خسرت ثلاثة سنوات من عمري بسبب القرارات المتسرعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أنا سارة من العراق عمري 19 سنة وزني 75 وطولي 165 طالبة في الصف السادس العلمي (للسنة الثالثة على التوالي)، أسباب عديدة جعلتني أفقد الثقة في نفسي وأخجل أحيانا من مواجهة الناس وخصوصا من هم أعلى مني شأناً.
بدأت هذه الحالة تحديدا عندما دخلت الإعدادية (عمر المراهقة) حيث نشأت في عائلة محافظة جدا من أب وأم وأخوين أولاد اثنين أصغر مني سناً منعوني من استخدام الهاتف بحجة أنه الهاتف خطر أخلاقيا في عمر المراهقة وحتى استخدامي للإنترنت كان محدودا جدا وتحت المراقبة حيث كنت أتواصل مع صديقاتي من هاتف أمي حتى وصلت للصف السادس العلمي، فلم أنسى فضل عائلتي حيث قدموا لي كل التسهيلات المادية والمعنوية لكي أحصل على معدل يؤهلني لدخول كلية الطب الذي كان حلم عائلتي وحلمي منذ الطفولة.
ورغم أنني كنت أعلم أهمية هذه المرحلة بالنسبة لمستقبلي ولكنني كنت أفعل أي شيء عدا الدراسة حتى اقتربت فترة الامتحانات كانت معلوماتي في المناهج بصورة عامة لا تتجاوز 40 بالمائة ولكن كان طموحي وحلمي كبيرا جدا وكنت متخيلة أنه من السهل أن أحصل على الدرجات التي أريدها في هذه الفترة القصيرة ولكن عندما جاءت الامتحانات ذهبت إلى امتحانين فقط وثم ترددت في الذهاب إلى بقية الامتحانات لأنني اطلعت على طبيعة الامتحانات وفي حينها قررت أن أعيد العام الدراسي على أمل أن أحصل على درجات أفضل في العام الجديد.
وفعلا في بداية العام الدراسي الجديد درست بجدية أكثر من العام السابق وحققت درجات أعلى لكن حماسي بدأ يتلاشى تدريجيا حتى عاد الوضع كما هو في السابق ونفس الحالة عندما اقتربت الامتحانات بالضبط قبل الامتحانات بـ20 يوما كانت معلوماتي لا تتجاوز الـ 65 بالمائة في عموم المناهج رغم أنه كان طموحي أن أحصل على معدل 95 فما فوق لأنني كنت متمسكة بالحلم نفسه، ولكن عندما اقترب الوقت قررت فجأة وقبل الامتحانات بيوم واحد أن ألجأ إلى تأجيل أول امتحان على أمل أن أتفوق في الدور الثاني وأتفرغ لبقية الامتحانات في الدور الاول.
وعندما جاء اليوم التالي وذهبت إلى الامتحان الثاني أيضا تصرفت نفس التصرف الخاطئ وهكذا حتى نهاية الامتحانات حيث أجلت كافة الدروس على أمل التفوق والحصول على معدل عالي في الدور الثاني ولم أكن أخبر أهلي بما يحصل حينها إلا وأن جاء يوم النتائج فاضطررت لإخبارهم حيث انزعجوا مني كثيرا وما زاد الأمر سوءا أن زميلاتي حصلن على درجات عالية وأنا الوحيدة التي لم أمتحن.
عندها قررت أن أبدأ بداية جدية للحصول على معدل 99 في 15 يوم قبل الامتحانات فقط !!! وكنت مقتنعة بكامل قناعتي في هذا التفكير ولكنني لم أخبر أحدا حتى لا يسخر مني أحد وفعلا بدأت بدراسة جدية بعض الشيء حتى حصلت على معدل 75 فقط وعندها اضطررت إلى إعادة سنة ثالثة لكي أصحح أخطائي، وها أنا في السنة الثالثة تقريبا مضى للسنة شهران منذ أن بدأت وأنا لا أستطيع البدء بشكل جدي فأنا مستعدة أن ألهي نفسي بأي شيء عدا الدراسة.
مع العلم أنني كنت متفوقة بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة حتى وصلت للثالث المتوسط نزل مستواي الدراسي جدا حيث أنني لم أكن مشمولة في الدخول للبكلوريا إلا بعد أن تدخلت والدتي وكانت حينها معلوماتي لا تتجاوز الـ 20 بالمائة وكان لدي شهران فقط قبل الامتحانات وعندها التزمتني والدتي وجعلتني أدرس ما لا يقل عن 12 ساعة يوميا حتى تمكنت من النجاح من الدور الأول وصدمت الكثير من الناس وخصوصا مدرساتي اللاتي اتهمنني بالغش حينها لأنهن لم يكن يصدقن هذا النجاح الباهر من طالبة كسولة مثلي ...
أتمنى أن أحصل على المساعدة النفسية من خلال موقعكم الكريم لكي أتخلص من هذه الحالة في أسرع وقت وأعود لدراستي وأحقق أحلامي
أعتذر عن الإطالة وشكرا لكم
28/11/2019
رد المستشار
السلام عليكم يا "سارة" على موقع مجانين للصحة النفسية.
إن التعثّرات الدراسية تدل بشكل واضح على أن العملية التعلميّة عند الإنسان عملية ذهنية/نفسية (إن سمحنا لأنفسنا بهذا التقسيم أصلا) أي أنّه ليس حاسوبا يُملأ قرصه بالمعلومات ويكتسبها دون إكراهات، الصراعات النفسية والتقلبات المزاجية والمشاكل الاجتماعية (وهو حقل التفاعلات في العملية التعلميّة) تلعب دورا حاسما في تفوق الفرد دراسيا.
مشكلتك ليست هي التسرّع بل هي القلق مصاحبا للتسويف، وما يبدو لك تسرّعا فهو تخوّف وقلق وتأجيل لمرحلة لاحقة عساك تحصّلين نقاطا أفضل، لكنّ عندما تُتاح لك فرصة جديدة وعام طويل، تشغلين نفسك بأي شيء، هوايات، خرجات، قراءات جانبية، أو تعمّق لا داعي له في جزئية صغيرة جدا في المواد عندك.... إلخ، مما يُسمى بالأنشطة الهروبية التي يخلقها القلق الدفين، المواجهة فيها ألم وتحتاج مثابرة وقد تبدئين لكنّك تتوقفين بسبب أنك تُديرين صراعك النفسي بالتوازي مع المواد التي تدرسين !
مشكلة الخجل ممّن تُعطينهم شأنا أكبر من شأنك حسب معايير تقييمك (هذا أفضل عندي من تعبيرك "هم أعلى شأنا" فلا يعلو إلا ما نُعليه نحن)، وضعف الثقة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضا لأنه يوحي بتضرر تقدير الذات عندك، وهذا راجع لانهيار صورتك عن نفسك، تلك الفتاة المتفوقة التي يُضرب بها المثل، وفجأة حدث التدهور فشعرت بأن لوم المجتمع لك ونظرتهم الدونية (المتخيلة) لك صحيحة في حقك. للخروج من هذا الفخ الخبيث لا ينبغي أن تشيحي بوجهك عن مشاكلك النفسية واحتمالية وجود قلق يجب أن تتعالجي منه مع مختص نفسي يقوم معك بجلسات علاجية، وسيتّضح التشخيص أكثر. وإلى أن تأتي تلك الخطوة (الضرورية في نظري) تحتاجين لاتخاذ خطوات وتصبري عليها، خطوات صغيرة وثابتة وخطة مستمرة ذات نفس طويل، فجهد قليل مستمر أنجع من جهد كبير منقطع، ولهذا تحتاجين أن تتجاوزي مشاعر الضيق والسلبية التي تأتيك وتدفعك لترك دراستك والقيام بأنشطة هروبية تخفف من قلقك وتُنسيك التزاماتك، لأنّ مربط الفرس هي لحظة الضيق تلك، تحتاجين أن تصبري عليها حتى تتجاوزيها نوعا ما.
إضافة إلى تفريغ ذهنك من سلبيات الفشل في السنوات السابقة ولا تقارني نفسك مع زميلاتك لكل حياة وطاقة وعقبات خاصة به، والمقارنة مدمرة لأنها تقوم على أساس بديهية واهمة، تقضي بأن اجتماعكم على خصائص السنّ والسنة الدراسة والتخصص يعني أنّ لكم الميزات نفسها والطاقة نفسها والوتيرة نفسها، وهذا خاطئ، اعطي لنفسك الحق في التعثّر وتصالحي مع ذاتك ومع خسائرك وفشلك، إن لم تتقبلي فشلك فلن تستطيعي بناء نجاح مستقبلي، الوعظ والنصائح وحدهما لا يكفيان، الخطوات العملية وزيارة المختص ليُعينك على التعامل مع قلقك وحيلك الهروبية مهم جدا، المراجعة بشكل يومي لساعات كافية مكتملة فعليّا (أي دون احتساب الوقت الضائع) والتضحية ببعض الهوايات مؤقتا وبعض الخرجات والترفيه سيكون ضروريا، مع الاحتفاظ بمتنفس ومكافآت تقدمينها لنفسك لا تكون مكلفة لا وقتا ولا مالا حتى لا تضغطي على نفسك، ستشعرين بالتعب النفسي الشديد وستشعرين برغبة عارمة بالهروب والتأجيل، إن أطعت نفسك وطاوعتها ستدخلين الدوامة اللانهائية مجددا.
ويجدر الإشارة إلى أنّه كلما تناقصت ثقتك بنفسك كلّما مالت نفسك للكمالية ووضع معايير وشروط عالية لتحقيق أهدافك، كنوع من التعويض عن الثقة الضعيفة، فالكمالية تنبثق من الثقة الضعيفة في أدائنا والتخوف من الخطأ، وهذا فخ لا يقل فتكا عن فخ القلق، لأن الكمالية هي المسؤولية عن التأجيل وتضخيم الهدف لحد أن يتبقى شهرين أو شهر على الاختبارات دون فعل شيء يُذكر.
أتمنى لك التوفيق والسداد ومراجعة مختص نفساني في أقرب وقت