د.وائل: الرجيم فاشل ومفيش فايدة هتتخنوا
مشاركة على موضوع الريجيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مشاركة على موضوع الريجيم الذي تمت مناقشته على هذه الصفحة منذ مدة..
أولاً : أود أن أشكركم أنكم وأخيراً طرحتم هذا الموضوع وتناولتموه بالتفصيل الذي نحن بحاجة إليه فعلاً..
ثانياً : أود أن أقدم اعتذاري عن تأخري في إرسال مشاركتي عليه, فمنذ أن قرأت أول استشارة التي كانت بعنوان :
ما الريجيم إلا أسطورة كبيرة: برنامج بديل , وأنا أنوي أن أشارك برأيي وتجربتي , ولكنه الكسل ربما أو الانشغال.. وما أشعل حماسي اليوم لكتابة الرد هو النقد الذي قرأته في مشاركة : الساذج والسائد: ما الرجيم إلا أسطورة كبيرة!!.. مشاركة..
ثالثاً: أقدم شكري العميق وامتناني للدكتور وائل الذي تناول هذا الموضوع – وأخيرا- برؤية علمية إسلامية واقعية.. ونحن في أمس الحاجة إلى ما فعلته يا دكتور ليس فقط في مجال الريجيم بل في مجال كل شيء في حياتنا.. فجزاك الله كل خير.. وأعانك على متابعة هذا المشوار..
رابعاً : مشاركتي :
أحب أن أقول للأخت رشا التي انتقدت ما كتبه الدكتور وائل: شكرا لأنك أرسلت هذا الكلام, لأنه أشعل حماسي لأرسل مشاركتي على هذا الموضوع, ولكنني أعتب عليك بشيء صغير وهو: هناك مثل عندنا يقول: "اللي بيأكل العصي مو مثل اللي بيعدّهم" ومعناه : أن من يُضرب بالعصا فتؤثر في جسده.. ألمه مختلف تماما عن ألم من يتفرج عليه ويعد له كم ضربة نالته, كلاهما متألم ولكن الذي يقع عليه العذاب أكثر ألما, هذا بحكم المنطق, أليس كذلك؟؟ وبما أنك أنت لست من "اللي أكلوا العصي" بل من الذين عدوها فقط, فلا تستطيعين أن تحكمي حكماً صائباً..
بما أنك لست أنت المبتلاة بهذا (الريجيم) بل صديقاتك, إذا لن تستطيعي أن تناقشي الموضوع "بواقعية" وبشعور من جرّبه وكانت لها معه خبرة سنوات.. أنت تتفرجين على صديقاتك فقط.. وأنا متأكدة أن صديقاتك لا يقلن كل شيء عن تجربتهن هذه إما لأنهن يردن الابتعاد في حديثهن عما يثير الشجون, فيفضلن الحديث فقط عن الجوانب الجيدة (وهذا ما كنت أفعله أنا) أو لأنهن لم ينتبهن بعد إلى الجوانب الخطيرة في هذا الموضوع (وهذا أيضا حدث معي) أو لأنهن لم يجدن من يفهمهن إذا تكلمن عما يدور في داخلهن(وهذه كانت مصيبتي ولكن ليس بعد أن تعرّفت على إسلام أون لاين)..
وسأحكي لك عن نفسي قليلا حتى تستطيعي أن تفهمي تماما ما أقصد..
أنا أيضا كنت من ضحايا الريجيم .. ومنذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري وأنا أحاول تخفيف وزني باتباع الحميات ولكن دون فائدة.. إلى أن وصلت إلى عمر 21 سنة فنجحت في أول ريجيم عملته حيث خسرت 13 كغ في مدة شهرين ونصف تقريبا..
طبعا الفرحة غمرتني لأنني نجحت أخيرا في شيء طالما فشلت فيه.. لكن جاءت المهمة الأصعب وهي: الحفاظ على الكيلو غرامات التي فقدتها.. وهذه المحافظة تتطلب أن أظل متبعة نفس الحمية التي اتبعتها خلال فقداني للوزن..
لم أعتمد خلال هذا الريجيم على أي من الوصفات المعروفة التي تحدد طعام الفطور والغداء وو.. بل اعتمدت على ما يسمى بالسعرات الحرارية, أي أنني أخصص لنفسي يوميا عدد من السعرات الحرارية لا أتجاوزه, وأنا حرة في اختيار الطعام الذي آكله مادام ضمن نطاق هذه السعرات.. وكانت تمر أيام وأنا أحاول جاهدة أن لا أتناول أكثر من 300 سعرة.. فقط.. وعندما أدلل نفسي كثيراً أرفعها إلى 700 أو 800 سعرة..
طبعا الاستمرار على هذا الريجيم القاسي كان أمرا مستحيلا.. فتفلّت الريجيم رويدا رويدا.. ولكن المأساة كانت أنني بمجرد أن أتناول طعاما عاديا مثل باقي خلق الله فإن وزني يزداد وبسرعة.. واستعدت في فترة سنة بعد هذا الريجيم 9 كيلو غرامات من الكيلوات التي فقدتها..
أحبطت كثيرا.. ولكن نفسي أكثر.. ثم شددت العزم على جولة أخرى من الريجيم.. واستمرت هذه الجولة حوالي 10 أشهر فقدت خلالها 13 كغ آخر.. ولكن هذه المرة كنت أرهق نفسي بالحركة المتواصلة منذ أن أستيقظ في السادسة صباحا إلى أن أنام في العاشرة مساء.. كنت أعمل مدرّسة فلا أجلس طيلة الدوام إلا "لأخذ النفس" وبعد عودتي من المدرسة أقوم ببعض الأعمال المنزلية إلى أن يحين موعد ساعة الإيروبيك.. وهكذا..
لم أكن أجلس إلا لألتقط نفسي، وهكذا إلى أن وصلت في نهاية هذه الأشهر العشرة إلى حالة اكتئاب.. فلم أعد آكل إلا لقيمات تسد الرمق (وبالعافية) فخسرت 5 كغ أخرى في غضون شهر ونصف..
والآن ماذا تتوقعين أن تكون نظرتي لنفسي بعد أن أصبحت في عداد "الرشيقات" وبعد أن حققت حلمي الذي عانيت سنوات طويلة في سبيله, وبعد أن تخلصت من كلام الناس ونقدهم الذي طالما حطمني؟
لقد تغيرت نظرتي.. فلم أعد أرى أن الجمال في النحافة بل أصبحت أراه في "السمن" وأصبحت أمي وجدتي مثالا للجمال في نظري!!! وأصبحت أرى نفسي مثالا للقبح والدمامة.. استغربت كثيرا من هذه النظرة الجديدة والمفاجئة.. ولكنني فهمت فيما بعد وبعد أن قرأت في علم النفس أن السبب في ذلك هو : أنا, أي نظرتي إلى ذاتي ومدى تقبلي لها.. كنت بدينة فلم أكن راضية عن نفسي ولا متقبلة لذاتي.. ثم تغير شكلي الخارجي ولكن نظرتي لنفسي بقيت كما هي: عدم الرضا عن النفس.. فانقلبت موازين الجمال في نظري.. بل لقد أصبحت أرى نفسي حمقاء لأنني تكبدت كل هذه المعاناة للحصول على القبح!!!
والآن ما رأيك بهذه التجربة وبنتيجتها الرائعة؟!؟!؟
وسأعطيك الآن خلاصة آرائي في هذه النقاط :
المهم هو في تقبلنا لذواتنا, وأن نعتقد بأن قيمتنا الحقيقية هي بشخصياتنا وأخلاقنا وإنجازنا في الحياة وتقوانا.. وهذا هو المقياس الذي وضعه الله تبارك وتعالى لنا "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. وإلا فسنقع كما وقعت أنا في فخ: "السمينات هن الجميلات"..
إن لم يكن الوالدان هما من سيقوم بدور المحطم لمعنويات الابن, فإن الناس المحيطين به هم من سيقومون بهذا الدور: الجيران, الأصدقاء, الأقرباء, وهذا سيؤدي إلى نفس النتيجة وهي: العزلة عن الناس والانطواء والكآبة... ثم التفكير في الانتحار .
والناس ينقسمون إلى ثلاث أقسام في هذا: الناصح المخلص الذي يريد لي التخلص من الوزن الزائد لأنه يحبني فعلا ويتمنى لي الأفضل, والسيء الطوية الذي يريد أن يريني أن بي عيبا لا يغتفر.. وبالتالي يحقق تفوقه علي, والببغاوات الذين يرددون ما يسمعون دون تفكير..
وفي كل الأحوال أنا لا ألومهم.. لأنني أيقنت الآن أن المشكلة تبدأ بي أنا.. أنا التي لا أرضى عن نفسي وأنا التي يجب أن أخرس الألسنة الحاقدة بعملي وتميزي في مجالات التميز الحقيقية وليس "الجسمية".. وأنا التي بثقتي بنفسي أقنع من حولي بأنني جيدة..
طبعا هؤلاء الناس يؤثرون كثيراً في صياغة ثقة الفرد بنفسه وخصوصاً في مرحلة المراهقة.. ولكن أنا شخصياً أرى أن الصوت الداخلي الآتي من أعماق كل من له وزن زائد :(هذا ليس خطئي, وحرام عليكم أن تحملوني وزر ما لم أعمله بنفسي, الشخصية والأخلاق والتقوى هو الأساس)..
وأنا أرى أن الحل هو في هذا الصوت الذي يجب أن ينصت له المراهق ويجب أن يدافع عنه وبقوة.. المراهق يستميت في الدفاع عن آرائه الخاصة به مهما كانت ومهما خالف بها من حوله وأثار حفيظتهم فيصل إلى: جسده فيتوقف عن الدفاع ويطوي كل أسلحته ويعلن أنه أصبح مطيعا. حسبي الله ونعم الوكيل!
أنا لا أنكر هنا أن للمجتمع من حول المراهق دور كبير في فكرته عن نفسه, ولكن إلى متى سنظل تابعين لكل ما يقال؟؟!!؟ إلى متى سنظل نعارض ونفرض آراءنا فيما لا يحتما المعارضة, ونتراجع ونستسلم فيما يجب أن نعارض فيه!!!؟؟
وعلى فكرة هذه المعاني: (حرام عليكم أن تحملوني وزر ما لم أعمله بنفسي, الشخصية والأخلاق والتقوى هو الأساس), تتجسد عند البدينين أكثر من غير البدينين لأنهم أكثر الناس إحساسا بالظلم.. وهم يحمدون الله كثيرا على أن الميزان يوم القيامة لن يزن كيلو غراماتهم بل سيزن أعمالهم..
كل ما أستطيع أن أعاتب به الوالدين هو: أنهما لا يساعدان أولادهما بالطريقة الصحيحة لتخفيف أوزانهم, بل يزيدون أعباءهم بدفعهم دفعا لإنقاص أوزانهم دون وعي بالطريقة الصحيحة, وهنا يقع الأبناء في حيرة ومشاكل كثيرة..
قد يقول الآباء: ولكن نحن لا نعرف كيف نوجه أولادنا, وهذا ليس عذرا لأن من يريد أن يعمل شيء فإنه يبحث عن كل السبل الموصلة إليه.. كيف حصّلت أنا كل المعلومات التي لدي عن الريجيم والرياضة وووو..؟؟ بالقراءة والإطلاع في هذا المجال. إذا أنتم أيضا أيها الآباء تستطيعون أن تتعلموا .
الريجيم الوحيد الناجح هو الريجيم مدى الحياة. ولكن الريجيم الوحيد الذي يمكن أن يستمر مدى الحياة هو ذلك الذي تشعرين وأنت تقومين به بأنك في عبادة, كيف؟ عندما كنت أمارس الحمية كنت أشتهي وبشدة الحلويات, والحالة الوحيدة التي كنت أنجح فيها في عدم تناول قطعة الشوكولا التي أشتهيتها وبشدة بل وفي انطفاء شهيتي لها أيضا هي: عندما أربطها بعبادة, عندما أقول لنفسي: لن آكلها, بل سأعطيها لأخي الصغير أو لأولاد أختي, وبهذا سيكون لي ثواب وسأدخل الجنة من باب "مفرح الصبيان".. نعم.. هكذا كنت أجمع قطع الشوكولا وتبقى تحت عيني في خزانتي الخاصة ومع ذلك لا آكلها.. بل كنت أفرح أكثر كلما جمعت قطعا أكثر لأنني بذلك سأعطي أكبر عدد من الأطفال ممن حولي..
ولهذا أنا متفائلة جدا بهذا العلاج الذي وضعه لنا الدكتور وائل والذي يعيد علاقتنا بالطعام إلى وضعها الطبيعي الذي على السنة, وبهذا نكون قد أصبنا عدة عصافير بحجر واحد: ريجيم + عادات غذائية سليمة + حسنات + الانتماء والقرب من النبي..
هل هناك عصافير أخرى نسيت أن أذكرها؟؟؟
عندما ننظر لأنفسنا في المرآة فإننا ندقق النظر ونرى أشياء لا يراها الآخرون.. هذا ما قاله الدكتور وائل في رده على استشارة : الأصل وصورة المرآة.. وما أدراك ما المرآة! .. هذا صحيح مائة في المائة في حالة واحدة وهي: عندما يكون الآخرون أناس أسوياء, وليسوا مثلنا.. أي عندما لا تكون لهم العيون الناقدة التي لنا والتي تعمل من الحبة قبة والتي لا هم لها إلا تجسيم وتضخيم العيوب غير المرئية للانتقاص من الآخرين وبالتالي يحققون ما تصبو إليه نفوسهم من تفوق على من حولهم.. ولا أظن أن أحدا منا يحب أن يكون مجتمعه ومقربيه من هؤلاء الناس.. أنا لا أدعو هنا إلى نبذهم والبعد عنهم.. بل أدعو إلى: كفانا تأثرا بهم وإعطائهم أهمية وحجما أكثر مما يستحقون.. يجب أن نتعلم كيف نفرّق بين: النقد البنّاء, والنقد المحطم.. فنتقبل الأول وننبذ وبشدة الثاني..
وعلى فكرة هذه النوعية من الناس لا تنفش ريشها إلا على الضعاف الذين يتأثرون بالنقد الموجه لهم مهما كان, ولكن وكما قلت: ينفشون ريشهم, أي أنه إذا هبت ريح الثقة بالنفس فإنها ستتركهم عراة بدون ريش!!!
الريجيم يؤدي في نهاية المطاف إلى: الاكتئاب, سواء طال هذا المطاف أو قصر.. ربما الدكتور وائل أكثر قدرة مني على شرح الأسباب.. ولكن هذه العلاقة بين الريجيم والاكتئاب علاقة لا أشك بها أبدا..
الأهل لهم دور كبير في تعليم أولادهم كيف يتعاملون مع الطعام, وبالتالي يصححون علاقتهم معه التي تأخذ أشكالا كثيرة خاطئة, فهناك أطفال يفرطون في تناول الطعام لأنهم يشعرون أنه يعوضهم عن الحرمان العاطفي, وهناك آخرون يعتبرون الطعام وسيلة تسلية لملئ فراغهم الكبير.. الطفل كائن مليء بالطاقة ولا بد أن يعمل شيئا ما.. فإذا أهمله أهله ولم يستثمروا طاقته في النافع والمفيد فإنه سيخطئ هو حين يتولى توجيهها بنفسه.. وظاهرة الإفراط في الطعام هي إحدى مظاهر هذا التوجيه الخاطئ.. وهكذا .
وأنا هنا أحمّل الآباء والأمهات مسؤولية "سمنة" أطفالهم, والمؤلم في الموضوع, أن الكثير من الأهالي يرون خطأ ما في علاقة أطفالهم مع الطعام فيلجئون لتصحيح هذه العلاقة ولكن بطرق خاطئة, تجعل ولع الطفل بالطعام يزداد إلى أن يتحول إلى عادة مستحكمة..
الطفل عجين طري جدا في يد والديه, يستطيعان وبسهولة أن يشكلاه كما يريدان ولكن بشرط: أن يستخدما الطريقة الصحيحة لذلك..
هذا خلاصة تجربتي ورؤيتي لهذا الموضوع من خلال تجربتي التي لا تزال حية..
وأخيراً.. أنا معكم يا دكتور وائل في هذا العلاج السلوكي الذي وضعته لنا.. سأبدأ به من بداية أيلول إن شاء الله.. وستنتهي الأربعة أشهر بالنسبة لي مع نهاية هذا العام بإذن الله.. وإلى ذلك الوقت أسأل الله تعالى لكم ولنا التوفيق والسداد والثبات..
22/3/2019
رد المستشار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت العزيزة ، أهلاً وسهلاً بك وشكرًا على مشاركتك ، تلك المشاركة التي لم أتوقع بصدق أن أتلقى مثلها فأنا ولا أخفيك سراً لم أتمكن من إمساك نفسي وأنا في مواصلة عامةٍ راجعا من القاهرة إلى الزقازيق، وكنت أقرأ كلماتك في ذلك الوقت فإذا بي أكتب : ألله ثلاثة مرات وأنا في الطريق عند قراءة بعض ما جاء في مشاركتك، وأنا هنا لن أعلق إلا على النذر اليسير من مشاركتك لأنها تكاد تكونُ مشاركةً من أحد مستشارينا في الصفحة، ونحن عادةً ما نظهر تلك المشاركات دون تعليق، لكنني سأرد على ما طلبته فقط وأبين ما كان رائعًا إلى حد انتزاعه للفظ الجلالة ألله، وأيضًا سأبين لك بعض ما كان خافيا عليك.
قمت في الجزء الأول من مشاركتك بإعطاء وصف مختصر لمعاناتك الطويلة مع الحميات المنحفة المتكررة وتأرجح الوزن، كما بينت كيف أنك لم تتبعي أيا من الوصفات الغذائية أو البرامج التنحيفية المنتشرة ولم تفعلي ذلك تحت إشراف طبي وهذا النوع من الحميات الشخصانية Personal Diets، وهذه السلوكيات هيَ الأوسع انتشارًا مع الأسف خاصةً في بلداننا رغم خطورتها غير المحسوبة على الصحة الجسدية والنفسية (وإن لم ينف ذلك خيبة الحمية المنحفة المشرف عليها طبيا وفشلها في تحقيق المطلوب على المدى الطويل بالتأكيد وعلى المدى القصير غالبًا) ، إلا أننا لابد أن نكون صادقين في إقرار حقيقة أن الحمية التي يبتكرها الشخص بينه وبين نفسه هي الأوسع انتشارا
ثم كنت رائعةً في وصفك لحالة التريض القهري Compulsive Exercising التي مررت بها والتي تتمثلُ في التريض المفرط بصورةٍ دائمةٍ حيثُ يسرقُ الشخصُ الوقت ليقومَ بأداء التمرينات الرياضية العنيفة والتي تكونُ بوضوح أكثر مما تتطلبه الصحة الجسمية السليمة أي أنهُ تطرفٌ في التريض، وعادةً ما نرى هذا الشكل من أشكال التريض في مرضى اضطرابات الأكل المختلفة أو في المهتمين إما بإنقاص وزنهم أو بالمحافظة عليه أي المنخرطين في الحمية بشكلٍ أو بآخرَ ، كما نراهُ أحيانًا كشكلٍ من أشكال اضطراب الوسواس القهري ، وغالبًا ما يمثلُ التريض بالنسبة لهذا الشخص أهم فعاليةٍ من فعاليات حياته اليومية وتراهُ يفضله على كل الفعاليات الأخرى واقرئي عن التريض وما يلحقه من ظلم .
وبعد أن نجحت في الوصول إلى أكثر مما كنت تحلمين به (وأنت على الحمية دون انقطاع إضافةً إلى التريض المفرط)، إذا بك تكتئبين واكتئاب الحمية بالمناسبة –رغم خطورته التي لا تقل عن خطورة الاكتئاب الجسيم- هو أبسط آثار الحمية المنحفة المزمنة النفسية ، يعودُ الاهتمامُ بالآثار النفسية والسلوكية للحمية بما فيها اضطراباتُ الأكل والاكتئاب إلى دراسةٍ أجريت عام 1950 تمَّ فيها تقييمُ آثار التقليل المتعمد للأكل وشملت الدراسةُ مجموعةً من الذين استنكفت ضمائرهم المشاركةَ في الحرب الكورية Conscientious Objectors فتطوعوا لهذه الدراسة بدلاً من أداء الخدمة العسكرية (وكلهم من الرجال ذوي الوزن الطبيعي) واستمرت الدراسةُ لمدة ستة أشهر ، حيث سُجِّلت تغيراتٌ نفسيةٌ شديدةٌ كالاكتئاب والنزق ونوبات الغضب كما حدثت لبعضهم نوبات أكل شرهٍ واستمرت في بعض الحالات حتى بعد انتهاء فترة الدراسة وإلغاء القيود المفروضة على تناول الطعام.
وبينما أقرَّ معظمُ المشاركين في الدراسة رجوعهم إلى عاداتهم القديمة في الأكل عند تقييمهم بعد خمسةِ أشهرٍ من انتهاء الدراسة، إلا أن الكثيرين منهم ظلوا يعانون من مشاكل في علاقتهم بالأكل فمنهم من وجدوا أنهم لا يستطيعون التوقفَ عن الأكل كما كانوا من قبل عند شعورهم بالامتلاء، ومنهم من بدأ يعاني من توقٍ ملحٍ لأصنافٍ معينةٍ من الطعام، ومنهم كما ذكرتُ من قبل من ظلت تعاودهُ نوبات الأكل الشره ، كما أن منهم من تغيرت فكرتهم عن أجسادهم وظلوا يحسونَ أنهم زائدو الوزن واتبعوا حميةً منحفةً من تلقاء أنفسهم، ويصفُ الباحثونَ في تلك الدراسةِ ملاحظاتهم كما يلي :لقد بينَ ما حدثَ لأفراد الدراسة أن تأثيرات الحميةِ السلوكية والانفعالية أبعدُ بكثيرٍ مما كنا نتصور ، فقد أصبحَ الطعام هو مدار المحادثات اليومية بين أفراد الدراسة ومدار أحلام اليقظة وهدفَ قراءاتهم الأول، وكثيرٌ من الرجال الذين لم تكن لهم أي اهتماماتٍ بالطبخ قبل الدخول في الدراسة أظهروا ولعًا شديدًا بأنواع الأطعمة وقوائم الطعام المختلفة وبعد حوالي ستة أسابيع من فترة الحصر السعري Caloric Restriction أبدى 13 رجلاً من أفراد الدراسة رغبتهم في العمل كطباخين بعد انتهاء الدراسة!،
كما أن كثيرين لم يتحملوا الحصر السعري المفروض وأكلوا في السر وشعروا بالذنب بعد ذلك، وقد ظهر عليهم القلق والاكتئابُ كما عانوا من صعوبةٍ في التركيز ورغبةً في الانعزال عن الآخرين، كما حدثَ انهيارٌ عصبي لفردين من أفراد العينة بل إن واحدًا منهم قطعَ طرفَ إصبع يده ، رغبةً منه في الحصول على الإعفاء من الاستمرار في التجربة، كما بينت تلك الدراسةُ أن الحميةَ الغذائيةَ تؤثرُ في طريقة إدراك الشخص لصورة جسده، فبعض الرجال الذين لم يكن لهم سابق اهتمامٍ بأوزانهم أو صور أجسادهم بدؤوا يحسونَ بزيادةِ حجم بعض مناطق الجسد وأظهروا رغبةً في تغيير مظهر هذه المناطق.
وتنفذين بعد ذلك إلى حقيقة الأمر وجوهر المعضلة -والذي لم تكوني تفهمينه وقتها- وهو عدم تقبل الذات وعدم الرضا عنها أيا كانت صورة الجسد ، وإن كان انقلاب موازين الجمال في رأيك يبدو غريبا وأنت في المناخ الثقافي الإعلامي الذي نعيش فيه ، وأستطيع إرجاعه إلى اكتئابك وقتها.
وكنت رائعةً في تحليلاتك التي قدمتها خلال هذه المشاركة إلى الحد الذي جعلني كما ذكرت لك أكتب ألله في ورقتين متتاليتين من المشاركة المرة الأولى كانت وأنت تستغربين موقف المراهق حين تقولين: (المراهق يستميت في الدفاع عن آرائه الخاصة به مهما كانت ومهما خالف بها من حوله وأثار حفيظتهم فيصل إلى :جسده فيتوقف عن الدفاع ويطوي كل أسلحته ويعلن أنه أصبح مطيعا) فما أروع المفارقة التي استطعت النفاذ إليها ، وما أروع تذكيرك لمن تفيده التذكرة بعد عدة أسطر بأن الله سبحانه سيزن أعمالنا لا كيلو جراماتنا يوم القيامة ، فهنا كتبت ألله للمرة الثانية.
بعد ذلك وجدتك تعبرين لي عن واحدٍ من سلوكيات مريضات اضطرابات الأكل في تفاعله مع صاحبة الخلفية المعرفية الإسلامية فسلوك تخزين الطعام Food Hoarding وهو منتشرٌ في مريضات القهم العصبي Anorexia Nervosa (الناجحات في تنحيف أجسادهن إلى الموت)، فبينما يفهم هذا السلوك عند المريضات الغربيات على أنه نوع من اختبار المريضة لنفسها ولقدرتها على التحكم، نراه عند المسلمات يتفاعل بشكل آخر وتتعامل معه المريضة معرفيا بشكل آخر، لم أر مثلا له أروع من المثل الذي ضربته، فقد كنت تعتبرينه نوعًا من العبادة من باب مفرح الصبيان وهذه أيضًا دفعتني لكتابة ألله للمرة الثالثة.
أما ما أود إيضاحه لك فيما يتعلق بمشكلة الأصل وصورة المرآة .. وما أدراك ما المرآة! فهو أن الكلام في تلك المشكلة كان موجها لتلك الفتاة المسكينة التي تتفحص جسدها العاري أمام المرآة، ولم نكن هنا نقارن نظرتها لنفسها في المرآة إلا بنظرة الزوج المحب ليلة عرسه لزوجته الحلال، فهذا كان مقصدنا ونحن نتفق معك في تحليلك لنظرات الآخرين الناقدة.
وفي النهاية أحييك على هذه المشاركة، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يعينك على اتباع الجزء الأول من برنامج إصلاح العلاقة بالأكل وبالجسد، لأنني أعرف أن الشهور الأربع الأولى في منتهى الصعوبة ، كان الله معك ، وما أود تأكيده عليك الآن هو ضرورة ألا تيئسي من قدرتك على الالتزام بخطوات البرنامج وأن تعلمي أن تكرار الخطأ وتكرار إصلاحه إنما يدفعان في الطريق الصحيح فلا تجلدي نفسك واطلبي التوفيق والتيسير من الله ، ونحن في انتظار إفادتك.