السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قبل أن أبدأ كلامي دعوني أقدم لكم كل احترامي وشكري لكم ، لأن الشيء الوحيد الذي يشعرني بأن الدنيا مازالت بخير هو مساعدتكم لمن لا يجد من يفهمه أو يساعده ولكم كل الخير والبركات من الله العظيم .
بداية أنا أرسلت لكم مشكلة قبل عام وأكثر تقريبا بعنوان الثقة بالنفس مفتاح التمييز وجسر المراهقة وكان ما أرسلتم مرضي ، ولكن أنا الآن في حيرة من أمري لا أعرف ما هذه الدنيا كيف تعمل وكيف تفكر؟ ما هؤلاء البشر يبحثون عن السعادة مقابل أموال طائلة يدفعونها.
أما الآن فأنا لست كما قبل بل أصبحت لا أخاف ذلك الإنسان الذي أخاطبه بحثت عن نفسي فوجت نفسي الأقوى من بين هؤلاء البشر فبعد كل هذا العناء ولماذا أنا لا أعرف أدرس لماذا تحصيلي العلمي تدنى وهداية من الله عرفت السبب بعد كل هذا العناء فالمشكلة باختصار كان هناك من يكرهني لدرجة أنهم أرادوا قتلي وكان ذلك بالسحر فقد كنت مسحورة طيلة هذا الوقت كرهت الدنيا بما فيها وتمنيت الموت قبل كل شيء لماذا الإنسان يفعل هذا؟
هل تصدقون في منتصف هذا الشهر الكريم حلمت أن هناك شخص أعرفه يكرهني أعطى شخص آخر إبرتين مملوءتين بسائل لونه أصفر ليغزني إياهم ففي ليلة القدر ذهبت إلى الجامع المجاور لبيتنا وكانت هناك امرأة متعلمة ومعها ماجستير في الشريعة سألتها عن تفسير هذه الحلمة فقالت أنني مسحورة من قبل ذلك الشخص فكان هدفه تدميري من غيرته الشديدة مني فأنا حقا في مرحلة الثانوية العامة وصلت إلى حالة الانتحار فقد كرهت نفسي قبل الدنيا دائما أشعر بصداع وشهيتي دائما مغلوقة لقد مت وانتهيت فقد أعطتني هذه المرأة آيات قرآن أقرأها على ماء وأستحم منه حتى أسبوع كي ينفك السحر ولكني في حيرة من أمري أخاف أن يكون ما قالته تلك المرأة خطأ وأظلم من أتهم بأنه عمل لي سحر. كيف لي أن أتأكد من ذلك
أخبركم الآن عن نفسي أكثر فقد دخلت أنا الآن إلى جامعة في بلدي والحمد لله فقد تولى عمي دفع المصاريف وجزاه الله كل خير ولكني رسبت في كل الامتحانات فأصابتني صدمة شديدة حتى سمعت هذا الخبر مع أني كنت أرغم نفسي على الدراسة أرجوكم ما عساي أن أفعل بعد هذا خاصة أنه هذا الشخص هو عمتي فهي تكرهني كرها شديدا مع أني دوما طيبة معها بالنسبة للسحر أذكر أنه كلما كان يأتي لي خطاب وتكون عمتي موجودة وكأنه سحر يذهب الخطاب دون أن يروه وجهي.
حاليا هناك شخص محترم متزوج ولديه طفلان وزوجته محترمة ودينه هو ذو مستوى اجتماعي متفهم فقد أعجبت به وأعتقد أنه كذلك عمره حوالي 32 سنة فأتمنى أن يكون هذا الشخص زوجا لي بإذن لله فهو يعرف عني كل شيء ولكن أنا أخبرت أهلي به كانت ردة فعلهم الرفض وعدم القبول فما تعليقكم على ذلك وإن كنت مصرة عليه ما عساني أن أفعل. فكل ما أكلمه أشعر وكان الله أرسل لي ملائكة من السماء تحميني من شرورها وشكرا لكم مجددا وكل عام وأنتم بخير
19/1/2019
رد المستشار
الابنة العزيزة ، أهلاً وسهلاً بك وشكراً على ثقتك في خدمتنا استشارات مجانين، أعتذر أولاً عن تأخري في الرد عليك ، والذي كان لظروف خارجة عن إرادتنا.
لقد مررت بفترة من القلق وعدم الاستقرار النفسي، إضافةً إلى التقلبات المزاجية، والشعور بعدم الفهم وعدم القدرة على التأقلم، ولما كانت هذه الفترة هي نفسها فترة المراهقة بالنسبة لك، فقد اعتبرت من بين مظاهر المرور بفترة المراهقة العادية، وكان رأي مستشاري الصفحة وأعضاء الفريق كذلك في وقتها، وقدموا لك الإرشاد والدعم النفسي المناسب والذي وصفته أنت بأنه (مُرْضي)، وكنت في نفس الوقت كما تصفين نفسك تتميزين بالذكاء والنشاط والاطلاع الواسع والبحث عن المعرفة، إلا أن قراءة إفادتك السابقة اليوم تختلف عما سبق، فنحن الآن نستطيع أن نسميها الأعراض البادرية Prodromal Symptoms، لاضطراب نفسي أعمق، ربما كنت تخافينه كما يفهم من كلمات إفادتك الأولى.
ومررت بفترة قلق واكتئاب أخرى بسبب خوفك من عدم القدرة على إتمام تعليمك الجامعي، ثم قدر الله سبحانه وتعالى لك من يتكفل بالمصاريف اللازمة لدخول الجامعة وهو عمك كما عرفنا من إفادتك الأخيرة، ولكنك برغم كل ذلك تعثرت، ووجدت نفسك غير قادرة على التركيز والنجاح في الجامعة، وما زلت حائرة وعاجزة عن فهم ذلك الذي يدور إلى أن حدث ما تصفينه في السطور التالية من إفادتك الأخيرة: (وهداية من الله عرفت السبب بعد كل هذا العناء فالمشكلة باختصار كان هناك من يكرهني لدرجة أنهم أرادوا قتلي وكان ذلك بالسحر فقد كنت مسحورة طيلة هذا الوقت كرهت الدنيا بما فيها وتمنيت الموت قبل كل شيء لماذا الإنسان يفعل هذا؟) ، وهذا الذي تقولينه يا بنيتي، في ضوء ما سبق وما يلي، يسميه الطبيب النفساني الاستنارة الذهانية Psychotic Illumination ، حيث تنير الفكرة الوهامية Delusional Idea فجأة ذلك الضباب الذي احتار المريض فيه فترة طويلة وهكذا يستطيع فهم وتفسير كل ما يحدثُ من حوله ، وربما مثلما فعلت راح يفسر من خلال تلك الفكرة كل ما مضى من أحداث.
ومعنى الفكرة الوهامية هو : "فكرةٌ تمثل بالنسبة لصاحبها اعتقادا راسخاً جازماً لا يقبل النقاش فيه رغم أنه اعتقادٌ خاطئ ومناف للحقيقة الواقعية، ولا يشترك مع المريض فيه أحد من نفس ثقافته ومستواه العلمي"، فأين هي الفكرة الوهامية في حالتك؟ إنها أولاً أن عمتك تقوم بعمل السحر لك! رغم عدم وجود دليل منطقي على ذلك ، فقول تلك التي تقولين أنها تحمل درجة علمية في الشريعة ، وتفك السحر ، وتفسر الأحلام أيضًا كلام مثل هذه المرأة ليس دليلا بل هو بث للخرافة في أذهان الناس مع الأسف، وثانياً اعتقادك أن هناك من يكرهونك إلى حد رغبتهم في قتلك! فلماذا يا ترى يقتلونك أيتها البنت الطيبة؟
وبعد ذلك نجد تفسير كل ما سبق من أحداث غير مرضية في حياتك يتم من خلال تلك الفكرة الوهامية المحورية، فمثلاً عندما كان يأتيك الخطاب فإن وجود عمتك كان يتسببُ في إعراضهم دون أن يروك، وهناك الحلم (حلمت أن هناك شخص أعرفه يكرهني أعطى شخص آخر إبرتين مملوءتين بسائل لونه أصفر ليغزني إياهم) وأشك أنا شخصياً في أن ما تصفينه كان حلماً، بل أتمنى أن يكونَ حقيقة وأن يكونُ أحد أفراد أسرتك قد انتبه إلى معاناتك واستشار طبيباً نفسياً فنصحه بإعطائك حقن مضاد الذهان، ولون السائل أصفر غالباً، وهنا أجدني أقول أن الفصل بين ما هو حلم وما هو واقع أيضًا قد يكونُ مضطربا لديك.
نصل بعد ذلك إلى ما هو ظاهرٌ من خلال النص من خلل في عملية التفكير نفسها وفي طريقتك في التعبير، فأنت تسألين مثلا عن الدنيا وكأنها شخص كيف تعمل وكيف تفكر، وهناك ما قد يعني أنك تسمعين أصواتا وإن لم تصرحي بذلك، كما يفهم من قولك: (أما الآن فأنا لست كما قبل بل أصبحت لا أخاف ذلك الإنسان الذي أخاطبه (فهل تقصدين بالإنسان الذي تخاطبينه أي إنسان أم أن هناك من تتحدثين معه وتسمعين صوته ولا يراه الآخرون؟؟) وهناك أيضًا قولك (بحثت عن نفسي فوجت نفسي الأقوى من بين هؤلاء البشر فبعد كل هذا العناء)، ونحن نتمنى أن تكوني الأقوى لكن الذي يبدو غير ذلك مع الأسف يا بنيتي.
وفي النهاية نصل إلى السؤال الأساسي بالنسبة لك والذي بعثت تستشيريننا من أجله: (حالياً هناك شخص محترم متزوج ولديه طفلان وزوجته محترمة ودينه، هو ذو مستوى اجتماعي متفهم فقد أعجبت به وأعتقد أنه كذلك عمره حوالي 32 سنة فأتمني أن يكون هذا الشخص زوجاً لي بإذن لله)، فما معنى ما تقولين؟ هل تقدم هذا الشخص أصلا لخطبتك؟ الواضح أنه لم يفعل فكيف تفكرين بهذا الشكل؟ شخص أكبر منك عمرًا بثلاثة عشر سنة على الأقل إذا اعتبرنا عمرك الآن 19 عاما، ومتزوج ولديه أطفال ولم يفاتحك بالموضوع وإنما فقط سمعك وعرف عن معاناتك وأعجبك، وترين أنك قد أعجبته أيضًا!، ولماذا وأنت بهذا العمر وتلك المميزات التي نعرفها عنك لماذا تفكرين في الارتباط برجل متزوج؟ وتحسبين أننا قد نوافقك؟؟؟
أرجو يا بنيتي أن يخيب ظني، وأن أكونَ مخطئا فيما ذهبت إليه، فأنا إنما أشير من طرف خفي إلى أن لديك بعض أعراض اضطراب الفصام وهو اضطراب نفسي يمكنك أن تعرفي عنه بالنقر على الرابط.
وأحب أن أطمئنك إلى أنه حتى لو كان ظني صحيحاً فإن وجود أعراض ذهانية لا يشترط أن يعني اضطراب الفصام، وأن وجود أعراض الفصام لا يعني سوء المآل المرضي، فهناك من حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، بعدما برأ من الفصام، أي أن الفصام يعيق الشخص فقط عندما لا يعالج، ولكنه عندما يعالج فإن الشخص يستطيع استعادة قواه المعرفية والنفسية التي يعجز عن استخدامها وهو مريض.
ما أنصحك به إذن هو الاستعانة بعد الله بمن تثقين به من أعضاء أسرتك المقربين لمساعدتك في اللجوء إلى أقرب طبيب نفساني من مكان إقامتك، وتابعينا بالتطورات.