الطبيعي والعبيطي : صمت الحملان ، روايتي أم رواية الذئب!! م1
متابعة لاستشارة سابقة
مر أكثر من عام على رسالتي السابقة.. خلال هذا العام تغيرت كثيرا.. أصبحت أكثر قدرة على الثقة بنفسي ورؤية حياتي كمن ينظر من أعلى على الأرض ليرى تفاصيلها بوضوح.. صدقت أفكاري وإحساسي وصوتي الداخلي.. أدركت أني كنت ضحية لشخص نرجسي لم ولن يحب إلا نفسه ويمارس الإسقاط النفسي بمهارة.. ساعدتني في ذلك أخصائية نفسية لجأت لها بضع مرات منذ شهور وبعض التجارب الحياتية في العمل صقلت خبراتي وزادت من معرفتي بالناس والتعامل معهم وفهمهم..
أعانني الله ويسر لي كل السبل وأنهيت إجراءات الطلاق بسلام منذ أسبوع.. ورغم أني اضطررت إلى التنازل عن كل مستحقاتي لأنه أظهر الوضع للجميع أن الطلاق رغبتي وحدي وأنه لا يرغب فيه ويحبني وهذا ليصل في النهاية إلى ما وصل إليه من التنازل رغم أنه لم يرسل لي أي نقود إطلاقا على مدار ثلاث سنوات منذ سفره ورغم ما شعرت به من ظلم لما حدث إلا أني كتبت اليوم لأعبر عن ما أشعر به وكأنني تحررت من قيد ثقيل كان يلفني ويجذبني إلى الأرض ويحطم كل أمنياتي في الراحة النفسية.. لأعبر عن انتهاء سنوات طويلة من الحزن والمعاناة والألم..
سعيدة بشعوري بالقوة وتنفيذ ما رأيت أنه يجب أن يحدث وكان يجب أن يحدث منذ أعوام طويلة مضت ولكن لم أمتلك القوة والثقة لتنفيذ ذلك سابقا.. لم أفتقد أي شيء مطلقا سواء ماديا أو معنويا لأنه لم يعطيني أي شيء وكان هو والعدم سواء وهذا خفف عني كثيرا لأن الانفصال حدث بالفعل منذ سنوات ولم يكن إلا بعض محاولات بائسة لمنع بيت الرمل من الانهدام على الشاطئ..
كتبت لأقول لمن يقرأ رسالتي أنه يجب أن تصدق صوتك الداخلي ومشاعرك وأفكارك لأنها أنت وحتى لو لم تكن صواب فهي أنت وعليك أن تريحها وتفعل ما تري أنه نجاتك وراحتك.. لا تتردد كثيرا فالعمر ليس به الكثير ليضيع في التعاسة حتى وإن لم تكن سعيدا فلا يجب أن تقبل بالألم والتعاسة.. حاول وحاول حتى آخر ما تستطيع ولكن إن لم تجد سبيلا للحل فعليك بالحزم والعزم واتخاذ القرار..
مرحلة اللاقرار من أسوأ ما يمكن أن يعيشه الإنسان ومضيعة للسنين دون نتيجة.. كثيرا ما نخاف من أمور لأنها مجهولة لنا في مستقبلها وتجربتها لكن ليس أحسن من مواجهة ما تخاف حينها سوف تجده ليس كما كنت تظنه.. الأمر لم يكن سهلا وتجربة إنسانية عميقة ولكن شعوري بالراحة النفسية والتحرر من الألم النفسي يهون علي الكثير..
علي الجانب الآخر تراودني مشاعر بالحزن والإحباط في بعض الأوقات وفي البداية منذ أسبوع واحد مضي كنت أشعر بنفس شعور الصدمة وحالة من توفي له عزيز.. هو لا يمثل لي أي شيء ولا أذكر له إلا كل ذكريات مؤلمة ولكن التجربة في حد ذاتها كجزء من حياتي تمثل لي الكثير ولم أكن يوما أتمنى أو أتخيل أن أمر بما مررت به ولكن قدر الله وما شاء فعل..
أشعر أحيانا بالضياع والفراغ وكأن حالي يقول وماذا بعد؟.. حاليا ما أخشاه هو مواجهة المجتمع فلم يعلم أحد بعد بما تم سوى أسرتي والجميع يعلم أنه مسافر ولا أحد يسأل من أوقات طويلة.. فكرت أن لا أخبر أحدا إطلاقا وأحافظ على حمايتي الاجتماعية فلن يضيف لي إخبارهم شيئا سوى الكلام وأنا لا أفكر بالزواج مطلقا.. ولكن نصحتني صديقة أنه يجب أن أقول ولكن أنتظر بعض الوقت ولا أخبر أحدا إلا بعد أن تستقر حالتي النفسية ويكون مضى من الوقت ما يجعلني أقوى ونسيت وقع التغيير والموقف..
أعتذر عن الإطالة ولكن أردت لمن اهتم وقرأ خاصة د. أحمد عبدالله (له مني كل الشكر والتقدير) أن يعرف النهاية لمشكلتي.. وربما أنار أحدا طريقي بكلمة أو نصيحة أو ساعدت أنا أحدا بتجربتي
15/7/2019
رد المستشار
أهلا وسهلا ومرحبا...
والحمد لله أنك بخير، وفي وضع أفضل، ولك الشكر والتقدير والامتنان فإن لقاءنا في هذا الواقع الافتراضي، أو كما يسمى أحيانا الفضاء الرمزي حيث نتواصل بالكلمات والمعلومات المتاحة، والمعاني... ولا توجد أمامنا أية طريقة لمعرفة تطورات الأحوال إلا بمتابعة مثل رسالتك، وأنا أشعر بالاهتمام والمسؤولية، وأحيانا أصبح شريكا في الهم والألم، أو الخذلان أو الوجع أو في الصدمات –مهما حاولت الانفصال– أجدني متورطا بشكل أو بآخر، متمنيا السلامة والسلام لكل من أكتب لهم أو لهن، ويكون عندي نوع من الشغف العلمي، والإنساني لمعرفة أثر الاستشارة التي قدمتها سواء عمل بها صاحب الرسالة أو ضرب بها عرض الحائط... ولعل رسالتك تشجع غيرك على نفس النهج والسلوك تطويرا لتبادل الخبرات، واستكمالا للفائدة.
اشتبكت مؤخرا مع صديقة على الفيسبوك، لم نتقابل قط، ولكن نتبادل الآراء والتعليقات أحيانا، وتذكرت الآن ما علقت به على كلامها، وقلت في تعليقي أن المطلق الوحيد في هذه الحياة الدنيا هو الإنسان، وفقط.
وأتذكر أيضا نقاشا سابقا على منشور كتبته على الفيسبوك حول القيم الأخلاقية، والإجماع الذي أدهشني وقتها حين تكاثرت التعليقات مؤكدة أن الأخلاق والقيم نسبية، وعلقت في حينه بدهشتي أننا نحلم على أنفسنا، وعلى الآخرين، ونخاصم، ونعادي، وقد نصرخ، أو نتلاسن، أو نقتل، أو نتقاتل على معايير نسبية!!
تذكرت هذا وأنا أقرأ كلماتك، وأنت ما زلت ترددين كلاما عن الصواب والخطأ أحد أهم محاور التيه والارتباك والبؤس الذي نعيشه، وتضيع أعمارنا، وتضيع أمتنا لأننا نهدر وقتنا وجهدنا وطاقتنا في تحري وبحث عن مطلق مجهول نسأل عنه المشايخ والقساوسة، والأطباء، والمعالجين، وربما ذهبنا للعرافات، أو كما يقول نزار قباني في "قارئة الفنجان"
ستفتش عنها يا ولدي... في كل مكان.. إلخ المقطع!!
بل إلى آخر القصيدة – الأغنية حين يكتشف البطل بأنه كان يطارد "خيط دخان"!!
لا يوجد صواب أرضي كامل، ومستمر، ومطلق، ولا خطأ بنفس المواصفات، ولكن توجد دائما اختيارات، ولكل اختيار توابع، والإنسان محتاج إلى معرفة نفسه لأن ذاته الواعية المتفردة هي القائدة الناجحة لنظامه الداخلي بكل ما فيها من زخم، وأجزاء، وذكريات، ومعالم.
وفي مواجهة تطورات الأحداث قد تتعالى أصوات داخلية متنوعة ومتعددة، ونرتبك في تحديد وتمييز صوت ذاتنا الواعية بين ضجيج رغبات متضاربة أحيانا، وبعض أصواتنا الداخلية هي في الأصل كانت أصوات خارجية من الأسرة، أو المجتمع، أو البيئة المحيطة بنا، ونحن نبتلعها لتتردد بداخلنا وتزيد ارتباكنا!!
خطيئة الجهل بالنفس هي من الخطايا الشائعة التي ندفع ثمنها غاليا من سلامنا الروحي، ونتخبط في مسيرتنا، وقد تضيع أعمارنا، أو أجزاء غالية منها في اختيارات لا تناسبنا ولم تكن لنا!!
ولذلك فإن العثور على صوتنا الداخلي، وصوت الذات العليا القائدة التي هي النفخة العلوية التي لا تجزع، ولا تندفع ولا تسخط، ولا تغرق في الانفعالات، ولكن تراقب وتتأمل، وتستكشف، وتتعلم، وتقرر ما يناسبنا، وما يتسق مع ما هو نحن!!
ليس بالضرورة أن يكون ذلك الرجل شريرا، ولكن من الواضح أنه لم يكن الشريك المناسب لحياة هادئة فيها شغف، وسكن متبادل،
وليس بالضرورة أن تكوني "ضحية"، ولكن بالتأكيد ظهر لك أن تقديرك واختيارك لم يكن مناسبا، ولم يكن الاستمرار إلا مزيد هدر، وألم، وحياة نكدة بصحبة الشريك المخالف كما يسميه المصريون!!
الوقت يضيع، والأعمار تنقضي في متاهة تضعنا فيها تربية مختلة، ومجتمعات معتلة تطمس ذواتنا العلوية وصوتها العميق الخبير المدقق لمصلحة ضجيج ومعايير القبول الاجتماعي، والكليشيهات، والأصنام، والأوهام من قبيل القدسية المطلقة للزواج، وللأسرة، والوصمة المرافقة للطلاق، وهذا مبعث حيرتك الحالية، وإخفائك حقيقة هي في الأصل لا تعني أحدا سواك،
ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ولكن دس الأنوف في أحوال الناس الخاصة هو من معالم الشخصية العربية المعاصرة حيث لا سلامة من ألسنة الناس... خذي وقتك للتعافي من هذا الصراع الداخلي، وهذه الرحلة المضنية الشاقة: رحلة العثور على الصوت الداخلي، واستعادته.
أما صوت الخوف من استمرار الحياة، وخوض التجارب، والعزوف عن التعرض لخبرة تقدير جديرة يقابلك فيها إنسان ثم ترين أنه مناسب، وتجربي، أو تختبري تقديرك هذا عمليا بالارتباط، صوت هذه المخاوف ليس هو صوت الذات، وأحسبه سيخفت تدريجيا.
وشكرا لمتابعتك