مخلفات الماضي تدمرني
عشت مرحلة طفولة ومراهقة صعبتين، فأنا من أسرة مكونة من الوالدين و 3 أخوات وأخوين ذات مستوى اجتماعي لا بأس به والحمد لله. لكن ذكريات طفولتي الأولى عشتها في بيت جدتي أم الوالدة والتي غمرتني بكل الحب والأمان والرعاية إلى درجة لم أعد أتحمل البعد عنها أو النوم بعيداً عنها فهي كانت بالنسبة لي الأم الحقيقية. بالنسبة لأمي أنا لا ألومها نظراً لظروفها الصعبة في علاقتها مع والدي إلى جانب حالتها الصحية. المهم بدأت أكبر وأسرتي ترغب في عودتي إليهم، كنت أختلق الأعذار رغم صغري فقط لأبقى بجانب جدتي، فالبعد عنها كان يدمرني داخلياً وكنت لا أحس بالأمان إلا معها، كنت منذ طفولتي لدي كثير من الخوف والضعف النفسي.
عموماً بلغت السنة الثامنة من عمري وحصل البعد عن جدتي وبدأت أعيش مع أسرتي والدي وإخوتي، مازلت أتذكر إلى اليوم ما خلّفه هذا البعد من آثار نفسية سيئة إلى درجة الانطواء والبكاء والخوف وقلة الكلام. لم أكن أحس بذلك الأمان والحب والرعاية التي عشتهم في بيت جدتي، حتى إخوتي على ما أتذكره كنت أحس بأنهم يلقون تعاملاً أفضل مني من طرف والدي، لست متأكداً من ذلك إن كان حقيقياً أم مجرد أحاسيس، هذه هي الأفكار التي عشتها في تلك المرحلة وكانت تتصارع في ذهني، هذا أثّر بشكل سلبي على مستواي الدراسي.
وكان أخي الأصغر مني بسنة يدرس معي في نفس المستوى بحكم تكراري لموسم دراسي واحد، كان عكسي تماماً ذكي وشجاع ويعرف كيف يتصرف، فكان محط إعجاب وتقدير الجميع الذين أحياناً يعقدون مقارنات بيني وبينه زادت من تأزم نفسيتي منذ الابتدائي، بل أكثر من ذلك في علاقتي معه فكان يخطئ في حقي في أغلب الأحيان وكنت أتذكر أنه لم تكن لدي الشجاعة لمجابهته والدفاع عن نفسي أمامه وفي المقابل هو يعرف كيف يتصرف وترجع لي أمي اللوم بأنني السبب في الخصام.عموماً طفولتي في أيام الابتدائي عشتها على هذا الحال، حتى في الليل كنت دائم الخوف والأرق وبدأت أعاني من وساوس وتكرار أصوات معينة بشكل قهري. بلغت سن المراهقة وهنا حصل للآسف ما يمكن وصفه ببركان انفجر من أعماق قلبي، لم أعد ذلك الولد المطيع البار الخلوق.
بدأت أتمرد على والدي خصوصاً أمي، بل الأفظع من ذلك لجوئي إلى سلوك انحرافي يتمثل في التحرش بأخواتي وبعض المحارم الذين يزوروننا، بدأت حالتي النفسية تتأزم أكثر، أصبحت أعاني من رعاش في مختلف أنحاء جسدي خاصة اليدين، وعلى فكرة هذا الرعاش مازلت أعاني منه إلى اليوم، أصبحت انطوائياً وقليل الكلام ولم يكن لي أصدقاء من الجنسين، حتى في الفصل كلما بادرت إلى قراءة نص ما إلا وبدأت في كثرة الشهيق والزفير والبكاء، لم تكن لدي الشجاعة للتواصل داخل الفصل وخارجه عكس أخي الذي دائماً يلقى المديح والثناء من الآخرين.
أصبح اهتمامي في البيت فقط بالقراءة، حفظ وحفظ إلى درجة الإرهاق والإعياء دون نتائج مرضية عكس أخي مجهود أقل ويحصل على أفضل النقاط، وصلت حالتي النفسية إلى درجة أصبحت أحس وأنا في الخارج أن الجميع يراقبني ويتحدث عني بسوء ويعلق على طريقة مشيتي أن فيها تعالي وتكبر. بالعودة إلى موضوع والتحرش بأخواتي والذي مازلت إلى اليوم أعاني من تبعاته رغم مرور سنوات على ذلك، انكشف أمري من طرف والدي ووصل الخبر إلى بعض أفراد العائلة فكان ذلك سبباً في زيادة تأزم حالتي النفسية إلى درجة أصبحت أعزل نفسي في غرفة ولا أتجمع مع أحد من الأسرة، والعائلة يأتون بالطعام إليّ وأقفل الغرفة على نفسي وأقضي وقتي بالنوم والتفكير والبكاء، قاطعتهم جميعاً بما في ذلك أمي ولم أعد أتحدث معها وزاد كرهي لها خاصة بعدما أخبرت بعض أفراد العائلة بانحرافي وعدم طاعتي لهم، استمر هذا الوضع من القطيعة حوالي 4 سنوات.
تخرجت من الجامعة وتوظفت في سلك التعليم وكان عمري حينها 22 سنة، وبدأت منذ هذا الوقت المتابعة عند طبيب نفسي الذي وصف لي بعض المهدئات وأدوية الاكتئاب والرهاب والوسواس والتي مازلت أتناولها إلى اليوم، حاولت إصلاح علاقتي مع الأم وهو ما نجحت فيه فعلاً والحمد لله وأصبحت مستقلاً مادياً وبدأت أحاول المواظبة على الصلاة رغم تركها أحياناً ثم العودة إليها مرة أخرى، كما تحسنت حالتي النفسية ولو بشكل نسبي فقط حيث مازالت الكثير من الأعراض أعاني منها إلى اليوم من قبيل الرهاب الاجتماعي وبعض الوساوس والحساسية الزائدة من كلام الآخرين وتعليقاتهم وكره المناسبات الاجتماعية.
المشكلة التي أعاني منها الآن هي أن إحدى أخواتي التي كنت أتحرش بها سابقاً أصبحت تستفزني وتراقبني في كل صغيرة وكبيرة أقوم بها، حيث وصل بها الأمر إلى التجسس على أغراضي الشخصية، واكتشفت بعض أسراري من قبيل علاقات خارج إطار الزواج والحصول على قروض ربوية من البنك، وقامت بفضحي أمام العائلة، لا أعرف بالضبط هدفها من ذلك هل هو ردي إلى الطريق الصحيح أم تشويه سمعتي خاصة أنها تعمل أحياناً على استفزازي والتقليل من شأني، مثلا مرتين أخذت ملابس متسخة لإخوتي الذكور ورمتها فوق ملابس جديدة ونظيفة لي، لكن مهما كان هدفها من ذلك زاد كرهي لها خاصة أن إخوتي وأبي يساندونها في ذلك، فتدهورت علاقتي معهم، وكلما زرتهم نشبت المشاكل.
أسئلتي من فضلكم، وعفواً على الإطالة:
- تشخيص لحالتي.
- كيف يمكن أن أنسى أخطاء الماضي التي كلما تذكرتها أعاني من تأنيب الضمير؟
- كيف أتصرف مع عائلتي بحيث أحترمهم وفي نفس الوقت لا أسمح لأحد التدخل في خصوصياتي والمس بكرامتي؟
جزاكم الله خيرا.
إذا كان ممكن حجب الجواب من الموقع؟
16/4/2020
رد المستشار
شكرا على مراسلتك الموقع.
التشخيص: التشخيص الأدق هو للطبيب النفساني الذي يشرف على علاجك. تشير في الرسالة إلى تحسن أعراضك النفسية بصورة نسبية ولا شك بأن الطبيب النفساني تحدث معك حول تشخيص الحالة وخطة العلاج. لا تزال هناك أعراض مترسبة٬ ويمكن القول بأنك تعاني من اضطراب نفساني مزمن يتميز بأعراض وجدانية وقلق مع مشاكل سلوكية منذ عمر المراهقة تشير إلى اضطراب شخصية مزمن.
الإنسان لا ينسى ماضيه ولكن عليه أن يضعه جانباً وينتقل إلى مرحلة جديدة في الحياة. عند ذاك يتم إلقاء نفايات الماضي وبناء حياة جديدة. أنت رجل متزوج وتعمل ودخلت العقد الرابع من العمر، وعليك التركيز فقط على عائلتك.
ليس هناك أفضل من قطع الاتصال مع الأهل والتواصل معهم بين الحين والآخر. تشارك زوجتك بمشاكلك وتبني مستقبلك بعيداً عن الأهل لتأزمك المزمن معهم.
الحديث مع معالج نفساني يساعد كثيرا.
وفقك الله.