مسؤولية الشريك في العلاقة، ولا مسؤولية أي أحد.... سواه!!
استمرار تعاملنا مع الزواج، وكأن علاقته هي مدخل للركن في جراج، أو مرآب سيارات بحيث يكون على الشريك مسؤوليات الصيانة والتنظيف، وإزالة كل ما علق بالسيارة طوال تاريخها، وأثناء سيرها اليومي!!
هل قلت لك من قبل أن الزواج قد تحول إلى مسخرة كاملة بسبب عدم الوعي، والخطط، والاستعباط، والإصرار على مفاهيم كثيرة مغلوطة أفشلتنا، وما تزال؟! طيب إذا كان ذلك كذلك، والزواج عندنا بهذا البؤس لماذا يكمل الناس المسيرة، ويتورطون؟!
في الحقيقة ما تزال التوقعات بالحصول على "مزايا" الزواج قائمة، والاستهانة بالمصاعب شائعة، مع غياب البدائل، أو الاختيارات الأخرى لمحاولة إشباع الاحتياجات!! لكن كل الشواهد تدل أن الزواج القائم، والشائع حاليا قاصر عن تحقيق وعوده، وقاصر في إشباع الاحتياجات التي يقبل الناس بالأعباء الهائلة في مقابل إشباعها!!!
على كل حال... ليست كلماتي إلا محاولة لإلقاء المزيد من الضوء على القضية، ودعوة لفتح آفاق أخرى لعلها تفسح مجالا أمام الملايين من المحبوسين في المتاهات العربية المتحدة علينا!!
والبدء في تبني ثقافة مصارحة، ومبادرات تهتم بالإنسان، واحتياجاته!!
أعتقد أن تعرفك على شخص متفهم، وربما خائف مثلك من أعباء الزواج التقليدي يكون مدخلا للاتفاق حول صيغة مريحة للارتباط بزواج يلبي حاجتك وحاجته، وإن كان هذا سيفتح التساؤلات عن توقف أهلك، وأهله، والمجتمع من علاقة زواج قد تكون منخفضة التكاليف، وبدون الأعباء النفسية والمادية المعتادة!! هذه مسألة جديرة بالتفكير أيضا.
وربما يحتاج الأمر إلى شجاعة، ومزيد وضوح مع نفسك لأن الرجل الخائف من الزواج لن تسعده مثلا مفاجأة أن تحملي دون اتفاق مسبق!!
وينبغي أن تطرحي على نفسك سؤال: ماذا بعد قضاء الوطر؟! ماذا عن حلم الأمومة مثلا؟!
لأن الرجل المستعد لزواج تلبية الاحتياجات ليس بالضرورة سيرحب بالخطو إلى الأمام بإنجاب أطفال، أو توسيع الصيغة الزواجية إلا إذا اطمئن هو الآخر، وقرر توسيع المسألة!!
أيضا الرجل الذي قد يذهب في اتفاق لإشباع احتياج إنساني جليل ربما لن يتحمل مسؤوليات اجتماعية أو مادية قد تعتقدين أنها من البديهيات في علاقة زواج!!
أنت في مرحلة نضج يمكنك معها مكاشفة من يعجبك، وترين فيه مثل خوفك – وهم كثيرون_، أو ربما تراجعين تقديرك كله للمسألة بعد أن فصلت لك فيها، وتقررين خوض مغامرة الزواج العادي بكل احتمالاتها!! أو ربما تذهبين في اتجاه آخر!!
نحن معك – في كل الأحوال – نسير في حقل الألغام جنبا إلى جنب: نتشاور، ونتحاور معا، لتحقيق خروج آمن لك، وإشباع طبيعي لاحتياجاتك وهذا من حقك، والتفكير فيه مشروع، والخيال حياة.
تابعينا بأخبارك، ودمت بخير.