آلام الفراق
بعد الشكر لكم على جهودكم، فمشكلتي أنني فتاة في العشرينيات، وأحببت صديقة لي منذ سنوات طويلة، وكانت بيننا علاقة غير سوية وصلت إلى حدّ المعاشرة، استمرت طوال هذه السنوات، فملكت عليّ وجداني، وكانت هي دائماً الطرف الذي يطلب ويأمر، وأنا أطيع، وكثيراً ما حدثت بيننا خلافات بسبب غيرتها الشديدة، وكانت تحبني بجنون، وتتألم حين أحاول الابتعاد عنها...
ولكن صديقتي تزوجت، وانقلبت أحوالها، وقالت: لا بد من الفراق، ورضخت لمطلبها كالمعتاد، فلاحقتني الأوجاع والآلام الجسدية والنفسية، آلام في الرأس والعينين، وراجعت الأطباء من أجل هذه الأوجاع دون فائدة.
أنا تائبة، ولكن لا أخفيكم أنني :
أتوق للرجوع إليها، فماذا أفعل؟
13/12/2018
رد المستشار
الأخت المرسلة، تأملت كثيراً وترددت أمام طلبك عدم نشر رسالتك، وحسمت ترددي الذي طال بنشرها مع تجاهل كل بياناتك، وتفاصيل شخصيتك فلماذا كان قراري بنشرها؟
أردت حقيقة أن أشكرك على الإشارة إلى مشكلة نعاني منها في مجتمعاتنا، وتسكت البنات عن الحديث فيها للظن بأن شذوذ البنات أخف ضرراً وأقل حرمة من شذوذ الرجال، وربما ما زالت الفتاة تجهل أو تخجل من التصريح بأنها سحاقية، بينما يعرف الشاب أنه لواطي، ويتجرأ في التصريح بهذا أكثر، ويسعى لطلب العلاج بوضوح وإلحاح أكبر، من الفتاة السحاقية، رغم أن كليهما انحراف، وله أعراض اكتئابية جسمانية ونفسية مثل التي تصفينها لديك.
إحداهن أرسلت إلى إحدى صفحات موقعنا تسأل عن علاقة شذوذ تجمعها بصديقة لها، ولما سألناها عن تفاصيل تلك العلاقة ليتسنى لنا تقديم الاستشارة المطلوبة، ردت باختصار قائلة: أنا فقط أريد الحكم الشرعي، وكأن الحكم الشرعي مجهول!!..
وبالإضافة إلى توجيه الشكر لك والاحتفاء والاهتمام برسالتك، أردت بنشرها للتنبيه إلى بعض حصاد التشديد والانغلاق الذي تعيشه بعض بلدان وقطاعات العالم العربي والإسلامي في العلاقات بين الجنسين؛ سواء تم هذا التشديد باسم الدين أو باسم التقاليد، أو بهما معا…
والفوضى بالتفريط مثل الفوضى بالإفراط، وبدلاً من دفن الرؤوس في الرمال أخذنا على عاتقنا في هذه الصفحة أن نتواجه بالحقائق، ونفتح الموضوعات الممنوعة، والجراح المهملة التي تمتلئ قيحاً وصديداً، والجسد يترنح من الحُمّى، ونحن نكذب على أنفسنا كل صباح، وننقسم زورا إلى مجتمعات محافظة، وأخرى متحررة، رغم أن الكل يعيش في فوضى ومعاناة يصارح بها البعض نفسه جزئياً – والمصارحة وحدها لا تكفي – بينما يصر الآخرون على نفيها، رغم أنها تنفجر في وجوههم فضيحة كل حين، فيكتفون باعتبارها حالة فردية شاذة، ويعودون للتواطؤ والتدليس، ولا أحسب هذا ينجيهم من شقاء الدنيا أو عقاب الآخرة.
والحق المستقر منذ قديم الأزل أنه لا تخلو الحياة من عثرات ولا يخلو مجتمع من أمراض، والتشخيص السليم مع توافر المعلومات، والانفتاح في الحوار هو بداية الطريق للتعامل الرشيد مع هذه الظواهر، وهكذا كان مجتمع النبي – صلى الله عليه وسلم – والقرآن ينزل مسجلاً نقاشات دارت في هذا المجتمع القدوة تناولت علانيةً قضايا مثل الخيانة الزوجية، والخيانة العظمى، وأدق تفاصيل الشئون الفردية والجماعية، والسياسية والجنسية، ومن هذه المصارحة والانفتاح في مجتمع مؤمن ينشد الحكمة ويلتمس الصواب كان التحدي ينحسم دائماً لصالح الإسلام فينتشر وينتصر ويسود.
أعود لمشكلتك فأقول لكِ يا أختي: أنت تصفين علاقة سحاقية كاملة كنت أنت فيها الطرف السالب، وكانت صديقتك الطرف الموجب، تأمرك فتطيعين، وتريد منك فتخضعين، وهي اليوم مُصرّة على الفراق؛ لأنها ذات لذة أخرى هي الأصل والفطرة الحلال، فعادت هي إلى صفتها الأصلية كأنثى تتزوج، وتستعد للأمومة، فلماذا تُصرّين أنت على البقاء هكذا معلقة؟ وهل اخترت أن تظلي هكذا تلعبين دور السحاقية السالبة إلى الأبد؟
إحداهن هربت من أهلها وقصرها والرغد الذي كانت تعيش فيه لتعيش المتعة المنحرفة مع صاحبات نفس الميل الشاذ في أوروبا، وهي في الأغلب نماذج بائسة من نساء لم يحالفهن التوفيق في التنشئة السليمة، أو تعرضن لصدمات وتجارب عاطفية مؤذية فدخلن في هذا الطريق، وبعضهن يدخلنه من باب التجريب ثم يعودنّ إلى الأصل وإلى الفطرة رغم صعوبة أوضاع وأسس وأسباب نجاح وثبات الأسرة الطبيعية هناك.
يا أختي، حان الوقت لتطوي هذه الصفحة وتعودي عن هذه المغامرة، ويكفي ما أصابك منها، وأن الله قد ستر عليك فلم يفضحك، وما أبشع الفضيحة التي تعني النهاية أحياناً.
يا أختي، هل تقرئين صفحتنا هذه باستمرار لتعرفي ما تحرمين نفسك منه؟ إنك تحرمين نفسك من أروع عاطفة أنعم الله بها على الإنسان، وجعلها أساسا للعمران البشري وخلافته سبحانه على الأرض، عاطفة الحب بين الرجل والمرأة، وعاطفة الأمومة.. تحرمين نفسك من أجمل شعور عرفته البشرية، منذ أن خلق الله الخلق من نفس واحدة فجعل منها زوجها،"وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً"؛ فهل صار السراب أفضل من عذب الشراب؟ وهل هناك مجال للتردد بين هذا وذاك؟
إن التخلص من الميول السحاقية يحتاج إلى عون متخصص مباشر، ولا تنفع فيه النصائح عن بُعد، وهو بالمناسبة – أي العلاج – يكون أسهل إذا كانت الحالة هي السحاقية السالبة مثل حالتك، فاخرجي من مدار صاحبتك، وكوني أنت شمسا تدور حولك أقمارك في بيتك عندما تتزوجين، فاستعدي لذلك، ولا تعودي أبداً إلى اللحم المنتن بديلاً عن اللحم الشهي؛ فهو أفضل مطلقاً، وإن كان ساخناً أو حاراً من طعم قرون الفلفل الأحمر التي تعطيه إياه فتكسبه النكهة، والمذاق، ولقد أكلت منه صديقتك، ولم تعد تعدل به شيئا حتى إنها هجرتك على ما كان لها عليك من سلطان، وما كان بينكما من معاشرة.
توبي إلى الله، واستعيني به على ترك هذا الخراب النفسي والجسدي، واستغفريه إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليك مدرارا ويرزقك بنصيبك من الرجال وبالحب الحلال، والماء الزلال، ويجعل منك شمساً، وأطفالك حبات قلبك حولك أقماراً، وتابعينا بأخبارك …وشكراً لك.