خطبها.. ثم قال: لا أتزوج فتاة إنترنت!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر للدكتور أحمد عبد الله تجاوبه في الرد على مشكلة خطبها.. ثم قال: لا أتزوج فتاة إنترنت!! ، وأقدر رده لكن للأسف لم أحصل على إجابة شافية.
لا أدري هل أخطأت الفتاة عندما تحدثت إلى صديقتها بمشاركتها في ذلك المنتدى أم لا؟
إذا كانت الفتاة ترى أن ما تفعله صحيح فلم لا تبوح به؟ فلا تخلو المشاركة في المنتديات من عبارات المدح والإطراء من قبل الطرفين، وهذا يسبب غيرة كبيرة لدى الخاطب أو لدى المخطوبة.
ومن الممكن أن تكون الفتاة صادقة وأغراضها خيرة ولا تقصد فعل المحرمات في مشاركتها. لا أرغب في الخوض في تفسير طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة على الإنترنت. فقد سبق أن طرحتم مجموعة كبيرة من المواضيع بخصوص هذه العلاقات ومخاطرها وعواقبها.
ولكني أرغب في معرفة مشروعية مشاركة المرأة في المنتديات.
وجدت مجموعة من الآراء، ومنها ما يلي:
ما الحكم في المراسلة بين الجنسين الأجنبيين؟
مراسلة الفتاة لرجل أجنبي عنها غير منصوح بها، مهما اتخذت من الاحتياطات المناسبة التي من ضمنها أن يكون مضمون المراسلة نظيفا، وأن يكون الغرض من الكتابة شريفا، وأن تكون الكتابة بإذن ولي أمر الفتاة. ومع ذلك كله تبقى هذه المراسلة غير مستحسنة؛ لأنه يمكن جدا أن تكون سيئاتها أكثر من حسناتها.
وإذا كان المضمون اليوم نظيفا، وكانت النية اليوم طيبة، وكانت الكتابة اليوم بإذن ولي الأمر، فمن يضمن أن يستمر الأمر على ذلك مع الوقت؟! وإذا كانت نية الفتاة -في هذه المسألة- غالبا حسنة، فإن نية الرجل ليست كذلك في الغالب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك بعده فتنة أشد على الرجال من النساء.
وإذا وقع -لا قدر الله- محظور من وراء هذه المراسلة، فالمصيبة تكون أكبر وأعظم على الفتاة أولا. فليحذر الرجل إذن من هذا الأمر مرة، ولتحذر الفتاة مائة مرة.
ألا تدخل عملية الشات تحت هذا الحكم؟ وكذلك عملية المشاركة في المنتديات؟ ما معنى أن المرأة تُخدع بكل سهولة؟ وما أسباب ذلك؟
إن الله حرم الزنا وحرم كذلك مقدماته من كلام لا يليق مثل الغزل، والموسيقى المثيرة، والنظر إلى العورات، واللمس غير الجائز، والقُبلة، والمداعبة...إلخ، مما هو معروف ولا داعي للتصريح به.
والمرأة تُخدع بسهولة من طرف الرجال، ومن أسباب هذا الانخداع:
أولاً- أنها تظن بأن المتديِّن أو الإمام أو الأستاذ... لا يمكن أن يقع معها في الحرام، وهذا خطأ؛ لأنهم كلهم بشر غير معصومين من المعصية، بل حتى من الكفر.
ثانياً- أنه يبدو لها كأن المذكورين سابقا ليسوا رجالا (أي لا رغبة لهم في النساء)، وهذا خطأ، لأن كل واحد منهم في تعامله مع المرأة، هو رجل قبل أن يكون إماما أو أستاذا أو متدينا... إلخ
وإذا كان واحد منهم لا رغبة له في النساء فإنه يعتبر مريضا يحتاج إلى طبيب يداويه، ولا علاقة لعدم رغبته في المرأة بتدينه أو خوفه من الله. لذا فإن الجميع ملزمون بما ألزمهم به الشرع والدين، وكلهم مُعرَّضون للطاعة وللمعصية، وكل واحد منهم يصبح لا أمان فيه بمجرد بدء انحرافه عن صراط الله المستقيم.
أليس من الأولى للمرأة عدم الخوض في عالم الإنترنت، أو تكون شديدة الحذر عند وجودها على الإنترنت؟ وهذا تفصيل آخر للموضوع في عالم الإنترنت.
اليوم يتواصل الجميع مع الجميع بدون استثناء، ويتم التعرف على كل جديد، سواء أكان شيئا أو شخصا، ومن هنا كان سؤالي.
التعرف بين الجنسين أصبح ظاهرة لا يستطيع أن ينكرها إنسان يعيش في عالم الإنترنت، خاصة من خلال برامج ومواقع التواصل الكثيرة التي لا حصر لها.
ومن خلال تجولي في الإنترنت تمت علاقات كثيرة، سواء مع ذكور أو إناث، وسؤالي:
هل هذه العلاقات هي من أصلها حرام، أم أن هناك شروطا لا بد من توفرها حتى تصبح في عالم الحلال أو المباح على الأقل. فكل العلاقات التي تعرفت عليها لا تتجاوز الأمور الشرعية، ولا يكون فيها الحديث المائع أو الذي يقود إلى ما لا تحمد عقباه.
والحقيقة أنني لا أهتم كثيراً بمن أخاطب؛ لأنني في الحقيقة لا أدري إن كان المقابل رجلا حقا أم امرأة، ولكن طرحت سؤالي هذا من أجل أن أعرف ما أفعله هل هو في نطاق الحلال والمباح أم أنه غير ذلك؟
ولكم مني جزيل الشكر والامتنان على المجهودات التي تقومون بها.
الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل يمكن أن نجمله في النقاط التالية:
1- الأصل في علاقة الرجال بالنساء الأجانب عنهم المنع لما في ذلك من الفتنة المتحققة بين الطرفين، يؤيد ذلك النصوص الشرعية الكثيرة في هذا الأمر منها قوله تعالى "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..." (النور: 30 / 31). وقوله تعالى: "وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ" (النور: 31).
نجد في هاتين الآيتين المنع من النظر إلى النساء، وكذلك أن يضرب النساء بأرجلهن ليفتن الرجال لما في ذلك من حصول الفتنة وإثارة الشهوة بينهما فسدت الذريعة المفضية إلى الحرام، ويدخل في ذلك أيضاً صوت المرأة إذا كان فيه فتنة للرجل وإثارة لشهوته، وكذلك إذا راسلت المرأة الرجل بكتابة فيها فتنة وإثارة فإن حكمها المنع كما سبق في غيرها ولا فرق.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن أن الزنا أنواع فذكر النبي صلى الله عليه وسلم: "العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى" متفق عليه واللفظ لمسلم.
فالتعارف الذي يحدث في الإنترنت من خلال المنتديات وغيرها قد يكون نوعاً من الزنا بالكلام، أو بالسماع إذا اشتمل على كلام ساقط أو خاص أو ما يثير كوامن الشهوة لدى الطرفين.
3- وقد يستثنى من هذا المنع ما يحصل من حاجة الرجل إلى مخاطبة المرأة أو العكس لغرض علمي أو بحثي أو الاستفادة من معلومة ذكرت بإحدى الصفحات على الإنترنت فهذا لا مانع فيه عند الحاجة إليه، ولنا في بعض أمهات المؤمنين ما يدل على الجواز، فهذا قبيصة بن ذؤيب يقول: "كانت عائشة أعلم الناس يسألها أكابر الصحابة"، وجاء عن أبي موسى الأشعري أنه قال: "ما أشكل علينا -أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً"، وهناك عدد من الصحابيات والتابعيات ممن اشتهر بين الناس علمهن، وقد يحتاج الرجال إلى مخاطبتهن من وراء حجاب للاستفادة من علمهن والآثار في ذلك كثيرة.
4- بعد هذه المقدمات أرى -والله أعلم- أن العلاقات التي تحصل بين الرجال والنساء من خلال الإنترنت حكمها لا يختلف عن حكم إقامة العلاقات من خلال الإيصال المباشر بالسماع أو الكتابة من حيث المنع وعدم الجواز لما في ذلك من الفتنة وتحريك كوامن الشهوة، وقد يكون ذلك خطوة أولى نحو الوقوع في الحرام والعياذ بالله، ومع تطور تقنيات الاتصال من خلال شبكة الإنترنت بوسع المتصل أن يسمع مباشرة أو يرى من يحادثه، وأعتقد أن المنع سيكون واضحاً حينئذ.
5- يذهب بعض الأشخاص إلى أن الأمر تسلية، ولا يقصد من ذلك إيجاد علاقات غرامية مع من يتصل بها من خلال الشبكة، ولكن الأمر عادة يبدأ بحبٍّ للفضول ورغبة في التسلية، وقد ينتهي بإقامة علاقات غير شرعية، والواقع يشهد بحالات كثيرة من هذا النوع يقع فيها بعض الشباب والشابات، وهذا من مداخل الشيطان على الإنسان ليفتنه في دينه ويوقعه في شراك الهوى والمحرمات، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" متفق عليه.
6- ويمكن لي أن أسأل صاحب السؤال أو من استهوته تلك العلاقات التي تقام على شبكة الإنترنت من خلال مواقع التواصل وغيرها: هل يرضى لأخته أو زوجته أو بنته أن تقيم مع شاب أو رجل تلك العلاقة حتى لو غلفناها بغلاف التسلية أو البراءة أو غيرها؟... أعتقد أن الغيور سيجيب بأن البداية في هذا الطريق ستنتهي بما لا يحمد عقباه من التمتع بالكلام معها أو الدخول في حرياتهم الشخصية التي تزيّن الإعجاب والحب بين الطرفين.
7- هناك العديد من الفتاوى لبعض علمائنا الأجلاء حول المراسلة بين الشباب والشابات لا تختلف حقيقتها عما يقع في المراسلات والتعارف على شبكة الإنترنت. ومن ذلك: ما سئل عنه فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم الشرع في المراسلة بين الشبان والشابات علماً بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام، وأنا دائماً أكتب في أول الرسالة قول الله تعالى "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" فأجاب فضيلة الشيخ رحمه الله: "لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه، لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع الدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن، ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه، وفي مراسلة الشبان والشابات فتنة عظيمة وخطر كبير، ويجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام. أما مراسلة الرجال للرجال والنساء للنساء فليس فيها شيء إلا أن يكون هناك محظور" أ.هـ فتاوى الشيخ محمد العثيمين 2/ 98.
وسُئل كذلك الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما حكم مراسلة الفتيات بالبريد؟ وما حكمها إذا كانت مفيدة مثل مراسلة أديبة أو شاعرة؟ أجاب الشيخ حفظه الله: مراسلة الفتيات الأصل فيها أنها لا تجوز إذا كانت من رجال غير محارم لهن لما يترتب عليها من الفتنة والمحاذير، ولو كانت الفتاة أديبة أو شاعرة؛ لأن درء المفاسد يقدم على جلب المصالح، وأغلب ما تحصل النتائج الوخيمة بسبب المراسلة بين الشبان والشابات والتعارف المشبوه. (المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان 3/160).
8- وختاماً أسأل الله عز وجل أن يحفظ شبابنا وشاباتنا من كل فتنة ويقيهم شر الشيطان والهوى وأن يجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأدعو إخواني من الشباب ممن فُتن بمثل هذه المواقع أن يشغل نفسه بما يفيد ولا يضيع وقته بالتوافه من الكلام ولا يقع ضحية لزلة شيطانية تزينها له فتاة أو العكس فإن الغارق في هذا البحر قد يصعب إنقاذه وتفوته فرص النجاة فلا ينفع حينها ندم والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه. (كتبه د. مسفر علي القحطاني).
آسف على الإطالة لكن الموضوع مهم جدا ليس فقط بالنسبة لي لكن بالنسبة إلى مجموعة كبيرة من شباب وفتيات الأمة الإسلامية.
أرجو منكم أن تفيدوني برأيكم وفقكم الله وسدد خطاكم.
15/1/2019
رد المستشار
الأخ الكريم،
جعلك الله دائمًا مفتاحًا للخير على الرغم من عدم ذكرك لبياناتك حتى إن بعض الفريق ظنوك "فتاة"، ولا يختلف الأمر بالنسبة لي فسؤالك، ثم مشاركة هذه المرة تفتحان بابًا هامًا لنقاش عميق ونافع بإذن الله.
أبدأ بالإجابة "الشافية" على أسئلة مباشرة تقول إنني لم أحسم فيها رأيًا أو لم أعطك وضوحًا بالمرة السابقة.
تسأل هل أخطأت الفتاة عندما أخبرت صديقتها بمشاركتها في المنتديات؟! وأنا أعتقد أن هذا التصرف يأخذ حكمه من السياق المحيط بالحدث، فلو أن هذا حدث في أمريكا مثلاً فلا يكون خطأ، وإذا حدث في بلدان الخليج، فإنه خطيئة، ولم يرد في رسالتك الأصلية أين وقعت هذه القصة، هذا إذا كانت قد وقعت فعلا!!
وهذا بشكل عام لأنني لم أعرف طبيعة مشاركات هذه الفتاة في المنتديات، وهل كان في كلامها ما يشين... إلخ.
وسؤالك: إذا كانت ترى أن ما تفعله صحيح فلِمَ لا تبوح به؟!
ونفس التساؤل تكرر بألفاظ أخرى في إحدى المشاركات، والعبرة هنا بمعيار الصواب والخطأ، فكثير من الأمور الصائبة الصحيحة شرعًا وعقلاً يستنكرها المجتمع جهلاً أو تخلفًا، ولا يكون من الحكمة إذاعتها، ولا أدري هل المطلوب أن تعلق الفتاة على صدرها لافتة مكتوبا عليها: "فتاة إنترنت" حتى تكون بذلك متسقة مع ما تمارسه.
مائة بالمائة البنات المستخدمات للإنترنت في إحدى دول الخليج يستخدمن الشات، ونسبة مماثلة تقريبًا من الشبان، وبالطبع قد يستخدمه البعض في الخير وغيره، فهل تطلب أو تتوقع أن يبدأ كل منهم يومه أو حديثه مع الآخرين بذكر تفاصيل هذه التجربة، أو أنه يدخل أحيانًا باسم رمزي، ويعطيهم إياه!! هذا، أو يعتبر أنه يفعل خطأ بدليل أنه لا يخبر الناس به!!
وهل هذا منطق سليم في معالجة الأمر؟!!التجربة الإلكترونية من اختيارات صاحبها، وهو المسؤول الأول وربما الأخير عن سلوكه فيها، وعن النتائج التي يصل إليها، وليس لأحد أن يتجسس عليه أو يراقبه ما دام المستخدم قد بلغ سن التكليف، وطالما أن المستخدم لم يطلب مشاركة أحد أو معاونته أو رقابته، وطالما سمح الوالدان بوجود الإنترنت في البيت، فإن هذا ينبغي أن يكون في إطار اتفاق واضح بين الجميع على سياسات الاتصال من ناحية الوقت والمحتوى، فإذا اتفق الأطراف على وجود إشراف من الوالدين على الأبناء البالغين كان ذلك، وإذا لم يحدث مثل هذا الاتفاق، فليس من اللائق اختراق خصوصية الأبناء، ولو بدعوى الحرص عليهم، ومن لا يطيق هذه التدابير فعليه ألا يسمح بالإنترنت في بيته من الأصل، وهو في ذلك حر، ولا يلومه أحد، وكذلك فإن الأبناء المكلفين البالغين أحرار في أن يدخلوا للشبكة من مكان آخر غير المنزل، وعليهم وزر الخطأ -إذا حدث- فهم عندها يتحملون مسؤوليته وحدهم.. وكذا.
ثم أصل إلى النقول التي تفضلت بتجميعها، ولم يتضح من النص ما إذا كنت تتفق معها أو ترفضها، أو تتفق في ماذا؟! وترفض ماذا؟! وهذا عيب في الكتابة أن تخلط بين المنقول، وبين رأيك، أو تكون رسالتك مجرد "قص" و"لصق"... هذا من ناحية الشكل. أما من ناحية المضمون فإن ما تنقله عبارة عن المنطق الذي استند إليه فقه "الرعب" كما أسميه، وهو الفقه الذي يستحسن عدم السير في الشوارع؛ لأن السير قد ينتج عنه حوادث!!! ويلغي كل صيغة للعلاقة بين الناس؛ لأن الشيطان لا يكف عن الوسوسة لهم بالشر!!! ويرى أن الفتنة تعصف بالجميع، والحل ألا تقوم بين الناس -خاصة الرجال والنساء- علاقات من أي نوع سدًا للذرائع، واجتنابًا للفتنة!!
والمرأة دائمًا بلهاء مثل الحمل الوديع البريء الأخرق فهي تنخدع بسهولة من طرف الرجال الذين هم بدورهم مجموعة من الذئاب، ولو كانوا متدينين، ولأنهم بشر غير معصومين من المعصية، ومحتمل طبعًا أن يقعوا فيها، فلا حل إلا بمنع كل اتصال بين الجنسين؛ لأنه "قد" يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، ويصبح الأولى للمرأة -ولا أدري لماذا المرأة فقط- ألا تخوض في عالم الإنترنت "هكذا بضربة واحدة"، وطبقًا لهذا الفقه فإن أية علاقة بين رجل وامرأة الأصل فيها الحرام ما لم تكن زوجته أو من محارمه، ويستحسن التحفظ من المحارم لأن النفس أمارة بالسوء، ولا نضمن البشر، والفتنة رهيبة فاحذورها!!!
يا إخواننا.. هذا فقه أسرف في التحريم دون دليل معتبر غير الرعب من الفتنة، بدلاً من أن تنصرف جهودنا إلى تربية التقوى والضمير مع فتح الآفاق والأبواب، والتواصي بالحق والصبر، والعفة والطهر.
بدلاً من هذا تحالفت الأنظمة المستبدة مع بعض المحافظين أو المتشددين من علماء الدين في التأسيس لهذا الفقه وتطبيقه في واقع الناس، ونحن اليوم نحصد آثاره، وآن لنا أن نتوقف ونراجع هذه التجربة الأليمة برمتها.أعرف أن الحابل قد اختلط بالنابل حتى ضاعت المعالم، وتاهت من الناس سبل الصواب، ولكن الأمر لم يعد قابلاً لمزيد من الترقيع أو التلفيق.
هذا الفقه فشِل على أرضه وأنتج جحيمًا من الموبقات والفظائع والازدواجية والنفاق، والعديد من الأمراض النفسية والاجتماعية، وهو يترك نفس البصمات حيثما حل.
هذا الفقه هو الأفضل بالنسبة لبعض الأنظمة؛ لأنها تريد مجتمعات مشلولة الحركة تسهل السيطرة عليها، ولا يوجد أفضل من هذه القيود للتحكم في حركة الناس ووصمها بالشر، وملاحقة أي مدافع عن الحريات بوصفه يدعو إلى "الفتنة"، والواعون من أصحاب دعاوى الإصلاح يعرفون جيدًا الآن أن الرابطة بين التحرير السياسي والاجتماعي وثيقة، وأن محاسبة الحاكم ليست منفصلة عن وضع المرأة في مجتمع ما.
هذا الفقه يحمل في طياته تبسيطًا للعالم وللإنسان وللعلاقات، ويتصور أن الشر محدود في جنس هو النساء، أو مواد هي الكتب أو الأفلام أو بعض مواقع على الإنترنت، وبالتالي فمحاربة الشر تكون بحجب المرأة، ومصادرة الكتب والأفلام والمواقع!!!
هذا تبسيط مخل، وسطحية مذهلة ترتدي مسوح الدين لترضي الحكام، أو تدافع عن الأخلاق بوسائل بدائية تجاوزها الزمن بكثير، والذين يريدون الدفاع عن الأخلاق والدين عليهم البحث عن وسائل أخرى أكثر فاعلية وإنسانية، أما هذا الفقه الذي أفسد علينا ديننا ودنيانا، وخنق الناس، وشل فعالياتهم، وجمد الدم في عروقهم؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.. هذا الفقه لم يعد يصلح، وهو أخطأ من البداية في الاستنتاج والاستدلال، وتنزيل الأحكام من النصوص إلى الواقع، فلا هو فهم النصوص بعمق، ولا هو استوعب الواقع باتساع، وقد ظهرت نتائجه جلية أمام كل الدنيا.
هذا الفقه ينتحر حاليًا بعد أن تبرأ منه الذين استنبتوه واحتضنوه، ورعوا ترويجه ونشره ودعمه بكل السبل في فترات سابقة لخدمة أغراضهم في الاستبداد الداخلي، والبحث عن دور خارجي، وقد يكون الموقف من المرأة وعلاقات الجنسين هو آخر ما يسقط من هذا الفقه، ولكنه حتمًا إلى زوال وذهاب لأنه لا ينفع الناس فلن يمكث في الأرض بإذن الله.
هذا فقه موات وموت، وليس فقه حياة ونهضة وعمارة للأرض، ولا يطيل من أمد بقائه إلا رعب الناس من التغيرات المتلاحقة من حولنا والضغوط المتزايدة علينا، والمضغوط يفزع إلى التشديد، ويهرب إلى التقليد والمحافظة ظنًا منه أن هذا سيحميه من التشتت والضياع، ولكنه سرعان ما يكتشف بؤس اختياره، ويبحث عن حلول أنجح وأشمل.
الأخ الكريم،
دون الخوض في تفاصيل فإن العلاقات الفردية أو الخاصة بين طرفين تأخذ حكمها من سياقها ومحتواها وما يحرم في الواقع يحرم على الشبكة، أما لقاء الرجال والنساء علانية وفي جماعة ولأغراض مشروعة وإيجابية فهو أمر مباح، وأحيانًا يكون واجبًا، ولقد أثبتت التجربة الأليمة لتطبيق هذا الفقه الخاطئ أن محض الفصل بين الجنسين لم يمنع الفتن أو المفاسد، وإنما أحال حياة الناس إلى مأساة، وصعب عليهم في حركتهم وتعاملاتهم بينما أفاد الفاسدين والفاسدات، وستر فضائحهم، وغطى نفاقهم، وأشاع مناخًا من الرعب أجادت السلطات استخدامه -وما تزال- في خنق الأصوات التي تطالب بالإصلاح، وفي قمع التحركات التي تنادي بالتغيير!!
وعلى الشبكة فرص هائلة لمعرفة بلا حدود، وتواصل بلا قيود، وعوالم جديدة واسعة، ولن يصغي لنا أحد حين نقول للمحرومة من الحركة في مجتمعها، أو المخنوق بسيطرة ألف سلطة وسلطة:
الإنترنت شيطان أو مظنة شيطان فاجتنبوه، فكل ما نفعله حينذاك أننا سنضيف بندًا جديدًا إلى قائمة التعسف والتضييق، ونصر على السير في درب النفاق والازدواجية، وتقديم الوصفات الوهمية لسلوكيات لن يلتزم بها أحد، حتى الذين يتحدثون عنها.
من أراد تحريم الإنترنت على نفسه فهو حر لا يستطيع أن يلزمه أحد بغير ما يعتقده هو ويريده، أما هذا الفقه الخاطئ فلن يصغى إليه أحد، وسيخالفه صانعوه؛ لأنهم محتاجون للإنترنت كغيرهم، ولا مبرر أن يظلوا يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم!!
لا مفر من قبول التحدي بأن نبقى على الشبكة ولو أخطأ أحدنا فإن باب التوبة مفتوح، ولو أخطأ بعضنا فليس هذا مبررًا لخنق الآخرين، وهكذا الإنسان يضرب في الأرض فيخطئ ويصيب.
سنبقى على الشبكة -نساءً ورجالاً- نحاول الاستفادة من فرص الخير الكثيرة، وإمكانيات التطور الهائلة، وإيجابيات الاتصال الواسعة، وسنظل نتحرى الصواب، وننشد الحكمة والجمال في معرفة بديع الله في صنعه وخلقه لهذا التنوع الإنساني الرائع، وسنعود تدريجيًا إلى فقه الإسلام الصحيح الأصيل دون إفراط أو تفريط؛ لأننا سنطوي جميعًا صفحة وحقبة "فقه الرعب"... تلك الصفحة السوداء.
ويتبع>>>>>>: بين فقه الرعب ومذهب العقلاء مشاركة