أمي أكرهها أنا والجميع
ظروفي الاجتماعية والأسرية
سلام/
سبق أن راسلتكم ولا أخفيكم كم ساعدتموني في تقبل واقعي مع أمي المتجردة من أحاسيس الأمومة تطورت الأحداث بعد أن أنجبت ابنتي وأصبحت أشرس من ذي قبل حرضت أبي على مقاطعتي وزرعت الفتنة بيننا نحن الإخوة،
ضربت أبي الذي لا يجرؤ أن يهاتفني مع ذلك أزورهم وأطرد كل مرة وأسمع منها كلاما جارحا مفاده أنني خدعتها بزواجي، المهم أنجبت طفلة تعاني من الشفة الأرنبية الأمر الذي اعتبرته أمي دليل عقوقي مع أنني أقسم بالله لم أفعل شيئا يغضب الله وتركوني ولم يقفوا بجانبي عندما أجريت لابنتي عمليتها الأولى وطالبوني بالنقود التي ساعدوني بها لأنني تأخرت خمسة أيام عن الإرسال بسبب انشغالي بعملية ابنتي،
.جرحت جرحا عميقا اختل فيه توازني حول المنطق والفطرة والأمومة والأبوة لا أعرف جوابا ولا تعليلا لما يحدث، هل خوف أبي جرده من إحساس الأبوة حتى أنه قال لي عندما سألته لماذا تخليت عني في ظروفي؟؟ قال لي لا أستطيع تحمل مشاكلها وصراخها وشتمها لي فأنفذ ما تريد لأرتاح!!هل يعقل هذا؟ زوجي أزرني وحكيت له كما نصحتموني وكان نعم زوج والصديق لكن كل ما حدث لم يمر عندي مرور الكرام مازلت أعاني نفسيا وأصبحت أعاني هواجسا حول زوجي بأنه سيتخلى عني كيف لا وأهلي فعلوا فأتسائل هل يعقل أن أعيش حياة جيدة مع زوجي؟
أمي لم ترحمني فماذا سيفعل هو؟ لا أدري إن كنت أظلمه أم لا؟ الآن ابنتي تحتاج إلى رعاية وأنا أعمل في إحدى القرى كمدرسة وأفكر أن آخد سنة بدون أجرة لأنها تحتاج إلى العلاج عند طبيب نطق لكن أفكر أن توقفي عن العمل سيجعلني أعيش ظروفا سيئة مع أن زوجي يوفر كل شي لي لكن أخاف أن أضحي وأعيش حياة قاسية معنويا أخاف أن يتغير علي وأعاني من جديد في نفس الوقت ابنتي تحتاجني.
صديقة لي نصحتني أن لا أضحي بعملي مع أنني لن أستقيل فقط إجازة بدون أجرة، أخاف أن يتخلى عني كما أمي وأبي ليس لي أحد أذهب إليه، أحس إنني أنانية اتجاه ابنتي في نفس الوقت فهي أولى بالرعاية.
زوجي لم يجبرني على شيء يعمل المستحيل لإسعادي لكن أخاف من المستقبل، اقترح علي أن أستغل تلك السنة إلى جانب رعاية ابنتي أن أتمم دراستي وهو مستعد لدفع أي تكاليف.
أرجوكم ساعدوني لقد استخرت الله وأيضا ما خاب من استشار، آخد رأي الكثير من شدة احترامهم لزوجي قالوا أنهم لو مكاني ما ترددوا أرجوكم، هل آخد إجازة بدون أجرة وأظل بجانب زوجي مع العلم أنه ظابط ويعمل كل يوم ولا يوجد من يرعى ابنتنا غيرنا فهو يساعدني حتى بعد دوامه أم أعود لعملي في البادية ولم نلتقي إلا ثلاث مرات في الشهر أو زيارات لساعد من طرفه.
انتظر جوابكم بفارغ الصبر.
25/2/2018
رد المستشار
السلام عليكم وأهلا بك أختي دونا، ومبارك إنجابك لطفك، وأسعدك الله به.
إن ما تمرّين به الآن شوّش على منطقك في الحكم على زوجك وأثار قلقك ومخاوفك الدفينة، مشاعر التخلي والوحدة والغدر. وهذا طبيعي يا أستاذة "دونا"، ولعلّك تعانين الآن من وساوس بخصوص ما سيحدث، لكنها مجرد وساوس، وأنصحك بأن تراجعي أخصائية نفسية حتى تتأكدي من خلوك من اكتئاب ما بعد الولادة، فمن جهة الظروف المحيطة بك وما مررت به، وما تعرّضت له إبان حملك ووضعك لطفلتك، ليس مستبعدا.
أما عن مخاوفك عن زوجك بالذات، فحتى نحن وما سمعنا عنه منك، سنقول مثل ما قاله العارفون به، فهو يبدو إنسانا كريما متفهما ونبيلا، حتى أنّه يساعدك بعد دوامه، وقليل من الرجال
من يفعل ذلك، وهو مستعد أن يدفع تكاليف دراستك! كل المعطيات تشير إلى أنّ مخاوفك مجرد وساوس وتعميم لتجربة التخلي من أسرتك على زوجك أيضا.. فهل تظلمينه؟! أظن أنك تفعلين ذلك !
وقولك هذا (أمي لم ترحمني فماذا سيفعل هو؟) يدل على أنّك لم تتخلصي من المنطق البسيط بأن الأسرة أنفع بالضرورة من الغريب، وأن الأم أنفع لك من الزوج! هذا منطق علّمتك الحياة أنه غير صحيح، وليس في الأمومة أو الأبوة من جهة الضرورة شيء يجعلها أكثر نفعا من غيرها، إلا بقدر انخراط الأبوين والتزامهما أخلاقيا وتربويا بهذه المهمة، مما يعني أنّ منطقك الذي يقول : بما أنّ أمي تخلّت عنّي فزوجي أولى أن يتخلى عني.. خاطئ تماما،
أمّك واضح أنّها مضطربة نفسيا، وتتشفى فيك بالعقوق بسبب طفلتك على ضوء "خرافات البر والعقوق" في مجتمعاتنا، وخطاباتنا الدينية من قبيل: بر الآباء يساوي كل نجاح وبركة وتميز وحتى الغنى! وكل عقوق يساوي المصائب والفشل والأمراض! ولا أدري والله من أين أتوا بهذه العلاقة الوطيدة المزعومة. فلا تلتفتي لقولها، ما ذلك إلا استجداء بالتصورات الشعبية لتنتصر لموقفها، الذي هو عقوق لأبنائها، ثم ماذا نقول عن عقوقها بزوجها! أليس هو جنّتها ونارها! هذا المنطق لن ينفع أحدا، ببساطة لأنه ليس ثابتا ولا متّسقا، مجرد تأويلات فقط، ولا تنتظري أيضا من أبيك أن يفعل شيئا لك، فتلك العلاقة التي يعيشها ليست وليدة اللحظة، بل هي تداعيات قديمة، ولا يمكنك أن تغيريها فقط بمطالبك أنت، فلا تنتظري الكثير منهم، واستقلي بذاتك ولا تكوني اعتمادية بطريقة لا تشعرين بها، فأنت مستقلة ماديا ومرتبطة بزوج نبيل يساندك، ويبقى فقط أن تستقلي وتنعتقي من أغلال "الصدقات المعنوية" من أهلك،
احمدي الله أنك مستقلة ولا تحتاجينهم في الصغيرة والكبيرة، وإلا عشت حياة اضطهاد حقيقية، واشكري تلك النعمة بتنميتها والتخلي عن أمانيك في أسرتك! كلام قاس لكنه واقعي، فهذا جزء خاص بك، وما يخصهم قدميه لهم ببر ومعروف، لا يتجاوزه لحاجياتك وحقوقك، مثل زيارتك لهم وتعرضّك للسّب، أرى أنه شيء متكلّف منك، ما دُمتُ تتعرضين للإهانة والضغط، فلا تزوريهم، فهذه صلة رحم تدمّرك خصوصا في حالتك الآن، ولا يمكن تقديم صلة رحم وزيارة أسرية على صحتك وعافيتك، وعدم زيارتك لهم لا تضرهم بقدر ما تضرّك أنت تصرفاتهم، إذن هي بالشرع والعقل أقل الأضرار، فاقتصري على الهاتف وسَلِي عنهم عبر الواتساب في رسائل صوتية أو فيديو، وهذا من صلة الرحم أيضا، الذي أتاحته التقنيات الآن، ولكن لا نزال على صلة الرحم بشكلها التقليدي، واعتباره هو الصلة الحقيقية فقط، حتى لو كانت المسافات فارقة ومرهقة، أو تعرّضٌ للأذى في حالتك!
أما عن المساعدة المالية التي تقدمين فأبقِ عليها ما دمت مستطيعة لها، فهذا من برهم، ولولا حاجتهم لما طلبوها على أغلب الظنّ، وإن كانوا مستغنين ويستغلونك فقط، فامنعيها عنهم.
أما عن قرارك بأخذ إجازة دون أجرة، وهذا يُسمى الاستيداع في قانون التشريع الوظيفي، فإن كنت مستعدة له فتوكلي على الله، وزوجك سيساندك كما ساندك من قبل، ستتخلين على أجرتك لمدة سنة، وأيضا لن تُحسب تلك السنة في الترقية. وإن شعرت بأنك تحتاجينها حتى تقتربي من زوجك في هذه الأزمة وتعتني بطفلتك، فأنصحك بها، وأعتقد أنها ستكون مفيدة لك، تبتعدين قليلا عن ضغط الفصل وتدبيره والاهتمام بأطفال أو مراهقين، لا شك أنها ستكون نافعة، وزوجك سيقوم بالنفقة عليك ولا تخافي، واحذري فقط من الاستياء من ترك العمل وتوترك وإسقاطك لمشاعر الذنب على زوجك وتحسيسه بشيء لا تشعرين به إلا أنت وليس هو، فهو مستعد أن يضحي من أجلك، فكوني فقط شاكرة وممتنة له، وانتبهي لمدة الرخصة، وحاولي أن تكون بعد استيفاء عطلة الأمومة التي تتقاضين عليها أجرة، لتكون الرخصة دون أجر خارج نطاق عطلة الأمومة حتى تستفيدي بطريقة أفضل.
وطبعا لما ستأخذين الرخصة، لا أظنك سترسلين المال لأهلك، ولا ينبغي لك، فأنت ترسلين لهم ما دمت تعملين، وقد يعارضون قرارك هذا، لكنني أتخيل أنك تملكين الإجابة بعد ما فعلوا معك، وأنك أيضا إنسانة راشدة تعرف مصلحتها ولا يحق لأحد أن يتدخل في قراراتك بعد الآن (من باب تأكيد ذاتك كما قلنا من قبل) وأتمنى لابنتك الشفاء وصابري معها، حتى تتحسن ويتحسن شكلها لأن ذلك سيكون مهما بالنسبة لها عندما تكبر.
ولا تنسي مراجعة مختص نفساني سواء طبيب نفسي أو نفساني. تحياتي أستاذة "دونا".