أعراض الوسواس القهري
أكتب لك مشكلتي وكلي أمل أن أجد حلا عندكم، وأن يكون دلك في ميزان حسناتكم
أنا مغربي الجنسية، سني 21سنة، أعيش في منطقة فقيرة ولكن الحمد لله على كل شيء. ترعرعت في حي فيه ظاهرة سب الذات الإلهية متفشية بشكل كبير حتى إنك لن تجد شخصا لا يتكلم بهذه الكلمة، وأنا واحد من أولئك الذين ينطقون بها دون قصد كلما غضبت جاهلا خطورة هدا الإثم العظيم.
عند بلوغي 21 سنة أردت تغيير حياتي والتقرب من الله تعالى فذلك ما حصل أصبحت شخصا متدينا أحاول جاهدا إرضاء الله واجتناب كل المعاصي. لكن بعد مدة قصيرة، فبدأتُ بمراجعة نفسي وتذكُّري للذنوب التي ارتكبتُها في حياتي، فتذكرت هذه الفعلة الشنيعة؛ مما أدى إلى إصابتي بنوبة اكتئاب كبرى.
المشكلة التي أعانيها حاليًّا هي أن هذه الحادثة تسلَّطتْ على تفكيري، فهي لا تفارق ذهني ليلاً ونهارًا، ولا ثانية واحدة، اللهم إلا أثناء النوم؛ ولكن بمجرد الاستيقاظ يبدأ الشريط يدور في ذهني، ولا يفارقني ولو ثانية واحدة، إلى أن أنام، ثم يأتي اليوم التالي فأدخل في نفس الدائرة المغلقة من جديد، وأنا على هذه الحال منذ أكثر من سنة.
عندما أرى أي شخص، سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً، أفكر في شيء واحد، هو أنه أحسن مني؛ حيث لم يرتكبِ الفعلة التي ارتكبتُها، فأصبحت أحتقر نفسي كثيرًا، وأحس أني إنسان كافر رغم يقيني التام على أن ماكان يصدر مني كنت جاهلا وأراه عادي كجميع الذنوب. لم أكن أعلم أنني كفرت بذلك.
كلما رأيت حدثا أو ذكرى مر على تاريخها أكتر من 6 سنوات أصاب في حسرة شديدة وأتمنى أن أعود إلى 6 سنوات قبل لأنني لم أكن بالغا ذلك الوقت، وأصلح نفسي أطيع الله حاولتُ الخروج من سيطرة هذه الفكرة على دماغي، بالتقرُّب من الله، والاستغفار. وحفظت كل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن التوبة، وعن سَعة رحمة الله، مع ذلك لم أفلح في نسيان هذه الحادثة وطردها من تفكيري.
أنا أعلم أن الله غفور رحيم، وممكن أن يغفر لي ذنبي؛ لكن ليست هذه هي المشكلة؛ وإنما المشكلة أنني لا أستطيع أن أغفر لنفسي، ولا أستطيع أن أتصالح مع نفسي لنسيان ما صدر مني.
هل ما أعانيه هو عَرَضٌ من أعراض الكآبة، أو هو وسواس قهري؟ وماذا أفعل لأنسى هذه الحادثة التي شلَّتْني عن الحياة؟ أم أنها عقاب من الله تعالى على ما صدر مني لقد فقدت لذة العبادة رغم مجهوداتي التي أبدلها من أجل التخلص من هذه الوساوس، لقد كرهت كل شيء لم تعد لي الرغبة في التحدث مع أي شخص. حتى والداي أصبحت أكره التحدث معهم لأنني أقول في نفسي أنهم هم السبب في ما أنا عليه الآن بسبب إهمالهم لي أثناء طفولتي وعدم تربيتي كما يجب.
وأصبحت أكره المجتمع الذي أعيش فيه فلو ترعرعت في مكان حضاري يهتم بالشباب ويرشدهم إلى الطريق الصحيح كنت سأكون شخص آخر.
أصبحت أقول في نفسي أن هذا الذنب أكبر من أن يغتفر. وأن مصيري جهنم مهما فعلت من حسنات،كلما أتذكر الذنب أغتسل وأعيد الشهادة، لقد أقلعت عن الذنب منذ زمن طويل.
أقول في نفسي إن هذا هو أعظم ذنب قد يفعله شخص أعظم من الزنى، وشرب الخمر، وقتل النفس، والشرك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم 'التوبة تجب ما قبلها وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له' كما يقول تعالى 'قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله' هل هذه الآيات والأحاديت تشمل ما صدر مني أم أن هذا الذنب أكبر من أن يغفر، أنقدوني جازاكم الله خيرا لقد فقدت لذة الحياة.
آسف على الإطالة،
وأنا بانتظار الرد، وشكرًا.
17/6/2019
رد المستشار
أهلًا بك وسهلًا يا "عبد الله" في موقعنا
لقد تأخرنا عليك كثيرًا فاعذرنا، ولكن لا أدري لماذا لم تصلني استشارتك إلا بعد مرور أكثر من شهر على تاريخ ورودها إلى الموقع
أول سؤال أريد أن أسألك إياه: هل كان الصحابة ملائكة قبل إسلامهم؟ ألم يكونوا مشركين يعبدون الأصنام وينسبون الصفات الشنيعة إلى الله تعالى؟ ألم يتأخر قسم منهم في إسلامه فبقي على شركه ومحاربته البالغة للدين وللنبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم فتح مكة وما بعدها؟ ماذا فعل الله تعالى بهم؟ ألم يقبلهم؟ ألم يغفر شركهم ومحاربتهم إياه؟ ألم يرفع درجاتهم في الجنة؟ ألم يميزهم على سائر الخلق إذ أصبحوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان بعضهم يحاول قتل النبي عليه الصلاة والسلام؟! أين هذا من سباب يجري على لسانك جهلًا ولغوًا؟ أيهما أعظم؟
هذا هو القانون الرباني في التوبة والغفران، فلماذا تقنط نفسك من رحمته؟ كنت جاهلًا فهداك الله من بين أهل حيّك كلهم، ألا يدلّ هذا على محبة الله لك؟ أيعقل أن يحبك حين كنت جاهلًا تتلفظ بما لا يليق، فيهديك ويدلك عليه، حتى إذا اهتديت وتركت ما كنت عليه أصبح غاضبًا عليك، لا يريد أن يغفر لك؟ هذا غير وارد عقلًا، وغير وارد شرعًا أيضًا وأنت تعرف كثيرًا من الآيات والأحاديث في ذلك، ولا أعلم ما هي الآية أو الحديث الذي يستثنيك فيجعلك خارج نطاق قوله تعالى: ((إن الله يغفر الذنوب جميعًا)) أو يجعلك من المغضوب عليهم الذين لا يدخلون في قوله صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاَةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِى أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ)
فظُنَّ بالله الظن الحسن الذي يليق به وبكرمه، فهو عند ظنك به، واذكره ليكون معك بدل أن تذكر ذنوبك فتغفل عنه ويكون الشيطان حائمًا حولك، وهو أفرح بتوبتك وبإقبالك أكثر من فرح من تاه في الصحراء، وأضاع دابته، ثم فجأة وجدها أمامه وعليها طعامه وشرابه...
أتجد من اللائق –ولله المثل الأعلى- أن تدخل إلى شخص كريم خلوق، وأنت تسيء الظن به، وتصفه بسوء الأخلاق؟ أليس هذا ظلمًا في حقه؟ (ولا أحد يظلم الله تعالى ولكن سوء الظن ظلم للنفس ولكنه مثال للتقريب)
هل لديك دليل واحد على عدم شمول هذه الأحاديث لك بالذات وقد شملت المشركين والضالين من قبلك؟!!! طبعًا لا يوجد..
لكن القضية هي التالي:
عندما يتوب العبد يستشيط الشيطان غضبًا أن نجا أحد أبناء آدم من النار وأفلت منه، فيبذل جهده كي يعيده كما كان، فيحاول بداية أن يوقعه من باب التفريط، فيزين له ما كان يعمله من قبل من معاصي، ويشوقه لفعلها، ويكرر ذلك مرات ومرات، فإذا وجده صادقًا في توبته، معرضًا عن ماضيه بالكلية، وفشل في إغوائه مرة أخرى، أتاه من باب الإفراط، فيحاول أن يشدد عليه، وأن يقنطه من رحمة الله، ويقنعه أن ذنوبه عظيمة جدًا، وأن الله تعالى لن يغفرها، ويصل به إلى أحد طريقين: إما أن يقرر التائب التشديد على نفسه في أداء أنواع العبادات والطاعات، والسهر والصلاة، والصوم والصدقات، حتى يتعب ويملّ، فيبدأ بالتراجع شيئًا فشيئًا، ويكره الطريق الذي سار فيه، ويجد الضلال أكثر راحة من الهداية، فيعود كما كان ويحقق إبليس غرضه ويطمئن باله.
الطريق الثاني: أن يستمر في تذكيره بذنوبه وتعظيمها –كما يفعل معك- حتى يقنط من رحمة الله تعالى –كما بدأت تفعل- ثم يصل إلى نتيجة هي التالي: إذا كان الله لن يقبلني ولن يغفر لي، فلماذا التوبة؟ توبتي ومعصيتي سواء!! وحين تستوي التوبة والمعصية، فلا أجمل من العودة إلى المعاصي ولا أسهل من فقدان الدافعية إلى التوبة والالتزام، وهنا أيضًا يحقق إبليس غرضه ويطمئن باله أنه أعاد الشخص إلى الضلال.
والمشكلة تكبر عندما يكون الشخص مستعدًا للإصابة بالوسواس القهري، فبعد أن يوسوس إليه إبليس، تلتصق الفكرة في رأسه، ومهما حاول مناقشتها عقليًا يجدها تدندن وتصول وتجول في جمجمته!! وأنت من هذا الصنف...
وهنا الله يحاسب عبده على ما يؤمن به عقلًا وقلبًا، ولا يحاسبه على أحاديث نفس تدخل عليه غصبًا عنه دون أن يصدقها. فما ينبغي عليك فعله الآن حتى تتخلص مما أنت فيه: أن تذكر نفسك عند ورود الفكرة أن هذا مجرد وسواس قهري حركه الشيطان عندك، فتستعين بالله على إبليس وتتعوذ بالله منه، وتحتقر هذا التفكير الغبي الذي لا دليل عليه، والذي لا يرضاه الله لك، وتنشغل بذكر الله بدل أن يصدك الشيطان عن الذكر بالوساوس القهرية وغير القهرية، فإن ثابرت على ذلك، رحل إبليس والوسواس عنك في فترة وجيزة، لكن انتبه إلى مكائد الشيطان واعرفها، فإنه لن يستسلم، واعرف طبيعتك النفسية، حتى تستطيع العيش بسلام.
ومن يدري؟ لعلك تصبح عالمًا تدعو أهل حيك إلى الصواب وتغيّر من واقعهم السيئ، وفقك الله وأراح بالك، وأهلًا وسهلًا بك دائمًا