الحجاب عائق في حياتي
مرحبا.... لكم خالص تحياتي وشكري مقدما على استشارتكم.
قصتي بدأت منذ عشر سنوات عندما قررت ارتداء الحجاب بسبب كلام الناس...! لأن أختي الأصغر مني تحجبت وكانوا دائما يحرجونني بأسالتهم لماذا أختك الأصغر محجبة وأنت غير محجبة!!!؟ كنت صغيرة في السن ولا أعلم لماذا ترتدي الفتاة الحجاب رغم أن كان عمري 14 عام ولكني غير واعية كفاية حتى أتخذ قرارا كهذا سيلازمني مدى العمر..
وللتنويه.. أنا تربيت في عائلة تتكون من أخت وأخ وأبي متوفى وأمي أطال الله في عمرها.. وكان أهل أمي يميزون بيني وبين أختي كثيرا وأمي أيضا كانت تميز قليلا وهذا أثر في شخصيتي كثيرا وجعلني قليلة الثقة في نفسي ولعل هذا ما جعلني أقلد أختي وأتحجب كي أرضيهم وأكسب محبتهم وبعد شهور قليلة من ارتدائي للحجاب صارحت والدتي بالموضوع وأني لست مرتاحة فيه وأني سأخلعه!! رفضت الموضوع ورفضَت حتى الاستماع لي وكأنه نهاية العالم إن قررت خلع حجابي ومع العلم لباسي كان محتشما ومستورا رغم صغر سني..
ومرت الأيام والليالي وأنا أعاني كل يوم وأفكر كيف سأخلعه وكيف لي أن لا أُغضب أُمي في فعلي هذا.. وفي كل مرة أفتح الموضوع تتعالى الأصوات وتغضب أمي وترفض الاستماع لي.. وفي يوم من الأيام ذهبت لعملي دون حجاب.. نظرت لنفسي في المرآة وقلت افعليها اليوم وليس غدا أظهري شخصيتك وكوني أنتِ.. وذهبتُ.. وأتت أمي لعملي لتجلب لي الفطور ورأتني دون الحجاب فغضبت وخرجت من مكان عملي.. فعدت ولبستهُ خوفا من أن يصيبها مكروه بسببي ولكن كل ذلك الخوف كان غير مبرر وأمي كانت تبالغ كثيرا في أفعالها هذه.. عندما كبرت ونضجت علمت ذلك جيدا وأني لو خلعته في ذلك الوقت ما كانت ستفعل شيئا..
الآن أنا متزوجة وصارحت زوجي في كل ما حدث وطلبت منه أن يقبل فكرة خلع حجابي.. يسمعني ويقول لي ليتك تكلمت قبل هذا الوقت.. الآن نحن متزوجان ولدينا طفلين وهذا غير مقبول في مجتمعنا كثيرا.. أحيانا يقول لي اخرجي بدونه لقد وافقت ويعود ويحطمني ليقول لي ارتديه... لا أرضى بهذا!... مع العلم أن أخواته وأمه غير محجبات ولا يوجد واحدة من عائلته محجبة.. كيف لي أن أقنعه بخلعي الحجاب؟؟؟
والله أتعبني هذا الموضوع ويؤرقني كثيرا.. أعلم أنه موضوع سخيف بالنسبة لباقي مشاكل الناس.. ولكن بالنسبة لي فأنا مسلوبة الحرية، وشخصيتي مهزوزة بسبب الحجاب.
أريد حلا مريحا!!!
أرجوكم.
13/10/2017
رد المستشار
أرجو أن تكوني قد تابعت إجابات سابقة على استشارات من العراق، ومصر.... تناولت الأسئلة، والهواجس التي تمحورت حول الحجاب، والحيرة بشأن قرار خلعه، أو الاستمرار في وضعه!!
والملاحظة المتكررة في رسالتك، والمشتركة مع الحالتين السابقتين هي أن العمق الذي يغطيه سؤال الحجاب إنما يتعلق بأسئلة أهم مشتبكة مع استكشاف الذات، والعالم الداخلي لكل سائلة، وعن حقيقة هويتها، وعن الأصوات التي تتردد، والأجزاء التي تتفاعل، وتتدافع بداخلها!!، هو شأن داخلي يوقظه ويحركه التفاعل مع المحيط، والحجاب هو مجرد علامة على نبض وحراك أعمق.
قد حاولت سابقا أن أفك الاتصال أوالاشتباك بين ارتداء الحجاب بوصفه أدبا من آداب التعامل الاجتماعي، وبين ما علق به من مفاهيم وممارسات جعلت منه منظومة متكاملة لوقف نمو إنسانية المرأة، أوتحجيم طموحاتها، ونشاطها، وحركتها، أو خنق انطلاقها، أوحريتها!!، وفي حالات أخرى تحول هذا الأدب الاجتماعي إلى عمق الدين، وعماده، وذروة سنامه، وتحول الالتزام به إلى معركة مفاصلة!!.
هذا الإجراء الذي يمكن رؤيته بوصفه تنظيما لحركة الناس في حياتهم اليومية الاجتماعية تحول (عند البعض) إلى مدخل للتسلط، والانتهاك، والتمييز، والنفاق المجتمعي...إلخ، وتحول عند آخرين إلى مدخل للتهكم، والازدراء، والاتهام بالتخلف.
ومسخ التعاليم الدينية وتحويلها إلى ممارسات قمعية هو مسار شائع في تاريخ الأديان كلها، والتصدي للتحريف والتشويه واجب، وكذلك التصدي للقمع والتسلط والتمييز باسم التعاليم الدينية، وهذه كلها من واجبات المؤمنين الصادقين، وكذلك فإن حرية الإنسان في ارتداء ما يروق له دون أن يستدعي هذا تمييزا ضده، مواجهة ونقد النفاق الاجتماعي، وأن يقرر الناس لنا كيف نعيش؟!، وما ينبغي، أو مالا ينبغي يحولنا إلى إمعات خاوية من الإرادة، والحرية، والاختيار الذي هو مناط التكريم والتكيف، وهذه أيضا مواجهات ومراجعات يلزمنا القيام بها في شأن الحجاب، وغيره!!
أخشى ما أخشاه أن نختزل هذه الجهود المطلوبة بشدة إن شئنا أن نبني أمتنا، ونتوجه إلى مستقبل أفضل، أخشى أننا – وكأننا لا نتعلم – مرة أخرى نختصر المسائل، ونجهض الأسئلة، والتأملات، ونمسخ الحوارات، وكل ما يتوجب علينا القيام به هنا، والآن!!، مثلما اختصرنا ونختصر الإيمان والعفة والطهر والأخلاق والاحترام وهوية وفقه المرأة المسلمة في الحجاب، يبدو أننا حاليا نختصر مراجعات وإجراءات وجهود وتساؤلات البحث عن الذات، والتحقق بالحرية، والاستمتاع بالطبيعة الإنسانية، والطبيعة من حولنا، ومعرفة عالمنا الداخلي، وتجديد تواصلنا بربنا، وبغيرنا.. نختصر هذا وغيره في خلع الحجاب!!، وكما تصديت لتضخيم معنى الحجاب ومكانته ضمن التعاليم، والآداب الإسلامية أراني متصديا لتضخيم رمزية ومعنى خلعه، ومكانة هذا الخلع وسط ما ينبغي ويتوجب علينا قوله، وفعله، في المرحلة الحالية!!
أخشى أن الحوارات الصحية، والمراجعات اللازمة بشدة، والمواجهات المجتمعية الحتمية، والمفاوضات الجماعية، والمجتمعية، والأسرية التي نحتاجها للوصول إلى مجتمع تعددي متنوع يحترم الاختلاف، ويستثمره، ويبني وينسج وشائج قوية تنهض بأوطاننا من كبوتها التي طالت، وتدهورت أكثر مما يمكن احتماله!! هذا كله غائب، وسيغيب بسبب الإجابات التبسيطية السهلة الممكنة!! والصراعات الضارية بين أنصارها!! نظرة بسيطة حولنا تعطيك أمثلة على هذه الصراعات الوهمية المصطنعة بين الإبقاء على السلطات الحاكمة هناك أو هنا – في العالم العربي، أو الثورة عليها دون وجود بنية تحتية من وجود نسيج مجتمعي متجانس يقبل التعددية، وينهض ببناء الأوطان على أسس من احترام إنسانية البشر، وحرياتهم، وحقهم في الاعتقاد والتعبير والعمل والتواصل والحب والحياة والحزن..إلخ.
أنا هنا أعطيك مثالا قد يبدو بعيدا، أو غير ذي علاقة، أقول أن حصر الموضوع في سؤال: أنت مع الأنظمة / السلطات أم ضدها يبتذل ويختزل قضايا كبرى مهمة، وكذلك اختصار أسئلة مثل استكشاف الذات، وحرية الحركة، والتحرر، والثقة بالنفس، والتنفس بعمق، وقوة الشخصية، وحسن العلاقة مع الزوج، أو التحرر من سلطة!!
انهارت أوطاننا تحت وطأة الفساد، والاستبداد، والتبعية، والجهل، ونامت إسرائيل هانئة وكبرت، وتمددت، وما تزال، ونحن معاركنا اليومية ما تزال: أضع غطاء الرأس أم أخلعه؟! والقرار صار مصيريا، والناس من حولنا لا يبدو أنهم معنيون بسلطات تسرقهم، أو أوطان تضيع، أو تاريخ نخرج منه، ويتمدد أعداؤنا، ولكن يعنيهم أن فلانة خلعت الحجاب بعد أن كانت وضعته، وأنها تبرز شعرها، ومفاتنها!! وجوقة الإعلام، ومباخر الكهنة، وصناعة البؤس تضرب الدفوف، وتنفتح الأبواق كلها تحجيب "نجمة"، أو خلعت حجابها!!
تصورك للحجاب في لحظة معينة كان يعني الجمال، وإرضاء الأقارب، وتصورك للحجاب اليوم أنه يعني المعاناة والإحباط وضعف الشخصية، وتصورات الأخريات تتخذ أشكالا أخرى، وتخفي تحتها صراعات، وتساؤلات، وقلق، وذكريات تحتاج إلى استكشافات، وتأملات، وخلع الحجاب لن يحل شيئا، كما إن ارتداؤه لم يحل شيئا!!
الهواجس عن الجمال، وعن أن تكون المرأة محط أنظار الناس، أو أن تصير عادية لا يلتفت إلى وجودها أحد!! وغير ذلك من المخاوف، والتساؤلات المتعلقة بنظرة الناس هي كلها توقعات مزعجة أن تنشغلي بها، أو يشغلك بها زوجك!! أزعم أن الأمر يحتاج إلى مراجعات أعمق لما يدور في رأسك، وما يعتمل بداخلك من مشاعر، وتفاعلات دون القفز إلى قرارات سريعة من قبيل: خلع الحجاب هو الحل!!
تمهلي في إنضاج القرار المناسب لن تنهد السماء على الأرض، ولن تخر الجبال إذا خلعت غطاء رأسك، وأعتقد أيضا أن هواجسك المزعجة، وتصوراتك عن تأثير الحجاب على نفسيتك محتاج إلى مراجعات ستحصل مع محاولاتك الأنمق للتعرف على ذاتك، وهويتك، وتابعينا بأخبارك .
واقرئي أيضًا:
أنا مسلمة، وزوجي يصر: لا أحب الحجاب.
في بلاد العري: غريبة تسأل عن حجاب م.
هل رفض الحجاب مرض نفسي؟.
الحجاب والهوية نص أول مثير مشاركات.
محجبة تتساءل: أخلع حجابي أم أبقيه؟.
الحجاب وانتشار الهوية الشخصية.
زوجتي ستخلع الحجاب، لازم أطلقها