كيف نساعد مريض الاكتئاب الذي يرفض العلاج؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه المشكلة تخص أحد أعز أصدقائي:
شاب في الثانية والثلاثين من العمر.. أعزب.. متدين وعلى خلق.. لا يتعاطى أي نوع من الدخان أو المخدرات أو الخمور.. متخرج بامتياز من إحدى كليات القطاع الطبي المرموقة في مصر وحالياً يعمل في الخليج.. أثناء فترة الدراسة في الجامعة كان من أكثر الشخصيات مرحاً.. دائم المزاح ويبعث البهجة والضحك باستمرار في من حوله.. لكن بعد التخرج بدأت تحدث تغيرات في شخصيته فأصبح أميل للعزلة وأصبح يتجنب الخروج مع الأصدقاء إلا في أضيق الحدود.. فسرنا ذلك وقتها بصعوبة بيئة العمل في مصر والضغط النفسي الذي يتعرض له فيه مع ضعف المرتب.. استمر في هذا العمل فترة تقترب من الثلاث سنوات خلالها أتم دراسة دبلومة دراسات عليا بتفوق وترقي في عمله لكن وضعه النفسي استمر في التغير للأسوأ...
حصل بعدها على فرصة للعمل في مجاله في إحدى دول الخليج ومع سفره إليها (بعد تردد شديد) بدأ وضعه النفسي في الإنحدار السريع.. أصبح دائم الحزن والاكتئاب والتعاسة.. غير راغب وغير قادر على ممارسة أي نشاط بخلاف العمل.. وازداد الوضع تدهوراً عاماً بعد عام.. حتى فجع في السنة الأخيرة بوفاة والده وازدادت حالته تدهوراً..
حالياً ظهرت عليه جميع العلامات الكلاسيكية لمرض الاكتئاب:
1- إحساس مستمر بفقدان الرغبة في فعل أي شيء.. حتى الأشياء التي كانت تسعده سابقاً
2- إحساس مستمر بالتعب والإرهاق
3- إحساس مستمر بفقدان الرغبة في الحياة واللامبالاة وفقدان الأمل في التحسن
4- تشاؤم مستمر وإحساس بالذنب وإحساس بعدم قيمة النفس
5- صعوبة شديدة في اتخاذ القرارت
6- أرق واضطراب شديد في النوم لا يستجيب حتى للأدوية المنومة
7- آلام مختلفة شخص بعضها من قبل طبيب الأعصاب أنها نفسعصبية
8-إحساس مستمر بالحزن والخواء يصل أحياناً للبكاء بدون وجود سبب ظاهري يدعو لذلك
9- مؤخراً بدأ بالتلميح مزاحاً بالرغبة في الموت أو الانتحار
حالياً وبعد 5 سنوات من الغربة في الخليج جاءته فرصة كان يحلم بها دوماً للسفر لإكمال دراسته في جامعة مرموقة في أوروبا.. ومع ذلك يجد صعوبة شديدة جداً في اتخاذ هذا القرار.. صرح لي أنه يشعر أنه لو ظل في الخليج سيظل تعيساً ولو عاد إلى مصر سيظل تعيساً وحتى لو سافر إلى أوروبا فلن يتحسن وضعه. صارحته بأن ما يعاني منه هو اكتئاب كلاسيكي وألححت عليه بضرورة الذهاب للطبيب النفسي أو حتى تعاطي أحد أدوية الاكتئاب الناجحة (مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية) التي يستطيع الحصول عليها بسهولة بسبب عمله لكنه يرفض رفضاً باتاً ويصر على أن ذهابه إلى طبيب نفسي سيؤدي إلى تدهور حالته أكثر كما أنه يرفض أخذ الدواء حتى مع اعترافه بتعاطي بعض مثبطات الجهاز العصبي المركزي للتغلب على الأرق بلا جدوى.
السؤال:
1- كيف يمكنني تقديم المساعدة له وكيف يمكنني تشجيعه على زيارة الطبيب النفسي؟ مع العلم أني لست متواجداً معه في نفس البلد التي يعيش فيها ولم أره منذ 5 سنوات مع تواصلنا شبه المستمر عن طريق الهاتف.. أخشى مع كثرة إلحاحي عليه بتلقي العلاج أن يتوقف عن الحديث معي وتنقطع الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها الوقوف بجانبه وتقديم الدعم له.
2- هل يمكن أن يساعده الزواج في التغلب على هذه الحالة أم أن زواجه في هذه الحالة يعتبر ظلماً لزوجته؟
3- هل من الحكمة أن يسافر إلى أوروبا في بيئة جديدة تماماً وهو على هذا الحال أم سيكون ذلك سبباً في تدهور حالته أكثر مع زيادة الإحساس بالغربة والابتعاد عن مصادر الدعم النفسي؟
4- أرجو توجيه كلمة له تساعده على تقبل فكرة الحصول على العلاج النفسي..
وإن كنت أعلم جيداً أنه يعرف الكثير من الناحية الطبية بحكم دراسته..
ولكم جزيل الشكر..
19/1/2019
رد المستشار
صديقي
إن كان صديقك الطبيب يعلم ما به ومع ذلك يرفض العلاج فهناك سر وراء إصراره على التدهور.. قد يكون لديه إحساس بالذنب من جراء عادة جلد الذات والتقليل من القيمة الذاتية والتقدير الذاتي...ما يحتاجه لذلك هو تعديل في طريقة التفكير والحوار الداخلي ولن تكفي الأدوية في هذا.
اسأله عما إذا كان يستعذب هذه الأحاسيس أو أن يكون هناك مكسبا ثانويا لاستمراره في الاكتئاب.
الانتحار هو حل مستديم لمشكلة مؤقتة.. وفيه عنف نحو أهله وأصدقائه ومن يحبونه.
حاول أن تدير دفة الحديث بعيدا عن الأفكار الاكتئابية أو الشكوى، ونحو احتمالات أخرى أكثر إيجابية.
ليس الزواج هو الحل وقد يؤدي إلى تعذيب زوجته المستقبلية إن لم يتغلب على الاكتئاب ويعالجه.
قد يساعده وقد يضره أن يكون في بيئة مختلفة في أوروبا.. إن ظل على ما هو عليه بدون أي تغيير إجابي فالوحدة والغربة سوف تضيف لاكتئابه.. أما إن فتح آفاق جديدة وكون صداقات جديدة مع الجنسين فسوف يكون تواجده في أوروبا هو طوق النجاة.
استمر في تشجيعه وتحديه لكي يتلقى العلاج.. لا تخف.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب