بسم الله الرحمن الرحيم
لقد طفح الكيل وفاض الكأس، فأنا مصاب بالوسواس القهري، مهما حاولت أن أتغافل عن ذلك أو أنكره فلا يمكن بحال من الأحوال إخفاء الشمس بالغربال، وذلك منذ مدة لا أذكرها لعل ذلك بدأ قبل سنتين على أقل تقدير عمري حاليا 16 سنة ونصف، سنتان من العذاب النفسي الشديد وأنا أغافل نفسي بأن ما يحدث لي شيء طبيعي وأنه من تداعيات السن التي أمر بها، لكن الأمر زاد عن حده لدرجة لا تتصور، فبعد أن كنت لا أنام إلا 4 ساعات تكفيني أصبحت أنام أكثر من 10 ساعات وما بقي أقضيه في البكاء والتمزق كل ذلك هربا من حالي،
فلماذا يقع لي ذلك؟ ما هذا الجرم الذي قمت به ويستحق كل هذا العذاب؟؟؟ لماذا يعاقبني ربي من حيث أريد طاعته؟؟؟ لماذا يقدر على هذه المعيشة الضنكاء وأنا أسعى جاهدا لإرضائه؟؟؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟؟؟؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أعلم أن ما قلته فيه إثم كبير ولكني ما عدت أطيق احتمالا وصبراً،
بدأ الأمر –كما أظن – في شكل هواجس مشككة في الذات الإلهية والأمور الغيبية مزقتني لفترة طويلة إلى أن تمكنت من الحسم فيه عن طريق بعض القراءات والمطالعة الني منحتني أسلحة أحارب بها هذه الفكرة من منبتها، وظننت أن الأمر انتهى عند هذا الحد إلا أني بعدها مباشرة دخلت في دوامة طويلة فما أن أتخلص من فكرة حتى تسكنني غيرها، وأنا الآن أكاد أجن، أتذكر أني كنت في حصة الرياضة في إحدى فنون الدفاع عن النفس، وأثناء القيام ببعض الحركات مع زميلي فوجئت به يركلني على غفلة مني وبكل قوته على قفاي علما أنه أعلى درجة مني وأقدم في هذا المجال زيادة على جثته الضخمة، لم أشعر بكثير ألم اللهم دوخة قصيرة، ولكني استيقنت أنه فعل ذلك متعمدا حين بدأ عليه ذلك واضحا، لكني لم أشأ أن أدخل في صراعات لأني لا أحدث فوضى في القاعة،
المهم بعد رجوعي اكتشفت بروز نتوء على قفاي وبسببه أصبحت أخاف أن يؤثر ذلك على ذاكرتي أو تفوقي أو أي شيء آخر.. ولكن هذا ليس هو ما أزعجني بالقدر الذي أزعجني عدم الرد عليه والانتقام منه واتهام نفسي بالضعف والخوار وأصبحت صورته ترافقني أينما ذهبت وأسترجع معها هذه الأمور مما أثر كثيرا على مستواي في جميع المجالات .
مرت مدة بعد ذلك ونسيت الأمر بنسبة كبيرة ولكن لتلقفني فكرة جديدة هي فكرة التقابل بين العلم الشرعي والعلم الكوني وأيهما له الأولوية، وما جدوى دراستي إذا كان غيري ممن هو أقل من مستواي يدرس العلوم الشرعية وينال أجرا أكثر مني؟ فأصبحت – وهذا لا يزال لحد الآن – إذا أردت حفظ أحد النصوص لإتقان لغة أجنبية، أوأزن بينها وبين حفظ القرآن، وهل سأنال بحفظي لهذا النص أكثر مما أناله إذا حفظت مثله قرآنا؟؟ فأنصرف دون حفظ النص ولا حفظ قرآن هذا مع العلم أني أحفظ منه كثيرا والحمد لله ولا زلت أواظب على حفظه، ولعل ما يغذي هذه الفكرة بعض العلماء الذين لا يزالون يعتبرون العلوم الكونية فضلا وتطوعا،
أعلم أن هناك كثر من العلماء من له رأي مختلف ولكنه في مجمله لا يبتعد كثيرا عن سابقه ويزيد عبارة أن العلوم الكونية ضرورة هكذا جافة، دون صبغها بصبغة دينية أو حث الناس على تعلمها، وأنا وإن كنت أستفتي نفسي ومتأكد بصحة خطتي التي رسمتها لاستغلال تفوقي وحبي للعلم لنصرة الإسلام والأمة التي تحتاج إلى علوم كونية أكثر منها شرعية لأن هذه الأخيرة محفوظة بحفظ الله وعلماء الشرع لا يعدون من كثرتهم. ولكن كيف أضحي بسنوات عمري من أجل شيء مفترض؟ ماذا لو كانوا هم على صواب؟ أليسوا علماء ومن المفترض أنهم أعلم بالدين مني؟ هل أبني حياتي على جرف هار؟
كانت هذه بداية الدوامة الجديدة، وأصبحت –أعوذ بالله- تقشعر بدني من كل جملة فيها كلمة دين لا خشوعا ولكن نفورا والعياذ بالله، أصبحت أكره الوعاظ والعلماء، أغلق كل كتاب يدعو صاحبه إلى الدين والعودة إلى الدين واتباع الدين..... ولكن هذا يتغير حسب المزاج، فإذا صادف ذلك نوبة من هذه النوبات حدث وبشكل عنيف، وإلا فالأمر يكون أقل حدة في باقي الأوقات
أنا والحمد لله متفوق وكلما دخلت مجالا اللي تفوقت فيه بفضل الله، في العلم والرياضة والهوايات.. فهل يكون نجاحي في الحياة سببا لتأخير دخولي الجنة -إن كنت من أهلها- لا تستغربوا واذكروا حالة عبد الرحمن بن عوف، ألم يكن نجاحه في تجارته سببا لدخوله الجنة حبوا؟
ولعل نصيباً كبيراً من تفوقي يعود إلى الوسواس، فأنا أتخوف كثيرا من الدروس خصوصا العلمية منها، لا لصعوبتها ولكن لأنني لا أحتمل أخذ معلومة ناقصة، وهذا كما تعلمون غير ممكن لضرورة سلوك طريق التدرج، ولكني أتعذب بسبب ذلك كثيرا فأبحث في المراجع المتقدمة ولكن دون فائدة فتأخذني عصبية وقلق لا ينتهي إلا باجتياز الامتحان الذي عادة ما آخذ عليه الدرجة النهائية من كثرة تمحيصي وتنقيبي؟ فهل أستمر هكذا، هل هذه ضريبة التفوق؟؟
ثم تأتي النقطة التي أفاضت الكأس، وهي مسألة الإخلاص
كما ذكرت لقد وضعت خطة لحياتي –تصوروا- حتى أدق التفاصيل، ما هي الكلية التي سألتحق بها، ما مجال العمل، ما هي ظروفه، متى سأذهب للحج، وكيف سأدعو إلى الله حينئذ، وهل سأتزوج أم أتفرغ للعلم والدعوة ، ما سأعمل بعد التقاعد..... يعني كل شيء حددته ورسمته لتكون حياتي ربانية وأفوز بالشهادة وأسعد في الدنيا والآخرة. ولكن هيهات هيهات
تأتي قضية النية والإخلاص لتفسد كل شيء، كيف وهي التي ستحدد مصيري؟ لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في الأمر وكلما وضعت حلا ظهرت مشكلة أخرى، لو كانت هذه الفكرة تافهة أو سخيفة لطردتها ولكنها تبدو لي واقعية جدا
هل حقا أريد من خلال تعلمي نصرة الدين أم ليقال إنه عالم، لم أستطع أن أنزع الرياء من قلبي –أو قل من فكري– هل أتفوق في سبيل الله أم ليشار إلي بالبنان، إذا كنت مخلصا حقا فلم إرادة التفوق في سنة مثلا لا يحتسب مجموعها في الامتحان النهائي؟
إذا كنت مخلصا حقا فلم إرادة الالتحاق بالمدارس العليا النخبوية التي لا يدرس بها إلا أحس المتفوقين ولا يتم القبول بها إلا عن طريق امتحان يحتاج الأعداد له لسنتين على الأقل في المراكز المعدة لهذا الأمر؟ هذا مع أن الكليات المتواجدة تقدم نفس الدروس ولكن بفعالية أقل؟؟؟ وما يزيد من حيرتي أن جميع من حولي وحتى قادة الحركة الإسلامية التي أنتمي إليها يعتبرون البروز وفرض الذات والتميز من الضرورات، كيف يستقيم هذا مع الحديث الذي يقول فيه أصدق الخلق بأن أول من تسعر بهم نار جهنم ثلاثة منهم رجل تعلم ليقال له عالم، أين هو الصواب لا أجد جوابا، هل أتبع الوسواس أم أقوال الناس وكلاهما لا يطمئنني لأنه لا يمكن أي يكون صحيحا مائة بالمائة وأنا لا يمكن أن ابني حياتي على الشك وتستمر المعاناة
لا أريد أن أصدق أني مريض، ولكنها الحقيقة، لقد توقفت عن الدعوة إلى الله وذلك حتى لا أتسبب في معاناة زملائي كما أعاني، فأغلبهم لا يكترثون بالإخلاص أو القبول أو الأجر لكن ذلك على الأقل يقيهم ما أعيشه من صراع وعذاب مع نفسي التي تريد أن تسير بنجاح مائة بالمائة وبين الواقع الذي غابت فيه الحقيقة لا أستطيع الذهاب إلى الطبيب النفساني وذلك لأسباب منها أني أعيش في منطقة قروية تفتقد هذه التخصصات وأن أقرب متخصص قد يبعد 100 كيلومتر، ثم أنني لا يمكن أن أثق في الطبيب النفساني إذا لم يكن رجلا تقيا، كيف يستنجد الغريق بالغريق وما أصعب في بيئتنا وزماننا أن تجد هذا النوع من الرجال, أخيرا لأنني من المستحيل أن أفشي سري لأسرتي من قريب أو من بعيد ولو اضطرني ذلك أن أبقى على حالي هذه طول عمري
أعرف أنني أطلت وضيقت وأحرجت، ولكن ذلك كان على الأقل عزاء لي مهما صغر، أرجو عدم التأخر - جزآكم الله خيرا - في الرد علي فما عدت أحتمل وكل يوم يمر علي كسنة، علما أن هذه رابع وأظن أنها آخر استشارة أرسلها منذ ما يزيد عن الشهرين دون أن أتلقى جوابا أرسلتها بهذه الطريقة لأني أظن أن الطريقة الأصلية لا تعمل
21/3/2019
رد المستشار
الأخ السائل العزيز أهلاً وسهلاً بك وشكرًا على ثقتك في موقعنا مجانين، وإن كانت الطريقة التي بعثت بها مشكلتك لنا قد تسببت في عدم إعطائنا كل بياناتك، فعندما تبعث من خلال البريد الإليكتروني الخاص بالمشاركات، تصبح المعلومات التي تقدمها عن نفسك أقل إلزاما، ونحن على أي حالٍ نشكرك على أنك ذكرت لنا عمرك، وعمر معاناتك مع اضطراب الوسواس القهري،
ونحن بدايةً لا نتفق معك في اعتبارِ مشكلتك مشكلةً مستعصية لسببٍ بسيط هو أنك أصلا لم تحاول حلها أو التعامل معها بالشكل الذي يجب أن تتعامل معها به، ولا نقبل حجتك بأنك تسكن في قرية بعيدة أو أيا كانت أعذارك، ونذكرك هنا بضرورة التداوي فعن أم الدرداء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الداء والدواء فتداووا ولا تداووا بحرام" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود والطبراني ورجاله ثقات، وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه وجهله إلا السّام، والسّام الموت" رواه ابن ماجة.
فليست لك حجةٌ في التقاعس عن طلب العلاج، وفيما يتعلق بما ذكرته من أعراض الوسواس القهري فقد أفضنا في إجابات سابقة لنا على هذه الصفحة في شرح اضطراب الوسواس القهري وأسبابه وأعراضه ومآله وحكمه الشرعي فاقرأ الإجابات التالية:
نعم هو الوسواس القهري بحذافيره
الوسواس القهرى : أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعى
مآلات علاج الوسواس المستقبل غيب !
ذكريات موسوس سابقًا
وأما ما سوف نركز عليه في ردنا عليك فهو بعض أشكال الأفكار التسلطية (الوساوس) والأفعال القهرية (القهور) التي عرضت لها ولمعاناتك منها في إفادتك ونتحدثُ عنها لأول مرة على صفحتنا، فهي من ذلك النوع الذي يتداخل بينَ صاحب الشخصية القسرية Normal Anankastic Personality أو صاحب اضطراب الشخصية القسرية Anankastic Personality Disorder ، وبين مريض اضطراب الوسواس القهري فبينما هو يبدو لمن يسمع به أو يراه من بعيد سلوكا طبيعيا وإن كان مبالغا فيه، نجد صاحبه واقعا في شراك العذاب ولا يدري به أحد!
فأولاً فيما يتعلق بطريقتك في المذاكرة فأنت تقول (لا أحتمل أخذ معلومة ناقصة، وهذا كما تعلمون غير ممكن لضرورة سلوك طريق التدرج، ولكني أتعذب بسبب ذلك كثيرا فأبحث في المراجع المتقدمة ولكن دون فائدة)، وهذه الطريقة في التدقيق الزائد عن الحد واستقصاء أصل المعلومة دون داع معقول، كثيرًا ما تتسببُ في ضياع جهد كبير دون فائدة مقابلة وهو ما لم تشر إليه بوضوح، وربما أصبحت أثناء الدراسة الجامعية إذا استمرت بهذا الشكل سببًا في عدم قدرتك على اجتياز السنة الدراسية في المدة المطلوبة، لأنك لابد أن تعرف أن كم المواد الدراسية في الجامعة أكبر من كمها في السنوات السابقة على المرحلة الجامعية، كما يلح علي الآن خاطرٌ بأن أقول لك ما قد يحبطك وهو أنك مهما استقصيت وحاولت بلوغ الكمال في المعلومة فعلمك يبقى ناقصا لأنك ومن تأخذ العم عنهم بشر، فلا داعي لأن تحرق نفسك وتضيع مجهودا قد تستطيع استغلاله فيما هو أنفع.
وثانياً ما يتعلق بالتخطيط المبالغ فيه أو ما كانت واحدة من مريضاتي اللاتي من الله عليهن بالشفاء تسميه وسواس الترتيب، حيث كانت ترتب كل الأحداث التي كانت وتتوقع أن ستكونُ خلال اليوم، فأنت وتقول (لقد وضعت خطة لحياتي –تصوروا- حتى أدق التفاصيل، ما هي الكلية التي سألتحق بها، ما مجال العمل، ما هي ظروفه، متى سأذهب للحج، وكيف سأدعو إلى الله حينئذ، وهل سأتزوج أم أتفرغ للعلم والدعوة، ما سأعمل بعد التقاعد)
وإن كنت تخطط لمسافة زمنية أكثر بكثير من تلك الموسوسة القديمة، وللمرة الثانية طبعا لم تشر إلى ما يستهلكه منك ذلك التخطيط المصحوب بالإغراق في التفاصيل من وقت، ثم لا يحدث بالطبع ما خططته كما خططته، لأن هذه هي طبيعة الأشياء، ولم تكسب أنت إلا ضياع الوقت.
بقيت بعد ذلك تساؤلاتٌ عديدة وردت في إفادتك بعضها لن أرد عليه إلا بعد أن تبقى قائمة تشغلك بعد أن تعالج نفسك لدى أقرب طبيب نفساني متخصص ، وبعضها يحتاج إلى الفتوى ود. رفيف الصباغ أقدر مني على الرد عليه، وأتمنى أن يهديك الله وتكفَّ عن عنادك مع نفسك وتابعنا بأخبارك.