ابني يكذب ويسرق
السلام عليكم ورحمة الله/
أحب في البداية أن أشكركم على هذا الصرح العملاق أسأل الله أن يجعله في موازين حسناتكم.
لدي ولد عمره 9سنوات، منذ أكثر من سنتين تغير عليّ ولم يعد طفلي الذي أعرفه، فقد كان هادئا ووديعا كنسمة الهواء، والآن للأسف الشديد بدأ يجعلني أفقد ثقتي فيه شيئا فشيا، فهو كثير الكذب، والكذب عنده أسهل من شرب الماء، ويكذب في أشياء تافهة كغسل اليدين للأكل، أو كتابة الواجب، ويكذب في إدعاء أنه صلى وهو لم يصلي، وهكذا.
طول اليوم وأنا أعد في قلبي كذباته ولكن أحرص على أن أواجهه أول بأول بدون هجوم أو تجميع للأخطاء،
لكنه مازال مستمرا في الكذب ويتفنن كل يوم في ابتكار أساليب غريبة وملتوية فقط لكي تضيع مني الحقيقة ويشتتني، رغم أني مركزة بحمد الله معه ومع إخوته،
كذلك لاحظت أنه يشعر بأنه ضعيف جدا ولا يشعر بأهمية ذاته ولا بقيمته عند نفسه وعند الناس، فملابسه تتسخ بشدة ولا يفكر بتغييرها وأسنانه لا ينظفها إلا بعد أن أحمله إلى المغسلة وأبدأ بتفريشها بالمعجون، أو إذا هددته بالحرمان من المصروف.
كذلك إذا رأى شيئا يعجبه حتى لو كان تافها فإنه يأخذه خفيه وبدون أن يشعر أحد، فمثلا أخذ من سيارة سائق المدرسة أدوات مكتبية دون علم صاحبها، ثم ادعى أن السائق سألهم ألغازا ومسابقات ولما أجاب ابني أعطاه هذه الأدوات مكافأة وهدية (بالطبع لم أصدق هذه القصة لأن السائق أعرفه لا يتكلم)، وعندما سألناه مرة أخرى قال بأنه اشتراها من القرطاسية القريبة، ولم يعترف بالحقيقة إلا بعد التهديد والوعيد.
وأكثر من مرة أنبهه بعدم أخذ أغراض أصدقائه في المدرسة ثم أجد حقيبته مليئة بها،
وتصلني شكاوي من بعض الأمهات القريبات بأن ابني قد أخذ أغراض أبنائهم (مع ملاحظة أن ابني يمتلك نفس أغراضهم لكنه يأخذها أيضا)
رغم أني أغدق عليه بالمال والهدايا ولا أتركه يحتاج لشيء بحمد الله، ولديه محفظة فيها كاش كبير وحساب بنكي خاص به فيه مبلغ محترم.
حتى إنه إذا رأى شيئا عند أحد وأعجبه فإني أتكلم معه وأخبره بأنه إذا عجبه شيء فلابد أن يخبرني حتى أشتري له مثله، وبالفعل أنزل لاشتري له وأجده قد أخذ ما عند الناس حتى تكون الكمية عنده كبيرة.
وحتى عندما لمست منه حب تجميع المال وضعت له مسابقة خاصة به إذا قرأ قصة من قصص الأنبياء أعطيه مبلغ صغير من المال، وبالفعل استمر معي عدة أيام ثم زهق وترك القراءة.
أحمد الله وأشكره أن الأمر لم يتطور لأكثر من ذلك لأننا عائلات محافظة جدا ولا نملك قنوات مفتوحة في البيت ولا نسمح بتصفح الانترنت إلا للمواقع المفيدة ولله الحمد وتعليمنا عالي في الشريعة، ونعالج مشاكل أبناءنا دائما بالطرق التربوية الحديثة، لكن زوجي عندما أخبره زوج أختي بذلك الفعل جن جنونه وضرب الولد ضربا مبرحا.
للأسف صار الجميع يشتكي منه ومن سوء أخلاقه بعد أن كان الولد الهادئ الوديع كنسمة الهواء وكان الكل يحسدني عليه،
الآن أشعر أن قلبي مفطور عليه، فلا أريده أن يستمر في هذه الأخلاق السيئة،
إنني أحبه كثيرا وأحتضنه كل يوم وأجلس معه وأعتني به أكثر من إخوانه لأني أعرف بأنه عاطفي جدا وحساس جدا
معلومة: منذ ولادته وهو مصاب بمرض في الدم يجعله يتجنب أصناف معينة من الطعام ويحتاج لعناية منزلية وطبية عالية، لكنه منذ سنتين تعافى بحمد الله.
5/2/2018
ثم أرسلت في اليوم التالي تقول:
تابع طفلي يكذب ويسرق
السلام عليكم ورحمة الله
بالأمس أرسلت لكم استشارة عن طفلي الذي يكذب باحترافية ويسرق كذلك للأسف الشديد
أريد أن أوضح لكم بعض جوانب شخصيته: هو عاطفي جدا وخجول وحساس، النظرة الغاضبة تجعله يبكي فما بالكم بالكلام الجارح
عندما يتعرك مع إخوته كعادة الأطفال على الجلوس في مقعد مفضل في السيارة أو على طاولة الطعام يمر الموقف بسيطا وسهلا على الجميع ماعداه هو، إذ يظل يبكي ويشهق بشدة ويفرك عينيه بقوة ويخفض رأسه للأرض دائما وهو يبكي بطريقة مؤلمة جدا، وبحرقة شديدة لا تتناسب مع حجم الموقف، مما يؤلم قلبي أنا والدته، لكنه يبعث الضحك لدى اخوته وأقاربه،
لكنني أسكتهم جميعا احتراما لبكاءه، ثم أطلب منه بهدوء وحزم أن يتوقف عن البكاء حتى أستطيع فهم موقفه وسبب بكائه.
وأصبح أخوانه وأقاربنا يستصغرونه ويحتقرونه ويضحكون عليه بسبب هذا الضعف الظاهر عليه
ولا يوجد له أصدقاء في المدرسة، فلا يصاحب إلا أطفال الأقارب لأنه متأكد بأنني سآتي له بحقه إذا ظلموه أو قهروه مثلما يقول هو
لكن الولد قريبنا الذي يقضي معه أغلب الوقت يمارس عليه اضطهاد نفسي، لأنه لا يوجد رقابة من أبويه على تصرفاته (فمثلا أنا أمنع أبنائي من تناول السكاكر ذات الألوان الصناعية ولا أسمح لهم إلا في الويكند والأعياد مثلا) أما هذا الولد القريب فهو يذهب للبقالة يوميا لشرائها وابني يغتاظ من ذلك جدا ويبكي بحرقة أحيانا،
كذلك دائما يشعر بأنه موضع انتقاد، ويشك في قدراته، ومتردد وبطيء في اتخاذ القرارات، على الرغم من أننا جميعا نقدره ونحترمه كثيرا، ونعطيه بعض المهام الصعبة ذات أثر في العائلة، كتقسيم المصروف اليومي، والتخطيط وتنفيذ رحلة عائلية، ثم مكافأته بهدية يحبها والإشادة به عند العائلة الكبيرة والأصدقاء.
((أرجو اختصار هذه الفقرة كثيرا: لاحظت على ابني أنه يميل للأنشطة البناتية، فهو لطيف في كلامه وتصرفاته ووسيم جدا ويداه ولمساته ناعمة جدا كالبنات (لأني احتضنه كل يوم وأشعر بهذا لكنني أتجاهله واجعل احتضاني له مدة ثواني قليلة، لأنه إذا احتضنته يلتصق بي بكامل جسده، وأكثر من مرة ضبطته وهو ملتصق بمكان العورة على طرف الطاولة)، ويحب الطبخ وتنسيق الاكسسوارات وألعاب الدمى للبنات، ويقضي أوقاتا طويلة في غرفة أخواتي الأصغر منه، رغم أني أحاول تشجيعه على لعب الكرة والألعاب الصبيانية عموما، ولديه أخ أكبر منه بأربع سنوات لكنهما لا ينسجمان كثيرا، بسبب اختلاف طباعهما جدا، فالولد الكبير غير حساس ولا مبالي، بينما الصغير بأخذ كل الأمور بجدية ويتفاعل مع الأمور سلبيا))
أرجو إرشادي لكيفية التعامل معه ؟؟
وحمايته بإذن الله من الميول الجنسية الشاذة؟؟
6/2/2018
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخت الفاضلة / "أم عبد الله" حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك - أختي الكريمة - على شبكتنا، جزاك الله خيراً على سؤالك، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يقر أعيننا بهداية الأطفال وصلاح الأحوال، وتحقق الآمال.
أولاً: أود أن أؤكد لك أن مثل حالة ابنك تعاني منها الكثير من الأسر ومن الواضح أنه يعاني مما نسميه اضطرابات المسلك والذي يعرف في أشد حالاته بجنوح الصبية، و قد يكون مرد ذلك لخلل تربوي في السنوات الأولى مع تواجد استعداد فطري لديه لاضطراب المسلك وتظهر مثل هذه السلبيات في أوجها عند سن المراهقة.
لا أريدك أن تشعري بالذنب لأن الأطفال ليسوا بشريحة واحدة، فهنالك من يفيد معه التشجيع والترغيب، وهنالك من يحتاج إلى الترهيب والتوبيخ أحياناً، وبالنسبة لابنك لابد أن يكون هنالك اتفاقا بينك وبين أبيه بأن تعاملوه بطريقة واحدة بمعنى أن لا يتهاون أحدكما ويظهر الآخر الشدة حياله.
وفيما يتعلق بمشكلة تحرشه بابن أختك الذي يصغره بعامين فلا شك أن ما حصل مزعج ومشكل، والحمد لله أنك تنبهت، فاقتربي من ابنك، وناقشيه بهدوء، وحذريه من عواقب هذا السلوك التي يقوم به، وخوفيه من غضب الوالد عليه إذا ما عرف بتكرار ما يقوم به من ممارسات وأخطاء.
ومن المهم مراقبة طفلك، بل راقبي كل الأطفال الذين يدورون في فلكه من أصدقاء، وجيران، وأقرباء، فالأم الناجحة تلاحظ الأطفال، وتقوم بواجبها في التصحيح، وبهذا تكسب ثقة الأطفال وطاعتهم وحبهم، وننصحك بعدم إشراك الأب إلا للضرورة، ودائما ما نحذر من إدخال الأب الشديد والأب المتساهل، وأرجو أن تجلسي مع ابنك، وتتحاوري معه؛ لتتعرفي على مصدر السلوك؛ حتى تتمكني من المعالجة الشاملة للإشكال، وخلع شجرة الشر من جذورها.
هذه وصيتي لك – أختي الكريمة – بتقوى الله واللجوء اليه، ثم بعدم التهاون مع الإشكال؛ حتى لا يتسع الأمر، واهتمي بمراقبة الأطفال، وحاولي التفريق بينهم في المضاجع، وشاركيهم في اللعب، وتجنبي إظهار الانزعاج، أو إعلان العجز أمامهم.
أرجو كذلك أن تختاري لحظات الصفاء التي يكون فيها مزاجك معتدلا ومزاج ابنك كذلك لتتحدثي إليه وتشجيعيه وتشعريه أنك تثقين فيه، ولابد أن يصاحب ذلك عدم الانتقاد اللاذع مع ضرورة تشجيعيه على أي عمل إيجابي يقوم به حتى ولو كان بسيطاً، ومن الأشياء المفيدة أيضاً التقاضي عن بعض أخطائه، وعدم التركيز عليها، وأنصحك بأن توجهي طاقات هذا الابن إلى أشياء أخرى مثل ممارسة الرياضة، والمشاركة في الجماعات وتدريبه على كيفية مقابلة الضيوف وتنمية مهاراته الإجتماعية.
أما بالنسبة للعلاج الدوائي لمثل هذه الحالات فلا ننصح كثيراً بتناول الأدوية وإنما التركيز يكون على الإرشاد السلوكي السابق الذكر مع ضرورة الصبر عليه، وتجنب الإثارة وسرعة الإنفعال، مع الأخذ في الاعتبار أنه في بعض الحالات يكون اضطراب المسلك مرتبطا بنوع من الاكتئاب وتكدر في المزاج لدى الصبية، وفي مثل هذه الحالات ننصح بتناول بعض الأدوية ومنها العقار المعروف باسم (تفرانيل) 25 مليجرام والذي يمكن لطفلك أن يتعاطاه بواقع حبة واحدة فقط ليلاً لمدة ستة أشهر، وهو دواء سليم ومحسن وضابط للمزاج بصورة فعالة.
أما إذا أصبحت الأمور لا قدر الله خارج السيطرة فإننا ننصح بمقابلة أحد الأطباء أو الأخصائيين النفسانيين وذلك من أجل العلاج النفسي الأسري؛ لأن في كثير من الحالات تكون الأسرة كلها محتاجة لمن يعيد كل فرد فيها لدوره الطبيعي الذي من المفترض أن يلعبه حتى تتمتع الأسرة بصحة نفسية سليمة.
ختاما أسأل الله لابنك الشفاء وأرجو أن لا تنسيه دائماً من صالح الدعاء وأود أن أؤكد لك أن كثيراً من مثل هؤلاء الأطفال تحولت وتعدلت سلوكياتهم بصورة إيجابية جداً لدرجة لم يتوقعها أحد.
سعدنا لتواصلك، وأفرحتنا يقظتك، ونسأل الله أن يقر عينك بصلاحهم، ونشرف بالمتابعة معك؛ حتى تصلك التوجيهات التي تتناسب والتطورات، ونسأل الله الهداية لأبنائنا والبنات، والله ولي التوفيق.
واقرئي أيضا:
ابني يكذب لماذا؟
يكذب ويسرق.. لكنه طبيعي !!
اضطراب التصرف المقتصر على إطار العائلة
اضطراب التصرف في الأطفال: هل له علاج؟
سرقةٌ وكذب وعدوانية : اضطراب التصرف