الوسواس القهري
أنا أعاني من الوسواس القهري منذ خمس سنوات وكنت أحارب الأفكار وأرد عليها إلى أن أتيت إليك يا دكتور وائل أبو هندي وفهمت طبيعة المرض وكنت أتجاهل الأفكار كلها، كان على شكل إلحاد أو تغيير الديانة وتشكيك في الإسلام والسجود للأصنام وكنت أتجاهل كل هذه الأفكار ولا أرد عليها وكنت أشعر أنني أقوى منها كثيراً ومرت فترة وأنا متعافية.
ولكن مؤخراً تنتابني فكرة أنني أعتقد أن الإسلام صحيح لأنني تربيت على هذا، وحبي للإسلام ولسيدنا محمد بسبب تنشئة أهلي لي على هذا واعتقادي أنه الصحيح بسبب ذلك أيضاً، وأنا أتعذب ولا أنكر أن هذه الفكرة تهزني غير ما فعلت باقي الأفكار، وأنا أريد الإسلام والقرآن ويقول لي أنني أريده لنفس السبب.
فهل من إجابة تُطمئن قلبي لتساعدني على الوقوف والتجاهل كما أفعل كل مرة لأنني أحيانا نفسي تُخيّل لي أن هذا الكلام صحيح وأنت أعلم أن مريض الوسواس يعلم ما يصدر منه وما يصدر من خارجه.
8/5/2020
وأرسلت مرة أخرى تقول:
وسواس قهري ديني
أنا أعاني من الوسواس القهري منذ خمس سنوات وكنت أتجاهل كل هذه الأفكار كإلحاد أو سجود لغير الله أو تغيير الدين أو غيره، كنت أتجاهلها كلها وكنت أشعر أنني أقوى منها حتى مرت فترة وأنا متعافية، ولكن جائتني خاطرة وهي أنني كنت أحارب عن الإسلام وأتجاهل وأحب سيدنا محمد لأنني تربيت على هذا وهذا ليس حباً مني ولكن زرعه فيّا أهلي وهذه الخاطرة تهزُّني وأشعر أنني بدأت أُنصت لها وأنا لا أريد ذلك.
ماذا أفعل؟
هل عندك من إجابة تطمئن قلبي فقط كي تقوّيني على تجاهله لأنني لا أعرف النوم ولا الأكل، أعيش في عذاب.
8/5/2020
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا "فرح" على موقعك، جعل الله أيامك كلها أفراحًا ومسرات
هذه الفكرة تخطر على بال كل مسلم، وينبغي أن تخطر، فنحن نتبع ديننا عن عقل واختيار لا عن تقليد وإجبار. لكن الخلاص منها سهل جدًا جدًا...
مجرد عرض الأدلة العقلية البسيطة على وجود الله ووحدانيته، تجعل الإنسان الصادق غير المستكبر يؤمن بوجود إله واحد يدبر هذا الكون. ومجرد التفكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من شرائع تجعل ذلك الإنسان الصادق يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
هل يمكن لشيء أن يوجد فجأة دون مُوجد؟ فجأة تجدين الخضار قد قطعت، واللحم قد فُرم، والكل قفز إلى القدر ثم امتلأ القدر بمقدار مناسب من الماء، وإذ يخرج من هذا كله طعام رائع الطعم، تجدينه موضوعًا على الطاولة!!!!
لا أظنك إن رأيت ذلك إلا هاربة من المنزل تستنجدين لأن (عفريتًا) في المطبخ يعد الطعام!!!! لماذا حكمت بوجود (عفريت)؟ لأن من البديهيات العقلية أنه لا يمكن لشيء أن يحدث دون وجود من يحدثه، وهذا ينطبق على الكون بكل ما فيه من كائنات بديعة التكوين، كثيرة التنوع، ذات نظام دقيق في خلقها وطريقة حياتها....، مثل هذا الكون أعقد بكثير وأكثر انتظامًا من طعام يعده (عفريت)! ذلك أن الذي خلقه وكوّنه هو الله الرب القادر على كل شيء.
طيب....، ماذا لو كان الإله أكثر من واحد؟ فلنفكر في هذا الاحتمال: عند وجود أكثر من إله إما أن يكون الجميع على مستوى واحد من القدرة والمعرفة والسلطة، إلخ.... وإما أن يكون أحدهم أفضل من الآخر في صفاته وقدرته. فإذا كان أحدهم أفضل، فهو الإله دون الباقين، لأن الفرض أن الإله هو السلطة العليا في الكون، الحاكم على الجميع، وليس من مسوغ لعبادة من دونه في القدرات والصفات.
وأما إن كان الإلهان لهما نفس الصفات، والمفترض أن الإله يأمر وينهى ويدبر ويقدر ويريد دون أن يتحكم فيه أحد، فمن الذي سيتحكم في الكون؟ أحدهما أراد الشمس أن تشرق من الشرق، والآخر أرادها من الجنوب، وكل منهما له القدرة المطلقة والأمر النافذ، فما الذي سيحصل برأيك؟ هل سمعت شركة لها أكثر من مدير لكل منهم نفس الاختصاصات ونفس الصلاحيات؟ ماذا سيحصل للموظفين إذا أصدر كل واحد منهم أمرًا بعكس الآخر؟ وفي هذا قال تعالى: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)) [الأنبياء: 22].
فهذه أدلة وجود الله ووحدانيته، ثم بعد ذلك فإنه من خلق هذا الكون فهو قادر، ومن نظمه بهذه الدقة فهو حكيم، وهكذا.....
نأتي الآن إلى أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه كثيرة جدًا وكل إنسان يلفت نظره شيء في سيرته وحياته، ومعجزاته، وما جاء به، تجعله يوقن بنبوته يقينًا لا شك فيه البتة.
فعلماء الطبيعة يلفت نظرهم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من معلومات عن الكون لم يكتشفوها إلا الآن، فيوقنون أن الذي جاء بذلك لابد أنه نبي. وعلماء القانون يلفت نظرهم التشريعات القانونية التي جاء بها وأصبحت دستورًا ينظم الحياة إلى اليوم دون وجود خلل (إلا ما يزعمه الملحدون)...
وأنا شخصيًا لفت نظري النقلة العجيبة من الحياة البدوية، القبلية، الأمية، ومن الأخلاق الجلفة، إلى الحياة الراقية ذات الذوقيات الرفيعة، والأخلاق النبيلة، والاتجاه العالمي البعيد كل البعد عن القبلية والاتباع الأعمى الجاهلي لرئيسها!!!!
شاهدي إن شئت فيلمًا وثائقيًا عن القبائل البدائية في إفريقيا، أو الأمازون، أو إندونيسيا. وانظري عاداتهم وتنظيم حياتهم، وستجدين أن لكل قبيلة منهم حكيمًا وزعيمًا يتفوق عليهم في الذكاء والسلطة. هل استطاع واحد من هؤلاء الزعماء أن يغير هذه الحياة البدائية؟ وفي ثلاث وعشرين سنة فقط!!؟
هل استطاع تغيير العادات الهمجية المقززة، إلى أخرى تنافس الذوقيات الرفيعة في الحضارات العريقة؟ علمًا أن مجتمع الجزيرة العربية كان مجتمعًا صحراويًا مغلقًا، لم يتعلم أهله من الحضارات الأخرى شيئًا. وعلمًا أن قبائل العرب عاشت سنينًا طويلة على عاداتها الجاهلية رغم وجود حكماء فيهم، ولم يستطع أحد أن يقلب الحياة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم! ذلك لأن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ليس حكيمًا، وليس عبقريًا، وليس ساحرًا، وليس شاعرًا، وإنما نبي نقل إلينا أوامر إله حكيم عالم قدير، هو خلق الكون وهو أعلم بما يصلحه.
هذه أدلة بسيطة يفهمها الأطفال، ويقرّ بها العقل السليم عن الكبر وعن الوسوسة. فإذا وجدت عقلك قد اقتنع بمثل هذه الأدلة، فاعلمي أنك مؤمنة كاملة الإيمان، وأن أي شك آخر يأتيك فهو وسواس كسائر الوساوس التي ينبغي تجاهلها.
أسأل الله تعالى أن يزيل الشك من نفسك، ويلقي الطمأنينة في قلبك ويعافيك من كل سقم.