استشارة في الحب والزواج
السلام عليكم.. أنا فتاة أبلغ من العمر 17 سنة وأحب شابا عمره 18 سنة منذ 3 أعوام وهو أيضا يحبني. أردت الارتباط به بطريقة شرعية لكن والداي يرفضانه ويرفضان زواجي تماما بحجة أنني لم أكمل دراستي الجامعية.
لكنني لا أستطيع أن أبتعد عنه ولا أتوقف عن التفكير به وقد أهملت دراستي الجامعية بسبب التفكير المتواصل في هذا الموضوع وأتحدث معه طوال الوقت دون توقف فنحن نرغب في الزواج رغبة شديدة لكن أبواي لا يرغبان في ذلك.
فماذا أفعل كي أرضي أبي وأمي وكيف أقنعهما بزواجي من هذا الشاب الذي انتظرته طويلا ليكون زوجي؟؟
أرجوكم أفيدوني
وجزاكم الله خيرا
9/1/2020
رد المستشار
أهلا وسهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية "نوران".
ما لفتَ انتباهي في إفادتك أنك تسألين فقط كيف تقنعين أبويك بأن يقبلا (مع إرضائهما في الوقت نفسه) ولم تسألي هل علاقتك تستحق المغامرة فعلا؟
سأبدأ أولا بقضية إقناع الوالدين في حالة مثل حالتك، الوالد والوالدة بعد أن قطعا في الحياة أشواطا وعاشا تجاربا جعلتهم ينضجان ويتعرّفا على حقيقة الدنيا وأنها ليست مجرد حبّ وهيام وليست بالسهولة التي تصوّرها لنا مشاعرنا أثناء وقوعنا في الحب... وأن في الحياة أهمّ من الحب نفسه والزواج وأنهما يأتيان في الأخير كتتويج لإنسان ناضج حقق ذاته... كل هذا كوّن عندهما نظرة واقعية قد تبدو باردة وقاسية في نظرك تتهمينها بالجمود وعدم فهم مشاعرك وعدم تقبل قصة حبك الكبير.. هذا الفرق بين الأجيال لن تعرفيه إلا بعد أن تعيشي مرحلتهما وتصلي لنضجهما دون أن تكون أما بالضرورة، ولو صرتِ أمّا ستكتمل الصورة تماما... ستصبحين أكثر حرصا على المصالح "طويلة المدى" وستقدمين بناء "ذوات" أولادك وبناتك على إرضاء رغباتهم اللحظية المتأثرة بمشاعرهم وتجاربهم العاطفية، بل ستكتشفين أن الرغبات والنزوات غالبا تكون عائقا لتحقيق الأهداف المعقولة.
لذا فتصور أبويك مختلف تماما عن تصورك، ليس لأنهما لا يعرفان معنى الحب، بل لأنّهما يعرفان أن الحب يجب أن يأتي في وقته والزواج في وقته وإلا كانت تبعاته على حياتك سيئة للغاية.... فالحب والزواج لا يصنع المعجزات ويحتاج تأهيلا نفسية ونضجا ويمنع من تحقيق أهداف ومساعٍ كثيرة بعدُه خصوصا بعد الإنجاب... وهذا ما لا تتمثلينه بطريقة واضحة ولا تستشعرينه رغم يقينك بأنك ناضجة وتفهمين الحياة جيدا ! لكن الحياة تخبّئ لنا الكثير والكثير من المفاجآت وتعلّمنا الكثير والكثير عنها وعن الناس، وخصوصا عن أنفسنا التي كنا نجهلها في جوانب كثيرة.
نأتي للنقطة الثانية، وهي لماذا كان سؤالك فقط "كيف أقنع والديّ"، ببساطة لأنك تفكرين بعقل المحب المتألم الذي يرى من سابع المستحيلات أن لا يتمّ زواجه ممن يحبّ، وستكون فاجعة لك. فسؤالي المنطقي هنا، هل مجرد الحب يعني أنّه يجب أن نرتبط بمن نحبّ؟ هل شعورك القوي اتجاهه يعني أنه سيصلح لك كزوج وأنك ستتوافقين معه فكريا ونفسيا واجتماعيا ؟ هل هو جاهز فعليا للزواج بك وتحمل مسؤولية هذا الحب الذي لن يبقى بتلك الخفّة والوردية بعد الدخول في معمعة الحياة وضغط الظروف؟! وهل حبّه لك وحبك له (وأنتما بسن 14 و 15) خال من مثاليات المراهقين وغير متأثر بقلة وعيهم بالواقع وطبيعة الحياة ونوعٌ من الانسياق وراء العواطف بشكل مطلق دون تفكير ؟ هل طرحت على نفسك هذه الأسئلة وأجبت عنها بصدق دون التهرّب من إجابة مؤلمة مخيفة ودون تزويق الواقع وممارسة تفاؤل ساذج على ظروفه وظروفك ؟
أهلك يرونك صغيرة (وهذا طبيعي ومعقول فأنت كذلك) لم تكملي حتى الثانوية ولم تعرفي حتى مسارات حياتك الممكنة وظروفك المستقبلية وربما تتعارض مع مصالح أو تصورات زوجك عن الحياة الزوجية، فماذا أنت فاعلة آنذاك؟ هل فكّرت مثلا يوما ما إذا أنجبت وتبيّن لك أنه غير مناسب نهائيا لك واكتشفت صفات سيئة فيه مما لا تطيقينه (مفترضين أنّه قادرا على الزواج بك) ماذا ستفعلين آنذاك؟ طبعا ستقولين أن كل شيء سيكون على ما يُرام ما دام الحبّ موجودا، إلا أنّ هذه الفكرة بالذات فكرة خاطئة تماما ويكذّبها الواقع بشكل مستمرّ.
لا تتخيلين الآن أن تكون حياتك بدونه، لأنّك مدمنة على الحديث معه لساعات طويلة، وما إن تنقطعي عنه سيكون عندك أعراض انسحاب المدمنين بالضبط ! إدمان على مدحه لك على المشاعر الجميلة التي تعيشينها معه، على الأحلام التي تبنينها، على الأنوثة والاكتمال الذي يُشعرك بهما... إلخ. كل ذلك الخوف والحزن واليأس الذي ستشعرين به في حالة ما فكرت في تركه وبناء حياتك، ليست دليلا على أنّ قرار الانفصال كان خاطئا ولا صائبا، إنما دليل على أنّك تعلّقت به وبنيْتِ عنه فكرة مثالية للغاية وأنه أفضل شخص لك وأنك لن تستطيعي العيش بدونه ولن يعرف قلبك بعده أحدا....
استشارتي عبارة عن تأملات وأسئلة كما قد يبدو لك وليس فيها نصيحة واضحة مباشرة، وهذا مُتعمّد لأنه لا أحد يستطيع أن يعطيك حلا سحريا لتقنعي والديك بشيء يرونه خاطئا تماما، خصوصا أن تجهيز الشباب لأنفسهم في سن مبكرة ضرب من المستحيل في أجوائنا وأجوائكم.... ولا يستطيع أحد أن يتخذ قرارا في مكانك دون أن يكون راجعا إليك لتنظري فيه من مختلف الزوايا (مع وعيي بصعوبة ذلك بالنسبة لعاشقة مدمنة على علاقة عاطفية مثلك، إذ سيغيب المنطق والعقلانية تاركا المجال للعاطفية والانفعال). لذا قد وضعتُ لك بعض العلامات، ونبّهتُه على أسئلة يجب أن تجدي لها أجوبة منطقية وواقعية بعيدا عن النسخة الرومانسية للحب والزواج التي تُنكر كل إكراهات الواقع وقسوته وتقلبات الطبيعة البشرية. والأمر عائد إليك، مع تأكيدي على أن مطلبك في إقناع والديك صعب جدا جدا ويميل للمستحيل إن كان ذاك الشاب غير قادر على تحمل مسؤوليته فضلا عن مسؤولية فتح بيت...
هناك فقط احتمال واحد هو قبولهم به كخاطب لك لمدة سنوات حتى يجهز نفسه وتكملي دراستك، لكن هذا الحل لا يضمن شيئا وفيه من المخاطر المادية والمعنوية الكثير. أتمنى ألا تزيدك إفادتي حيرة، بل عزما على تأمل وضعك والتساؤل بمنطقية وصدق مع نفسك، وسؤاله هو أيضا عن مدى قدرته على الوفاء بعهده والتقدم لك برجل قادر مقتدر على الزواج....
تحياتي وأتمنى لك الأصلح قبل الأسعد، فالأول يدوم والثاني قد لا يدوم.