أنا وأبو هندي : أجل نتشارك في أكل الدواء ؟!
دواء الأتيميل العلامة الفارقة..
السلام عليكم ورحمة الله، مشكلتي النفسية أستاذ وائل أبو هندي تكمن منذ الصغر. فأنا لا أعرف عن نفسي منذ وأنا في عمر ٤ سنوات أو ربما حتى أقل من ذلك عدم الثقة بالنفس والخوف الشديد والرهاب والحساسية المفرطة، والوسواس القهري وأنا أتذكر في ذلك بعض الكوابيس التي تحتفظ بها ذاكرتي إلى الآن، وأنا أعزو هذا المشكل والله أعلم إلى الوراثة على الرغم من أن الدكاترة لا يتفقون معي في هذا الطرح. ويقولون بأن نسبة الوراثة لا تتعدى نسبة 10٪ وأن التنشئة هي السبب. ولكنني ما زلت مقتنعا بأن الوراثة هي السبب، فوالدي كان يفشي لنا بمتاعبه النفسية التي ألمت به قبل الزواج. مع العلم بأنني كنت مدللا خاصة في 3 سنوات الأولى من بعد الولادة
كنت أشعر بالغيرة الشديدة اتجاه أخي الصغير والذي كان يصغرني بسنتين.. فكنت أشعر بأن والدي يحبانه أكثر مني وأن أي تصرف يقومان به أفسره على هذا الأساس. خاصة وكما قلت لكم فإنني كنت مفرط الحساسية. مع العلم بأن والدي كان جد صارم ومتشدد معي في أمور الدراسة. وكنت أهابه كثيرا. ولكن لا أعتقد بأن هذا هو سبب معاناتي النفسية لأنني كما قلت لكم بأنني كنت متعبا نفسيا قبل دخول المدرسة وقبل تشدد والدي في مرحلة ما بعد المدرسة، بل بالعكس قبل هذه الفترة كنت مدللا.
فما هو سبب علتي النفسية في رأيكم: الوراثة أم البيئة وهل يمكن للطفل مثلا أن يصاب بالاكتئاب في عمر السنتين مثلا..
المهم بقيت على هذه الحال إلى بلوغ عمر 22 سنة أو 23 أين أصبت بما يشبه الانهيار، هنا زرت الطبيب أين وصف لي دواء بروزاك لمدة 6 أشهر وهنا بكل صراحة انقلبت حياتي رأسا على عقب إلى الأحسن وأول مرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى أعرف معنى الثقة بالنفس والشجاعة والهدوء والطمأنينة.
ولكن بعد مرور 10 سنوات من آخر مرة تناولت فيها البروزاك (لمدة 6 أشهر) لم أشعر فيها بأنني تخلصت من مخلفات أعراض الطفولة فكان يزعجني الخجل والخوف والرهاب، هنا قررت مرة أخرى معاودة زيارة الطبيب أين وصف لي أدوية اتيميل 30 ملغ نصف حبة في اليوم، والذي أشعرني بالهدوء فأحببته خاصة وأنه كان يفتح شهيتي وزاد وزني وخلصني من النحافة، كما نقصت نوعا ما الأعراض النفسية التي كنت أعاني منها وحتى أعراض الكآبة خفت حدتها بشكل جد ملحوظ. كما وصف لي سيرونيل حبتين في اليوم وبريزيفيا نصف حبة في اليوم لمدة وجيزة.
ولكن لم أشعر بعلامات الانسحاب أو التأثير الكبير بعد التوقف عن تناولهما بخلاف الاتيميل والذي بدأت أشعر من بعد التوقف عنه في مناسبتين مختلفتين بفقدان الشهية ونوعا من الاضطراب النفسي وعدم الارتياح، وبمرور ما يقرب 4 أشهر عن الانقطاع عليه أصبحت أشعر بنوع من الكآبة، خاصة وأنها تزامنت مع بيعنا للمنزل الذي نقطنه والذي اجتزت فيه كل صغري وشبابي. وهذه مشكلة أخرى أعاني منها منذ الصغر وهي التعلق بالأشياء، إذ كان يصعب علي التفريط في أبسط الأشياء حتى ولو كان قلما مثلا فما بالك بمنزل يأوي أحزاننا وأفراحنا. ضف إلى ذلك أنني علمت بأن المنزل الجديد الذي اشتريناه يقطن بمقابلة جار سيرته غير حسنة ويثير المشاكل. فأصبحت أعيش عقدة الذنب لأنني أتيت بعائلتي إلى مكان مشبوه سيعانون منه بسبب تبعات قراراتي.
أعلم أنني لو كنت أتناول الاتيميل لكان قد خفف الكثير من الأعراض وخاصة عنصر فقدان المنزل والحنين إليه.
بعد الاتيميل وبيع المنزل. أصبحت أشعر بأعراض القلق والألم النفسي.
في هذه الأيام عدة مرات أخرى إلى الطبيب وأعاد لي الاتيميل مع دوائين آخرين على أن أزوره مرة أخرى بعد 3 أشهر، ولكن إلى الآن لم أتناول العلاج وإن كنت سأفعل في القريب العاجل.
السؤال المطروح، وأرجو أن تجيب أستاذي الفاضل عن كل أسئلتي بدون استثناء
- ما سبب الأمراض النفسية التي نشأت معي منذ الطفولة المبكرة.
- هل يمكن للاكتئاب أن يصيب طفلاً صغيراً لم يعرف من هذه الحياة شيئا؟
في حالتي هذه حسب رأيكم ما هي مدة العلاج التي أحتاجها هل هي 3 سنوات مثلاً بحيث لا تعود لي الأعراض أبداً. مثلما حدث لي مع الاتيميل والذي كلما توقفت عنه أشعر بأعراض القلق. مع العلم في المرة قبل الأخيرة طالت معي مدة التناول أكثر من سنتين
- إن الأدوية النفسية حسب إفادتكم ليس لها أعراض جانبية وأنا أعلم ذلك وأثق في آرائكم ولكن أشعر بنوع من الوسوسة بأن هذه الأدوية تسبب أعراضا جانبية. مثل ضعف الذاكرة الذي شعرت به مع أخذ الأدوية
- هل يمكن أن أتناول الأدوية من دون قلق أو الخوف من عودة الأعراض، خاصة وإن طالت مدة العلاج.
- هل الأمراض النفسية التي تظهر في الكبر يسهل علاجها مقارنة بتلك التي تظهر في الصغر
- كيف أخفف من وطأة الحنين أو التمسك بالأشياء خاصة المنزل الذي بعناه والذي أشعر معه بمرارة وألمين شديدين بفقده، كما لا أقدر على مفارقة الأهل والعائلة لمدة طويلة، حتى ولو كان ذلك بهدف الدراسة أول العمل
فهل سيكون الحل في الأدوية التي وصفها لي الطبيب بما في ذلك الاتيميل. وبدون علاج سلوكي لأن الأطباء هنا يعتمدون فقط على الأدوية.
دعائي لكم بالتوفيق
مع جزيل الشكر
23/3/2019
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
الجواب على الأسئلة كما يلي:
١- أزمات الطفولة التي عانيت منها وتنافس الأشقاء الذي تشير إليه عقد نفسية يحملها الكثير من الناس ولا يمكن أن تفسر إصابة الإنسان بالاكتئاب. العلاقة بين الجينات والبيئة في جميع الاضطرابات علاقة معقدة بعض الشيء يمكن تلخيصها كالآتي:
• العامل الوراثي موجود في جميع الاضطرابات النفسية ولا يقل عن ٦٠٪ في الاكتئاب. هذا أشبه بعتبة خاصة بكل إنسان بعدها يُصاب بالاكتئاب مع ظروف بيئية قاهرة.
• العوامل البيئية والظروف الاجتماعية تلعب دورها في الاكتئاب وتدفع الإنسان نحو العتبة التي ينهار عندها.
• هناك عامل وراثي أيضاً يحصن الإنسان من الإصابة بالاكتئاب رغم وجود ظروف بيئية قاهرة تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
• وهناك ظروف بيئية تحصن الإنسان ضد الاكتئاب وخاصة علاقة حميمية جيدة.
• الظروف البيئية تؤثر على جينات الإنسان أيضاً وهذه الجينات يتم توارثها بعد ذلك.
٢- القاعدة القديمة أن الاكتئاب لا يصيب الإنسان قبل البلوغ ولكن الجميع يقبل اليوم بأن الاكتئاب لا يعرف عمراً محدداً.
٣- مدة العلاج تختلف من مريضٍ إلى آخر. الحد الأدنى ستة أشهر الكثير يحتاج إلى ١٢ شهراً وكل طبيب يجب أن يسعى لسحب العقاقير بعد ٢٤ شهراً. هناك أقلية تحتاج إلى علاج لفترة طويلة جداً.
٤- لا يكفي العلاج بالعقاقير ولا بد من دخول الإنسان في علاج كلامي. استعمال العقاقير المضادة للاكتئاب لفترة طويلة أصبح أزمة عالمية وتحدي يواجه الطب النفسي بضراوة هذا العام والجميع في انتظار توجيهات رسمية حول مدة العلاج استناداً إلى بحوث علمية. رد الفعل الجماهيري لاستعمال هذه العقاقير أصبح موضوعاً سياسياً تناقشه برلمانات الدول الغربية أحياناً وسأتطرق إليه هذا العام.
٥- العقاقير المضادة للاكتئاب لها أعراض جانبية وقد تؤثر على سلوك الإنسان وتغيرمن شخصيته على المدى البعيد.هذا ما أسميه بنغير الشخصية الناجم عن استعمال مثبط السيروتونين الانتقائي SSRI induced Personality Change. الصراحة يمكن تعميم ذلك على جميع العقاقير المضادة للاكتئاب.
٦- تناول العقاقير بدون قلق ولكن احرص على خطة علاج واضحة تناقشها مع طبيبك. ابحث عن معالج نفسي وادخل في علاج كلامي معه ضمن رحلة شفائك.
٧- علاج الاكتئاب أسهل بعد البلوغ وأصعب بكثير بعد عمر خمسين عاما.
٨- ادخل في علاج نفسي لكي تتقن السيطرة على مشاعرك وأزماتك النفسية. تعلم دوماً أن تتحكم بعاطفتك مهما كانت بدلا من أن تتحكم بك.
وفقك الله.
ويتبع >>>>: أنا وأبو هندي : أجلْ نتشارك في أكل الدواء ؟! م1