إنني أنهار
بسم الله الرحمن الرحيم، تحية طيبة وبعد، أنا شاب أبلغ من العمر 30 عاما، أعزب، أعمل موظفا في إحدى الشركات الحكومية بالإضافة إلى كوني كاتبا، لي العديد من الأعمال الكتابية في مجال الشعر والمقالة، مشكلتي أنني مررت بانتكاسات بدأت منذ دراستي في المرحلة المتوسطة حيث كنت طالبا سويا لا مشكلة لدي وعندما اقتربت الامتحانات زاملت صديقا لي وبدأنا نذاكر سوية وتحولت المذاكرة إلى منافسة في الحفظ وإكمال مطالعة المناهج،
عجزت عن مجاراة زميلي في الحفظ حيث كان يحفظ كثيرا مما جعل بيني وبينه هوة كبيرة جعلتني أُصاب بإحباط تام تركت على أثره المذاكرة وتحولت إلى شخص منهزم منكسر يحاول بصفاته هذه استعطاف أهله لكي يكفوا عن إلزامه بالدرس، وكان الأهل متفهمون وقد وصلوا إلى قناعة أني قد مرضت نفسيا وكان أبي يشجعني بطيبة على أن أدرس فالامتحانات قربت.
لم أردس وانقطعت عن المذاكرة إلى أن جاء يوم الامتحان وكنت أتمنى أن لا أشترك ولكن دفع والدي جعلني أشارك وفعلا دخلت الامتحانات وكانت نتيجتي النجاح بمعدل بسيط لم يؤهلني لدخول الأكاديمية العامة بينما صديقي دخلها والكثير من زملائي ممن كانوا أدنى مني مستوى، دخلت إعدادية التجارة عن غير رغبة فلم ترق لي ثم انتقلت إلى إعدادية الصناعة بلا رغبة أيضا وأكملت الدراسة فيها وأنا ساخط على نفسي،
تخرجت وأكملت دراستي الجامعية المتواضعة في اختصاص تكنولوجي رغم عدم اقتناعي، بعده دخلت الجيش للخدمة الإلزامية وكانت فاجعة بالنسبة لي، فلم أكن مهيأ نفسيا لهكذا معترك اضطربت كل شؤوني كرهت الحياة وسط ضغط الجيش وكان بودي أن أهرب إلى أبعد نقطة في الأرض ولكن هيهات لأني سأضر بأهلي وسمعتهم فتحملت عاما ونصف من الضغط النفسي المميت، كنت أحس أنني أعيش وسط غابة من معاناة عليّ اجتيازها، تحملتها بمرها القاتل يوما بعد يوم إلى أن انتهت، ثم دخلت الوظيفة التي لم أحبها حتى الآن.
أحس أنني مثل آلة علي أن أقوم بدوري لكي أحصل على مرتب يعيل عائلتي التي أصبحت معيلا لها بعد أن فقد والدي مرتبه فصرت معيلا، لا يمكن لي أن أترك الوظيفة بأي حال من الأحوال وها أنا أتحمل ضغطها وإرهاصاتها فلا حيلة لي سوى ذلك، بلغ عمري 30 عاما ومنذ عامين تقريبا وأهلي يدفعونني باتجاه الزواج وأنا أهرب لأني كرهت الالتزام رغم أني أكملت كل مستلزمات الزواج ظنا مني أني سأتمكن من ذلك، وتحت ضغط العائلة وافقت بأن اتقدم لفتاة لم أكن أعرفها حيث أن أخي دلني عليها وفعلا تقدمت لخطبتها ووافق اهلها وبعد أيام بدأت اختنق بالموضوع وأضيق به هربت منه وكل يوم يقول لي الأهل هل نذهب غدا لشراء حاجيات الزواج أقول اصبروا أياما أخر ولا سبب لي سوى الهروب، حتى إن الفتاة ضاقت بتصرفي فجائتني إلى العمل لمرات تستفهم مني بكل طيبة عن سبب تأخري وكانت متعلقة بي جدا وتملصت إلى أن قطعوا مني أملهم،
بعد شهرين أحسست بندم كبير ذهبت إليها في موقع عملها فصدمت بأنها قد خطبت لموظف معها وقد أخبرتني بأنها مستعدة لفسخ خطبتها من هذا الرجل إن أنا وافقت بالعودة إليها، لم أقدر على هدم خطبة الرجل فودعتها ومازلت ذكراها تدوي في ذاكرتي، وبصراحة كنت في وقتها رجلا نسوانيا فقد كنت على معرفة باثنتين أخريات، عدت لخطبتهن بعد أن انهدم مشروعي مع هذه الفتاة، خطبت الثانية فهربت أيضا، والثالثة وهربت كذلك،
وأخيرا خطبت الفتاة التي استمرت علاقتي بها لسنوات حتى إنها وصلت إلى مرحلة علمية متقدمة (دكتوراة) وافق أهلها على الخطبة وفرح أهلي واشترينا حتى الذهب وبعد أيام حدث ما تعودت عليها بدأت أختنق وأضيق بالأمر وعدت منكسرا منهزما وفسخت خطبتي ومازلت أحاول إرجاعها ويتعذر علي ذلك بسبب انهدام نفسيتي عند كل مرحلة حسم، حتى في موضوع إكمال دراستي فقد تقدمت للكلية لمرات عدة وينهم كل شيء في اللحظة الأخيرة وأعود أعيش حالة اليأس والإحباط والندم وها أنا ذا أطرح إليكم قضيتي التي أنهكتني وجعلتني شتاتا حتى أن أخي الصغير تزوج وأنا أحس إني في تراجع دائم وابتعاد عن كل استقرار يذكر على الصعيد العلمي والاجتماعي أيضا..
أخيرا أعتذر لأني أطلت عليكم ولكن ما في القلب كثير وكبير وموجع والنار تنهش أعوامي.
أفيدوني بما ترونه نافعا ويسهم في حل أزمتي الأزلية
21/11/2017
رد المستشار
الأخ العزيز صاحب الاستشارة أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين، كثيرةٌ بحقٍّ مواجعك وطويلة العمر معك، لكنها في نفس الوقت تعطي الانطباع بأنها لا تعوق مسيرتك اللهم إلا فيما يتعلق بالزواج من فتاة بعينها، أو التقدم في طريق إكمال دراستك، كثيرة مواجعك لكنها لا تمنع من المسير إذن وإن يكن في مستوى أقل غالبا ما تسمح به قدراتك، وواضح أيضًا أن ذلك بدأ معك منذ مرحلة المراهقة.
وتتجمع تلك الانطباعات لتشير إلى ما نسميه باضطراب عسر المزاج مبكر البداية Early Onset Dysthymia، وهو نوع خفيف الشدة من الاكتئاب أهم ما يميزه هو كونه مزمنا، ولكن مشكلته أنه يتداخل مع أسلوب الحياة، ومع أفكار الشخص؛ بحيث لا يحس به المرء، وقد لا يحس به أهله المحيطون به؛ لأنهم ببساطة يرون فيه إنسانا شخصيته هكذا.. أي أنه -مثلا- شخص ميال إلى الحزن والنكد، وهذا النوع من الاضطراب النفسي المزمن يحتاج إلى مساعدة من طبيب نفسي مختص.
وهناك نوعان من عسر المزاج أحدهما يسمى عسر المزاج مبكر البداية وهو ما قد يكونُ في حالتك حيث يبدأ من فترة الطفولة المتأخرة أو المراهقة، ونوعٌ متأخرُ البداية يحدثُ بعد ذلك، وفي كلتا الحالتين لابد أن تزيد مدة التغير المزاجي عن سنتين لكي يكونُ تشخيص عسر المزاج ممكنا، وليس أسبوعين كما هو الحال في تشخيص اضطراب الاكتئاب.
أما ما ينعكس عليك عسر مزاجك هذا به -إن صح تخميني- فهو ذلك التراجع والتهيب المتكرر من تحمل مسئولية أي شيء تختاره أنت، أو حتى يختاره لك غيرك ويدفعك إليه دفعا كأن ركنت إلى النزوع للفشل خوفا من تجريب النجاح! تخيل أن هذا يحدث وأنت تدري أو لا تدري ولكنك ماضٍ معه!
ليس لك بد إذن من أن تطلب العلاج من طبيب نفسي وأفضله العلاج بخلطة من العقاقير وجلسات العلاج المعرفي وأنا بالطبع أعرف أنك في العراق كما تشير بياناتك ولا أدري في أي منطقة أنت ولا حتى إن كانت في العراق مناطق فيها استقرار لا أدري إن كان بمقدورك عمليا طلب العلاج أم لا في هكذا أجواء كان الله في عون كل العراقيين.
ولعل يفيدك ما أهداه أخي الدكتور محمد شريف سالم من خطوات عملية باتجاه العلاج المعرفي السلوكي للاكتئاب في سلسلة مقالات: العلاج المعرفي للاكتئاب، ويمكنك أن تطبق كثيرا من أجزائه ذاتيا إن لم تجد مساعدة متاحة من مختص.
لا يمكنُ أن أقبل لك يا أخي بأن تبقى قاعدا تندب حظك بينما أجد في إفادتك أنك بدأت بداية طيبة وكنت متفوقا ومبدعا، إلا أنك دهمك المرض ولم يدر به أحد فإذا أنت تكابد الحياة منذ سنٍّ صغيرة حتى وصلت إلى قولك: (وأنا أحس أني في تراجع دائم وابتعاد عن كل استقرار يذكر على الصعيد العلمي والاجتماعي أيضا)، وهذا ما لا يصح أن تستمر به دون طلب للعلاج، واعلم كذلك أن أعراض القولون العصبي التي أشرت إليها في بياناتك جزءٌ من المشكلة النفسية إن شاء الله تتحسن بالعلاج النفسي.
كذلك يمكن أن يصل الأمر في حالات عسر المزاج إلى حدوث اضطراب اكتئاب جسيم، إضافة إلى عسر المزاج؛ فيكون التدخل العلاجي هنا واجبا، إذن فأنت في حاجة إلى مساعدة طبيب نفسي، لكي يستطيع تحديد سبب معاناتك من ناحية، ولكي يستطيع وصف طريقة العلاج المناسبة، وحالتك في النهاية يمكن جدا أن تتحسن بعد أسابيع من الانتظام على جلسات العلاج المعرفي عند الطبيب النفسي، ونحن في انتظار سماع الأخبار الطيبة منك، فتابعنا بأخبارك.