اكتئاب وتقلب مزاج حاد
مساء الخير، أنا اسمي محمود، عندي 23 سنة، هحاول احكي بالتفصيل وفي نفس الوقت هنجز، أنا حاليا بشتغل في شركة كويسة جدًا، في وظيفة كويسة جدًا في مجال الموارد البشرية، المرتب مش وحش، بس مش حلو، خاطب والمفروض فرحي قريب جدًا، علاقتي بخطيبتي كويسة جدا، وهي إنسانة كويسة ومستحملاني كتير أوي. آه بالمناسبة، أنا خريج كلية قمة زي ما بيقولوا، وبتقدير جيد جدًا.
ومعايا لغتين، أو كانوا 3 لغات، ودلوقتي بقوا لغة واحدة بس، لأني بعد ما اتخرجت ركنت لغتين من التلاتة واعتمدت على واحدة بس، عايز أقول كمان إني مجرد ما اتخرجت اشتغلت على طول، آه مشتغلتش الشغلانة اللي بحبها، لكن الحمد لله اترقيت مرتين في أقل من سنة، لحد ما وصلت للي أنا فيه دلوقتي وأنا عندي 22 سنة.
مرتبي مش وحش، بس كل اللي كانوا معايا واشتغلوا باللغات مرتبهم دلوقتي 4 أضعاف مرتبي، لكن كمسمى وظيفي، أنا أحسن. بس برضه مش مبسوط، لحد هنا حياتي شكلها حلو.. سني صغير، شكلي حلو، خاطب، هتجوز قريب، مرتبي كويس، محترم والناس بتشكر فيه، بترقى بشكل كويس، والدي ووالدتي روحهم فيا حرفيًا، الحياة ماشية معايا بشكل كويس... لكن!! مش مبسوط.
حقيقة الأمر أنا عمري ما كنت مبسوط، لما نجحت في الثانوية بمجموع عالي ودخلت كلية قمة رغم إني مكنتش بذاكر تقريبًا، مكنتش مبسوط. لما خطبت يوم خطوبتي كان كل الناس فرحانة، وأنا مكنتش مبسوط، رغم إني بحب خطيبتي جدًا، لما اشتغلت أول ما اتخرجت مكنتش مبسوط، لما اترقيت أول مرة مكنتش مبسوط، لما اترقيت تاني مكنتش مبسوط، دلوقتي أنا مش مبسوط وفرحي كمان كام شهر.
عايز أسيب الشغل، وعايز أسيب خطيبتي، أوقات بحس إني عايز أدمر حياتي، إن حياتي مش كويسة، رغم إنها بالورقة والقلم هي تقريبًا نموذجية، آه بالمناسبة أنا كنت كاتب، وكنت دايمًا الأول على الجامعة في مسابقات الكتابة، وشاركت في مسابقات كبيرة وخد جوائز كبيرة ومراكز، كتبت 3 روايات، ومنهم اللي كان ممكن يتنشر بس لأسباب مادية محصلش نصيب، دلوقتي أنا مبطل كتابة بقالي سنة.. وبرضه مش مبسوط.
أنا عايز أهرب، أو انتحر، أو أختفي، مش مهم إيه اللي هيحصل أو إزاي، بس جايز هرتاح، جايز مش هحس إني بجري.. أنا نفسي أحس إني مرتاح، أو أحس حتى إني مبسوط.. بقت كل حاجة حلوة بتحصل وأنا مش مبسوط بيها، أنا عارف إنها حلوة.. وعارف إني المفروض أفرح.. بس مبيحصلش.
حاسس زي ما أكون مرمي جوا غلاية، والمياه عمالة بتغلي كل شوية.. وأنا بعافر وبحاول أكمل، بس هنفجر، أو هنصهر.. المهم النتيجة إني مش هكون موجود.. أنا عارف إن ساعتها ناس كتير هتتعب، أُمي هيحصلها حاجة ومش هتقدر تستحمل، وبابا كمان، خطيبتي مش هتقدر تكمل لوحدها. رغم إني اللي بعيش على سندها.
الناس كلها شايفين إني ناجح، وإني كويس، وإني ماشي في طريق الحياة النموذجي.. اللي نهايته منصب كويس وفلوس كتيير وأطفال وشقة و و و و بس أنا مش مبسوط، ومش عايز أكمل.
آه أنا بصلي نوعًا ما، ومنتظم في قراءة القرآن، ومش بشرب سجاير ولا أي حاجة، ومع ذلك أنا تعبان جدًا جسديًا، وقدام كل الناس أنا شخص
هادي ومسالم جدًا ومحترم جدًا ولسانه كويس، ودي نوعًأ ما حقيقة، بس برضه فكرت في الانتحار....
أنا مبتكلمش مع حد، ومحدش يعرف كل الكلام ده، وعمري ما حكيته ولا هحكيه لحد.
أنا أصلا مبتكلمش عمومًا.
10/4/2018
رد المستشار
السلام عليكم
للسائل الكريم نقول إن ما تصفه أمر وارد وكثيرا ما يحدث مع البشر، بل لا نبالغ إن قلنا إن ما يقرب من خمس البشر يعانون مما تعاني منه، وكثيرا ما يعانون من عدم فهم المحيطين بهم، بل عدم فهمهم هم شخصيا لما يعانون منه، وكثيرا ما يلومون أنفسهم ويلومهم المحيطون بهم - تلميحا أو تصريحا - لكونهم "غير راضين" بأوضاعهم، وغير ممتنين ومقدرين للنعم الكثيرة التي تحيطهم بها الحياة، والحقيقة أن هذا كله غير صحيح، فالعلم يؤكد أن العلاقة السببية بين الظروف المحيطة بالإنسان وحالته النفسية ليست بهذه البساطة أبدا، فكل إنسان قد يكون لديه ما يفرحه ولديه ما يحزنه، وليس من الضروري أن يكون الإنسان الذي تعطيه الحياة كثيرا مما يتمنى سعيدا،
فالسعادة هي منتج يدخل في تصنيعه عوامل كثيرة، من ضمنها - بل من أهمها - التكوين الوراثي للإنسان، ومناعته النفسية وقدرته على تحمل إحباطات الحياة الطبيعية وضغوطها التي لا مفر منها، وقدرته أيضا على الاستمتاع بما أنعم عليه الله من نعم ومواهب، فبعض الناس لديهم القدرة على الاستمتاع ومواصلة الحياة في أسوأ الظروف، وبعضهم لا يشعرون بالسعادة ولو كانوا يعيشون في قصور مشيدة، ومن المؤكد علميا أن العوامل الوراثية تلعب دورا مهما في هذا التفاوت، حيث تتم ترجمة هذه العوامل إلى موصلات عصبية كيميائية تعمل في المخ، ومراكز للمتعة وتحفيز والتحمل تعمل عملها في المخ، ولذا فإننا نصف الإنسان الذي لا يشعر بأي متعة في حياته ويرغب في الانتحار أو يفكر فيه بأنه مصاب بالاكتئاب -أيا كانت الظروف التي يعيش فيها، والاكتئاب مرض خطير تقدر الإحصاءات العالمية أنه سوف يصل في العام 2020 إلى رأس قائمة الأمراض التي تعوق الإنسان عن العمل والإنتاج، وللاكتئاب علاجات متنوعة تتراوح بين العقارات الدوائية التي تعمل على ضبط التوازن المذكور بين العوامل الكيميائية في المخ وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، ومنها العلاج النفسي بأنواعه التحليلي والمعرفي والسلوكي.. إلخ،
ونحن ننصح السائل بسرعة اللجوء إلى الطبيب المختص لتشخيص الحالة ووصف العلاج المناسب لها، وأن يتجاوز الحواجز المعتادة من خرافات واعتقادات خاطئة سائدة في المجتمع عن المرض النفسي والعلاج النفسي، وسوف يندهش السائل -إن شاء الله، وكما يحدث مع الكثير من مرضانا- من الفارق الكبير الذي قد يصنعه العلاج في حياته، بل قد يندم على السنوات التي قصر فيها في حق نفسه وحرمها من العلاج المناسب وبالتالي من الاستمتاع بالحياة الطبيعية والتجاوب معها بالطريقة الطبيعية بحلوها ومرها.
مع تمنياتنا بالشفاء العاجل والسعادة الدائمة.
واقرأ أيضًا:
اضطرابات وجدانية: عسر مزاج Dysthymia
العلاج المعرفي للاكتئاب