خطيبي وتقلب مشاعري،... بعد الزواج م
صباحُ الخير
صديقي، أسعدني ردك، وقرأته مراراً وأنا مقتنعة به، وأعرف أنه لا داعي لأن أكتب لك من جديد، ولكنني أحتاج أن أكتب أكثر لأني أشعر أنني لست على ما يرام.. أنا مهووسة بالكمال، أريد أن يكون كل شيء مثاليا، أعرف أنه مستحيل، لذلك أنا غاضبة وحزينة طوال الوقت، أسباب حزني اغلبها تافهة، تافهة لأبعد حد، وسأشرح لك بعض الأمثلة
أتى إلى منزلي بعض الأقارب، وقدمت لهم الطعام والفواكه، ولكنني نسيت أن أقدم المشروب الغازي، هل هذا الموقف يحتاج الى حزن أُسبوع متواصل؟ ظل زوجي يقنعني أنه لا بأس، ويُطيّب بخاطري رغم تفاهة الموقف، وعندما بدأت أن أتحسن بدأ عقلي في استدعاء أي سبب تافه آخر للحزن.
درجة لون أحمر الشفاه يوم زفافي _رغم أنه جميل واخترته بنفسي_ أيام كثيرة متواصلة وأنا حزينة، حاول زوجي أن يُخفّف عني ويقنعني أنني كنت أميرة وكنت أجمل عروس، وعندما بدأت أتحسن.. طول الرموش الصناعية غير مناسب، أقنعني زوجي، تحسنت.. أغاني الزفاف.. وهكذا.. كلها أشياء بسيطة مضت، لا تستحق الحزن أكثر من دقيقة، ولكن أنا أغرق فيها لأيام طويلة وأتحسر وأتألم، وأعيش في أحلام اليقظة أغلب يومي.
أنا أرى كل شيء حولي حزين، حتى الأشياء الجميلة حزينة في عيني. أحياناً كثيرة اشعر بحزن كبير على خيارات الماضي ولأنني دخلت كلية لا أحبها أبداً، أتذكر وأبكي، يقنعني زوجي الطيب أن الأمر ليس بهذا السوء، وأن الشهادة الجامعية ليست نهاية الطريق، وأن التعليم والعلم مفتوح أمامي، ويشجعني أن أدرس مجالات أحبها، ولكنني لازلت اندم يومياً لأنني درست هذا المجال، وأنني لم أتبع قلبي، ففي كل مرة لا أتبع قلبي أندم.
لم أكن أتوقع أبداً أنني سأصبح في هذه الحالة، وأنا طفلة ظننت أنني سأكون إنسانة مهمة لها قيمة، أشعر أنني خيبت أمل تلك الطفلة. لدي صديقة أغار منها بشدة، أغار منها لدرجة أن قلبي يتألم، لا اعلم لماذا هي بالذات؟! ربما لأنني أراها فخورة بنفسها رغم مواهبها المحدودة ولديها سلام داخلي، وأراها سعيدة، وأنا لدي مواهب كثيرة، ولست واثقة ولا يوجد في قلبي إلا الحرب والحزن.
زوجي يقنعني كم أنا ناجحة وموهوبة، وهي ما تفعله أنها تعلن نجاحها الضئيل مراراً على مواقع التواصل الاجتماعي لأن بداخلها تكبر وغرور وقلة ثقة في النفس. ولكن كل ما يدور في عقلي أنني يجب أن أثبت لها انني انجح منها في عملي وفنّي وحياتي، وأكثر موهبة منها، وأنني سعيدة، أثبت (لها) وليس لنفسي! طوال الوقت أشعر أنني يجب أن أثبت للناس شيئاً، هذا التفكير رغم أنه يقتلني، لكنه لا يتركني أبداً.
راودتني وساوس وأفكار غريبة عن الدين لأكثر من أربع سنوات متواصلة، ولكنني تخطيتها بشكل تدريجي منذ سنتين بفضل الله ثم بفضل صديقي الذي ساعدني كثيراً (زوجي الحالي) ولكن كل تلك السنوات تركت أثراً في قلبي من ناحية الدين أدعو الله أن يمحيه، وأن يثبتني على دينه ويهديني.
أتذكر دائمًا آلام الماضي، مشاكل أبي وأمي المتواصلة، مروري بأوقاتٍ عصيبة كثيرة في الماضي بسببهم، تشتُّتي بينهم والطلاق والفضائح، تعرُّضي للتحرش المتكرر الشديد المهين من خالي الذي أكرهه وأريد قتله كلما أراه، موت أبي بالسرطان وتقصيري الشديد في حقه، لم أكن أزوره إلا نادراً.. كم كنت عاقّة، أتألم وأبكي، أبكي بحرقة، يواسيني زوجي الطيب، الذي يعرف تفاصيل كل تلك الأحداث ويعالجني منها ويُخفّف عني.
أترى كم أن زوجي لا يتركني أبداً؟ حتى في الأفكار البسيطة؟ أشعرت بطيبته؟ ولكن رغم كل هذا، أشعر أنني لا أحبه بما يكفي، ما زلت أحياناً أندم أنني لم أتركه، وأندم أنني استبشرت بنصيحتك وأتممت الزواج، أشعر كثيراً بحزن لأنني لست متزوجة بشخص مثالي، وأرى عيوب زوجي البسيطة بوضوح، وأشعر أنني كنت أستحق زوجاً أفضل منه.
ورغم أنني ممتلئة بكل تلك الفوضى، ولست مثالية أبداً، ولست جيدة حتى، ولست مُتّزنة كزوجي ولم أرَ منه إلا كل خير، وكل حب، وكل صداقة ودفء وطيبة، ولكنني أحياناً أريد الطلاق لأجد حبا جديدا قد تتجدد روحي معه. وأستيقظ عابسةً بسبب تلك المشاعر تجاه زوجي، أو تجاه نفسي..
حقاً لا أعرف.
شكرا لك
10/3/2020
رد المستشار
صديقتي
إن الحزن الذي تحبسين نفسك فيه لن يجعلك أكثر أهمية ولن يشبع احتياجاتك ولن يأت لك بالاهتمام الحقيقي (على المدى الطويل) من الآخرين، حساسيتك الزائدة لا تجعل منك من هي أكثر إنسانية وقيمة من الآخرين وإنما تجعل منك من هي مُنفّرة ومثيرة للضجر والملل. بدلاً من أن يحبك الآخرين لإيجابيتك ونجاحك سوف يعطفون أو يشفقون عليك مؤقتاً ثم سوف يبتعدون عنك. إحساسك بالحزن الذي تصنعينه من أبسط الأشياء يُعطيك بديلاً رخيصاً للحب اسمه الشفقة، الشفقة على نفسك والشفقة من الآخرين عليك.
سوف أكرر هنا ما كتبته فيما سبق في استشارات أخرى:
الناجح الحقيقي يحب النجاح لنفسه وللآخرين ويتنافس فقط مع نفسه، أن يكون أفضل من اليوم السابق. منافسته مع الآخرين هي تحدي يساعده على التطوير من نفسه والتعلم من الآخرين... الناجح الحقيقي متواضع لأن عظمته داخلية وتقديره لنفسه صحي ولا يسمح له بالتعالي أو الزهو أو الكبر أو التفضل على الآخرين خصوصاً عند الانتصار عليهم في المنافسة... لا يحقد عليهم أو يحسدهم ولكن يتعلم منهم ومن نجاحاته ونجاحاتهم ومن أخطائه وأخطائهم... الناجح يعلم دائماً أنه في مكان ما بين من هم أفضل ومن هم أقل منه.
الأفضل أن تحبي نفسك وتسعي للتطوير منها لنفسك وليس لإثبات أي شيء لأي شخص... إنك لا تستمعين لما هو مشجع وإيجابي... لماذا؟؟
غاضبة من أن زوجك غير مثالي ولا تحبينه لأنك لا تحبين نفسك وتخافين من الحب... ربما لأنك اعتقدت كطفلة أو كمراهقة أن من تحدث هذه الأحداث في حياتها لا تستحق الحب أو أصبحت لا تؤمن بوجوده.
حبك لزوجك أو لأي شخص آخر لن يحدث بدون أن تحبي نفسك وتسعدي بممارستك للحياة.. ليس هناك من أو ما هو خارجك الذي سوف يغير أفكارك أو إحساسك عن نفسك وعن حياتك بدون اشتراكك بالتركيز على معنى معين... ما حدث في الماضي مهما كانت قسوته فهو في الماضي الآن ولا يمكن أن يترك أثراً كبيراً بدون أن تفتحي جراحك بنفسك وتتسببين في استنزاف حياتك بالحزن والغضب والغيرة.
لا يمكن تغيير ما حدث ولكن يمكنك أن تغيري معناه أو أن تركزي على ما هو أكثر أهمية في الحاضر والمستقبل.
بإمكانك ترك زوجك وتغيير دراستك أو عملك أو هواياتك أو أي شيء أو أي شخص ولكن هذا لن يجدي إلا إذا كان بسبب أنك تبعدين نفسك عن ما هو مُضر... إن لم تسعدي الآن بما لديك ولو كان قليلاً، فلن تسعدي بما هو أكثر أو أفضل... أمثلة هذا متوفرة في كل مكان وعلى مر العصور... وقال الله في كتابه العزيز: "وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم"
الشكر الحقيقي لابد وأن يغلفه التقدير والامتنان وتذوق النعمة والاستمتاع بها.
أنصحك بمراجعة معالج نفساني لتصحيح مفاهيمك ومناقشة خطة عملية صحيحة نفسياً للمستقبل
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب
واقرئي أيضًا:
عقدة النفص وفخ الكمالية !
الكمالية وهم كبير !
الطريق من الكمالية إلى الاكتئاب