وسواس مزمن..
بداية تحية لشبكة مجانين التي تقدم الدعم على كل المستويات وساعدت آلاف بل ملايين من البشر على التثقيف وحل مشاكلهم أيضاً وهو ما دفعني إلى كتابة استشارتي علّني أشعر براحة وسكينة من بعد خوف وقلق ووساوس..
أنا يا سيدى شاب مصري اضطرتني الظروف للاغتراب خارج وطني بحثاً عن لقمة العيش الحلال وفي الغربة والوحدة تجتمع كل الموبقات على الشخص وتبرز كل المشكلات التي كانت مدفونة منذ سنوات على السطح.. لقد نشأت في بيت الأب فيه مريض بالكبد وشاء الله أن يطول المرض معه حتى سن ال 55 ثم توفاه الله تاركا أم وأختين إحداهما تزوجت والأخرى كانت على وشك.. نشأت مدللا رغم الفقر الذي عانيناه كان والدي لايبذل جهدا لإشعارنا بأننا مثل الآخرين.. لاأرى بالتحديد متى وصل بي الحال للانطواء فلا أذكر في طفولتي أنني كنت انطوائيا إلا أنه مع بداية الشباب وجدتني بلا أصدقاء تماما ويبدو أني أحببت تلك الطريقة في العيش حتى تخرجت من الجامعة بعد الرسوب فيها 3 سنوات لعملي بجانب الدراسة..
ثم سافرت لإحدى دول الخليج لتكون العزلة أكثر وطأة فهي المرة الأولى التي أعيش فيها هكذا مسؤولا تماما عن نفسي.. ثم فاتحتني الوالدة في أمر خطبتي من إحدى قريباتنا وبعد الاستخارة من ناحيتي وناحيتها تم الاتفاق والخطبة..تلك المقدمة الطويلة لا أدري هل تفيد في تشخيص حالتي أم لا لكني بعد تفكير أشعر أنها مقدمات لحالتي التي أعاني منها منذ ثلاث سنوات تقريبا..كانت البداية مع منشور على الفيس بوك مفاده وفاة بنت في عمر الشباب بسبب مرض السرطان.. ومن وقتها والفكرة متسلطة علي بشكل بشع.. قبلها أثناء مراهقتي كنت أنظر لأبي حزين على حاله وأخاف أن أصير مثله في يوم من الأيام لكن كانت فكرة عابرة في تلك الأيام..
أما مع الغربة وعدم وجود أحد بجانبي وفشلي في خلق صداقات تهوّن عليّ حدة البعد عن الوطن فالفكرة بدأت تكبر حتى تسلطت عليّ تماما.. وكان الخوف كأنه دفين منذ سنوات ومكبوت.. فقد ظهر بشكل يستحيل عليّ وصفه وتبادر إلى ذهني كل رحلة العذاب التي مرّ بها أبي في عزّ شبابه حتى توفّاه الله.. العذاب الذي كان يعانيه ونعانيه نحن أهله معه حتى لقد نسيت ماهي الحياة الطبيعية التي تعيش فيها كل أسره..
وكان وسواس المرض الخبيث أول القطرة... فأصبحت أركز في كل الأخبار عن الأمراض.. فانتقلت لمرض القلب والسكر والضغط وغيرهم.. بدأت أبحث عن النت عن أعراض كل مرض حتى أني ذات مرة كان تركيزي على الذبحات الصدرية فشعرت بآلاما شبيهة بتلك التي قرأت عنها من آلام الرقبة والذراع والكتف وسرعة ضربات القلب..
فذهبت سريعا للمستشفى والحمد لله لم يكن شيئا سوى خوف وتوتر حتى نصحني الطبيب الهندي بالاسترخاء وعدم التوتر..ثم انتقلت لمستوى آخر من الخوف وهو وقتما تعرفت على قانون الجذب والعبارة التي يؤكّد عليها كل الذين تحدّثوا فيها وعنها بأننا نجذب ما نخاف منه.. فعلقت بالسنارة من وقتها وبدأت أفكر أني حتما سأجذب تلك الأفكار البشعة وأصبحت بين عذابين أحلاهما مر.. خوفي الشديد من الأمراض وخصوصا المرض الخبيث وخوفي الأشدّ من جذبه وفقا لقانون الجذب.. والأنكى أنني بدأت ألاحظ كثرة الحديث عن المرض في كل مكان أذهب إليه كأنها إشارات ما.. فيزداد جنوني وخوفي حتى لقد تمنيت الموت خلاصا من هذا العذاب.. ففي الإنترنت كل الأحاديث حول السرطان..
وفي التليفزيون وحتى عندما هربت من النت والتليفزيون وجدتني أمام لافتات الشوارع تحث النساء على الكشف المبكر للمرض.. وحتى أحاديث الناس التي تصادفني حتى الذين لا أعرفهم بيكونون بالصدفة يتحدثون حول المرض.. حتى استحالة حياتي خوفا وترقب لسيرة المرض في كل مكان وكل وقت.. والله يا سيدي استحالة حياتي إلى جحيم حتى ضاقت بي الأرض وأصبحت أضيق من خرم إبرة في نظري...عندما رجعت بلدي للزواج أصررت على عمل كافة التحاليل للاطمئنان على نفسي والحمد والمنة والشكر لله لايوجد شيء بي فكرم الله وستره يحاوطانني ولم يؤاخذني الله بسوء ظني.. وتوارى الوسواس مع ترتيبات الزواج والزواج والحمد لله كانت شهور أربعة مليئة بالمحبة ونسيت أمر الوسواس تماما..
ثم بعد عودتي للغربة بدأت تصادفني مرة أخرى سيرة الأمراض وخصوصا المرض الخبيث حتى في البرامج الكوميدية تأتي سيرة عابرة عنها فتغمز السنارة للأفكار التي كانت مكبوتة وتبدأ الدائرة مرة أخرى من خوف وقلق وترقب وخصوصا خوفي من جذب مخاوفي تلك.. لا أعلم صحة هذا الموضوع بالتحديد أني أجذب ما أخافه وأريد توضيحا من فضلك مع نصحك لي في حالتي.. فذلك الموضوع أكثر ما أخافه...الآن طعم الحياة أصبح مرّا بل علقما في نفسي.. الدافع للحياة والمستقبل مات... أنا شاب لكني أشعر بالعجز وأصبح ذهني يختلق أشنع السيناريوهات للمستقبل.. أصبحت عند التفكير في المستقبل أجده مظلما كئيبا..
نعم هناك أوقات تمرّ عليّ أحس بأني أكبر من كل تلك المخاوف وبأن رحمة الله وسعت كل شيء لكن سرعان ما تشدّني مخاوفي لبراثنها فأقع في المصيدة.. وهكذا أصبحت حياتي في عمر ال 31..كل يوم وكل لحظة أصادف الأحاديث عن الأمراض وكأنه لا يوجد شيء في العالم إلا الأمراض والسلبية وحتى طقوسي التي كنت أحبها من قراءة ورسم نسيتها منذ زمن وأصبح جلّ اهتماماتي كيف أبعد هذه الوساوس بتطبيق قانون الجذب بل وقراءتي عن تأثير قانون الجذب.. أعلم أن الله رحيم بعباده لكني على حافة اليأس فكل يوم هو عذاب لي.. وحتى الحياة الطبيعية التي يعيشها الناس من حولي أصبحت حلما لي .. أريد أن أفجّر عقلي لأرتاح وأعيش بطبيعية دون خوف وبثقة تامّة في الله لكن كيف؟؟!!
أرجو توجيهكم ونصحكم وجزاكم الله عني خير الجزاء..
محبكم..
عبد الحميد
15/2/2019
رد المستشار
أيها السائل الكريم أهلا ومرحبا بك إلى موقع مجانين وأتمنى أن أفيدك.
من بين سطور استشارتك، أستخلص أنك ربما تعاني مما يعرف ب illness anxiety disorder أو hypochondriacal disorder. عليك أن تأخذ في الاعتبار أن هذا التشخيص ليس نهائيا ولا حصريا وأنه وجميع المعلومات التي سأعرفك بها هنا لا تغني بأي حال من الأحوال عن الذهاب لطبيب. في هذا الاضطراب يستولى قلق بالغ من الأمراض الخطيرة (السرطان هنا في حالتك) على الشخص؛ على عقله وعلى وقته واهتمامه لمدة لا تقل عن ستة أشهر، فنجد المريض مهتما جدا بالفحوصات الطبية من تحاليل مخبرية وصور أشعة وخلافه في محاولة منه لتتبع أعراض الأمراض الخطيرة في جسمه وقد يتجنب البعض الأطباء والمستشفيات تماما. هذا الاضطراب يصيب النساء والرجال على حد سواء في الفترة من العشرين إلى الثلاثين غالبا كما هو في حالتك.
في هذا الاضطراب نجد أن المصاب به قد يتبنى أفكارا غير سليمة أحيانا نطلق عليها "الأخطاء المعرفية" تكون مسؤولة إلى حد كبير عما يشعر به من قلق مثل "التفسير الخاطيء misinterpretation والتهويل amplification". خذ عندك مثلا نظرية الجذب التي تتحدث عنها وتقول بأنها قد تكون سببا لإصابتك بالسرطان. أولا هي نظرية . ثانيا لا أعتقد أن لها تفسير واضح في حالتك. فمثلا هناك نظرية التشابه الجذب في علم النفس وهناك قانون الجذب في الفيزياء وكلاهما ليس سببا من أسباب الإصابة بالسرطان ولا حتى أحد عوامل الخطورة! خذ مثلا سرطان الرئة ستجد أسبابا طبية مقنعة متفق عليها بين الباحثين والأطباء وبالتأكيد لن تجد من بينها قانون الجذب!
عليك أن تذهب للطبيب النفسي للمقابلة الإكلينيكة للتشخيص والاتفاق على الخطة العلاجية التي قد تشتمل على عقاقير ومنها مثبطات أخذ السيروتونين أو غيرها وهي نافعة جدا لمن يعانون من اكتئاب مصاحب والعلاج المعرفي السلوكي وهو في ظني مهم لحالتك لما لاحظته من أخطاء معرفية عندك ويهدفان إلى معالجة البنية المعرفية المختلة والسيطرة على السلوكيات المرتبطة بالمرض مثل الطلب المتكرر للفحوصات الطبية.
هناك بعض العوامل التي تجعل مآل المرض لديك أفضل وتتوجه بك نحو التعافي أو الشفاء بإذن الله وهي أن تسارع باللجوء للطبيب والعلاج فلا تتحول حالتك إلى مزمنة، خلوك من الأمراض العضوية المصاحبة، خلوك من الاضطرابات النفسية المصاحبة كاضطرابات الشخصية، والاستجابة الجيدة للعقاقير النفسية إذا وصفها لك الطبيب.
أرجو لك سرعة الشفاء العاجل وتابعنا بأخبارك.