علاقتي مع أبي بين الرغبة في برة وطريقة معاملته لي وإدخال والدتي في حل المشكلات بينهما
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بداية أود أن أشكركم على مجهودكم الرائع وأدعو الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
مشكلتي تتمثل في علاقتي بأبي ومعاملتي له، فعلاقتنا ليست جيدة على الإطلاق ولا يمكنني القول بأننا كنا مقربين في يوم من الأيام أبداً، أثناء طفولتي كان أبي دائماً غائباً بسبب ظروف سفره وأعماله، وكانت أمي هي التي تشرف على تربيتنا تماما، وكنت معتادة على الوضع حتى أصبحت تلك هي نظرتي الطبيعية للأمر، رغم أني أدرك تماماً أنها خاطئة، وبالطبع تعلقت بأمي تعلقاً كبيراً وأصبحت هي محور حياتي حرفياً، فهي كانت أمي وصديقتي المقربة والحمد لله.
في خلال ذلك كان من الممكن أن أرى أبي مرة في السنة أو أحيانا لا يحدث أن ألتقي به، ولكني كنت دائما ما انتظر لقائه بفارغ الصبر وأشتاق إليه كثيراً، بقي الوضع على هذا الحال حتى وصلت لأول المرحلة الثانوية، وعندها قرر والدي تغيير عمله والاستقرار معنا.
عندها بدأت مشكلتي، فبطبيعة الأمر بدأ أبي يتدخل في شئون حياتي، وكنت في البداية أتقبل الوضع، ولكن تدخل أبي دائماً ما يكون فقط زماً أو نقضاً لما أفعل، حتى في أبسط الأمور التي لا تستحق، ولم يحدث أن سمعته مرة يقدم لي مدحاً حتى عندما كنت أرغب في سماعه منه وأجتهد لأفعل ذلك، فقد من الله علي بأن كنت متفوقة دائماً في دراستي.
المشكلة هي أنني بمرور السنوات أصبحت أفعل كل ما بوسعي لأتفادى نقده اللاذع لما أفعل أو لطريقة أدائي لأمور حياتي، ومع كوني شخصية عنيدة جداً، فذلك لم يساعد على تليين الأمر بل وزاده سوءاً، تطور الأمر لأني أصبحت أكره الحديث معه، وبعدها صار أسوأ، حيث أنني وصلت الآن لمرحلة أنني لا أستطيع النظر في عينيه إلا بصعوبة بالغة، ولم أعد أستطيع تحمل عصبيته الدائمة حتى في الأمور التي لا تستحق، وأصبحت أقوم بالرد عليه وأحياناً أرد له حدته معي، مع أني أدرك تماماً أن ذلك ذنب كبير لأن فيه عقوق لوالدي، ولكن المشكلة أنني عندما أتحدث معه لا أشعر بأني أتحدث مع أبي بل بأنني أتحدث مع شخص غريب عني، حيث ينتابني شعور داخلي بأنه شخص غير مألوف بالنسبة إلي، حتى بعد مرور حوالي 12 عام على استقراره معنا إلا أنني بسبب دراستي كنت لا أقضي الكثير من الوقت في المنزل
.
زادت الفجوة بيننا كثيراً الآن في التعامل وأصبح من الطبيعي بالنسبة إلي أن يمضي يوماً كاملاً بدون أن نتحدث حتى كلمه واحدة، وأصبحت الآن أكره أن يحادثني، بل وأحياناً أقوم بالتواري منه حتى لا يراني ويقوم بالتحدث معي، وإذا قمت بملامسته عن طريق الصدفة أشعر بتصلب جسمي وأحاول النفور من اللمس، ولكن ليس الأمر بالمشكلة الكبيرة، فهو لا يلمسني عمداً أصلا، في الواقع لا أستطيع تذكر آخر مرة حدث فيها ذلك، ربما كانت عندما قمنا بتبادل القبلات والأحضان عند عودته من سفره آخر مرة.
ما زاد الأمر سوءاً، هو التكرار الدائم للمشكلات بين أبي وأمي، فيمكنني القول حرفياً أن لا يوم يمضي علينا بدون حدوث مشكلات حتى وإن غابت الأسباب العظيمة لها فدائماً ما توجد الأسباب التافهة جدا.
أصبحت أمي منذ سنوات تلجأ إلي للشكوى منه، وبالطبع دائما ما تطلب مني التدخل في حل الأمور والتحدث إليه، ودائما ما أفعل لأرضيها رغم بغضي للأمر، وف النهاية دائماً ما ينتهي الأمر بمشاحنات وصدامات بيني وبين أبي ولأنه شخصية عصبية جدا فهو دائما ما يتكلم بصراخ ومهما حاولت في البداية التحدث بصوت منخفض، يؤول الأمر بي في النهاية برفع صوتي عليه، بعدها ألجأ لغرفتي وأعتزلهما، إلى أن يأتي الليل لأبكي وأندم على ما فعلت، وأستمر على هذا الوضع لأيام مع صداع مستمر وشعور بالذنب الذي اقترفته في حقه؛ فهو أبي بعد كل شيء ولا يجوز أن أفعل ذلك معه، و بالطبع فإن والدتي دائما ما تقوم بتأنيبي بعدها وتخبرني بأنه كان من الممكن أن أتحدث بأسلوب أكثر تهذيباً، ولكني أصبحت بالفعل عصبية أنا الأخرى، فسماع الصراخ الدائم والشجارات لا يمكن أن تتركني على حالي الباردة السابقة لذلك.
وإن كنت قد استطعت أن أتوقف عن ابداء أي رد لأبي أو تخفيف طبيعة الرد عندما يقوم بنقدي أو رفع صوته علي -وهو ما بدأت فعله منذ حوالي سنتين- إلا أن الأمر مستحيل دائما بطلب والدتي التدخل بينهما، و مع شعوري بالذنب دائما ما أتسائل، كيف للشخص أن يكون مطلوبا منه توجيه اللوم أو المحاسبة لنفس الشخص الذي من المفترض أن يقوم باحترامه، وخصوصا عندما تكون المحاسبة متكررة بشكل دائم؟!
أردت مراراً أن أطلب من والدتي عدم إقحامي في الأمور بينهما، فالزواج منه كان خيارها هي، ولكن كونه والدي لم يكن خياري أنا! فلماذا على تحمل نتائج اختيارات غيري، ولكني لم أستطع إخبارها بذلك بالطبع، فهي أمي وصديقتي وأنا أحبها كثيراً، وإن كنت أنا ملجأها الوحيد للشكوى، فمن أنا لأسلب منها ذلك؟!! فهي لم تبخل بشيء علي أبداً.
وصل بي الأمر في بعض المرات بأنني تمنيت طلاقهما عندما أشعر بأني ممزقة بينهما وبأن لا أمل من العيش كأسرة إلا بوجود المشاكل، ولكن بالطبع ذلك نوع كبير من الأنانية، فهذا سيضر بإخوتي الأصغر، هذا إن كانوا لا يعانون بالفعل من الشجارات الدائمة بينها بالفعل ومن نقص الحب والمشاعر الإيجابية من ناحية أبي.
أصبحت أشعر بجفاء شديد تجاه الرجال بوجه عام وتجاه والدي بشكل خاص، وأكره نفسي كل يوم أكثر للشعور بهذا النحو تجاهه لأنني بطبيعة الحال أحبه كثيراً، ربما هو ضرب من الجنون أن أكن له الشعورين معاً، ولكني لا أفكر بحبي له إلا عندما أختلي بنفسي فقط والمشكلة الأكبر أن وضع باقي إخوتي أراه يتجه لهذا النحو أيضاً، ومع وقوفي عاجزة عن علاجه لدي فكيف لي أن أساعدهم في التخلص منه؟!!
حتى أني حاولت في أكثر من مرة التحدث مع أبي عن أن يوقف قليلا نقده اللاذع لكل أفعالهم وأن يحاول تقديم بعض المدح لهم، بالطبع انتهى الأمر بصراخه علي حينها وأنني ابنته ولا يجوز لي تقديم النصح له في عمره المتقدم.
فماذا أفعل بمشكلة جفائي الحاد وانفعالي الزائد، وللتخفيف من شعوري بكونه شخص غريب عني، فأنا وإن كنت لن أستطيع تكوين علاقة ودية بيننا، إلا أنني أريد تنفيذ واجبي الديني ببر والدي، والذي أجد نفسي عاجزة عن فعله حالياً.
أعتذر كثيراً عن الإطالة،
وجزاكم الله خيراً
5/1/2018
رد المستشار
السائلة الكريمة:
ما زلت أتساءل: هل يطلع قراء الاستشارات على ما سبق من ردود قبل أن يرسلوا بقصصهم التي تتشابه جدا مع قصص غيرهم أم أنهم ينتظرون جديدا في الرد عليهم أم يحسبون أنفسهم الوحيدين في الوضع الذي يعيشون؟؟
قصتك متكررة جدا: أب يختفي ثم يظهر - يصرخ ، ينتقد - يتشاجر
أغلبية كبيرة من أباءنا لم يصبحوا أباءا بمحض رغبتهم ولا بإراداتهم.. إنما قيل لهم تزوجوا لتكملوا نصف دينكم، وفوق البيعة -كما نقول في مصر- ستحصلون على أبناء مثل الجميع فتشعرون أنه لا ينقصكم شيء من مستلزمات وأدوات السعادة وتزوجوا ليجدوا أن حكاية الأسرة دي تعني أن يطفحوا الدم ويتغربوا لتنشئة صغار محتاجين للرعاية وتدوير عجلة مصنع كبير ربما لا يريده.كثير من الرجال، وكان من الممكن أن يكتفوا من الزواج بأكلة ونومة ونظام بسيط لحياة روتينية مستقرة لكن لا كبريائهم ولا مجتمعهم ولا زوجاتهم ولا أفكارهم سترحمهم إن فكروا بهذا الشكل الأكثر مصداقية -لذلك تورطوا في هذه الدراما الكبيرة كصناع دراما وضحايا في الوقت نفسه- ويقال لهم: هكذا الحياة، وكل الناس عايشين كده!!
على كل حال.. شاءت أقدارك أن تكون هذه هي ملامح دراما حياتك.. فلا يد لك في زواج أبيك وأمك وبقية الأوضاع التي لم يكن لك اختيار فيها.. لذلك أنصح بأن تخففي من عبء الأسف بشأنها.. وركزي لو سمحت على مساحة اختيارك وما تصنعين من مأساتك التدخل في خلافات أمك وأبيك خيبة كبرى واقتحام غير موفق لمساحات ليست لك تحت دعوى حبك لأمك وصديقتك وبلا بلا .... بالمناسبة ـ كل ما يفعله أبوك وكل ما تفعله أمك يتم تحت نفس اللافتة.
توقفي عن التدخل تماما -وتوقفي عن كل ما يمكن أن يكون محاسبة أو حكما على تصرفات والدك أو خلافات والديك وتدربي على احترام حدودك وكوني لطيفة جدا وأنت تنسحبين مما تقحمك والدتك فيه وادعميها بطرق أخرى غير اقتحام مساحات ليست لك.أبوك ليس كل الرجال ولا أمك كل النساء وسيناريو الفشل والتورط في تكوين أسرة دون استعداد ولا تدريب ولا وقت ولا فسحة في الصدر والبال -هذا عك مصري قديم ومتواصل -لكنه ليس قدرا، وممكن تغييره ـ وتعميم نموذج الفشل يحبطك ويسد الأفاق أمامك.
أمامك مسيرة طويلة ـمثلنا جميعا- للتعافي والتحرر والنضج نتعامل بها مع قصصنا التي كونت دراما حياتنا وعبر هذا التعامل نكون ونتكوّن ونتحرر وننضج ولا يفيد
ولا يمكن اختصار هذه الرحلة في إجابة على استشارة.
أخيرا وليس آخرا.. تتحدثين عن أشياء وكأنها حقائق منتهية- وهي ليست كذلك... مثل كلامك عن أنك تحبين أبيك وتكرهينه بنفس الوقت هذا عادي جدا.. لا هو جنون ولا تناقض ولا أي اضطراب جزء منك يحبه لأسباب منطقية وجزء منك يكرهه أيضا لأسباب أخرى ومنطقية أيضًا.أعتقد أن توقفك عن التدخل لمصلحة أمك في خلافاتها مع والدك سيكون خطوة على فهمك له بشكل أفضل وتفهمك لحدودك وشكل علاقة أفضل معه، أيضا عندما تفهمين أن نقد والدك لك إنما هو بدافع الحب على طريقته.... وأن كل نقد أو ذم.. إلخ، هو مجرد تصور يحمله هو ويوجهه لك دون أن يلزمك قبوله -مطلقا يعني يقول كما يقول- ليس من بري بأبي أن أصدّق أحكامه بشأني وبعضها محض تخاريف يطلقها عقله كما تطلق عقولنا تصورات هي تخاريف عنا وعن غيرنا -عادي لكن التحقق بهذا كله يحتاج إلى عمق استيعاب وطول تدريب هو جزء من مسيرة وعيك بنفسك وحياتك، ويعينك عليه من يرشدون إلى ذا في علاجات فردية أو جماعية صارت منتشرة نسبيا عن ذي قبل فابحثي عن المساعدة وتابعينا بأخبارك.