مشاكل عائلية
السلام عليكم. أنا فتاة في أوائل العشرينات من عمري، متعلمة والحمد لله، تخرجت حديثاً من إحدى الجامعات المرموقة بامتياز، ولكنّي أشعر أني غير مرتاحة نفسياً، أشعر أن روحي مهشمة جداً، مشاكلي النفسية بدأت منذ كنت طفلة، نشأت في بيت أهلكني نفسياً، أمي -عفا الله عنها- كانت تضربني كثيراً وتُهينني وتُوبخني، وزاد الأمر سوءً عندما كبرت فهي لا ترضى عني بأي شكل من الأشكال، مهما أفعل تلومني، مهما أقول تغضب مني، عندما أمزح يُجنّ جنونها، وتغضب غضباً شديداً وتصرخ، لم تدعُ لي في حياتها قط، هي طيبة وتعطف على الناس وقد يرق قلبها لي ولكنها لا تعطف عليّ عطف الأمهات على بناتهنّ، تدعو عليّ بأن يفضح الله عرضي وألا يسترني وأن يهدّني وأدعية كثيرة لا تُدعى على ظالم، هي ضدّي في كل الأحوال، لو تعرّض لي أحد بالسوء وحاولت الدفاع عن نفسي تلومني وهذا طبعاً سبب عدم احترام كثير من الناس لي، هي غاضبة دائماً، تصرخ طيلة الوقت، تدعو عليّ بلا رحمة.
أبي ضعيف الشخصية، ومشكلتي معه أنّه يستلذ بإهانتي أمام الناس، يعني يفتعل المشاكل أمام الناس لكي يشتمني. كما كنت أتعرض للتنمر بشكل لا يُحتمل من أخي، وكان يضربني ضرباً مُبرحاً عندما أدافع عن نفسي وأرد له الإهانة، ولمّا تزوج وانتقل إلى بيت آخر استلمت أختي مهمته مع أنها تصغرني إلا أنّها لا تكفُّ عن شتمي وإهانتي والسخرية مني. يعني أنّ عائلتي مقبرتي، لا يخلو يوم ليس فيه مشاكل، ليس فيه صراخ.
نتج عن هذه الحياة غير الطبيعية أنّي أصبحتُ شخصاً عصبياً، غضبي ليس طبيعياً أبداً، حاولت الانتحار مرات كثيرة ولكن بحمد الله توقفت عن المحاولات، أصبتُ بوسواس نظافة وترتيب قهريّ قبل عدة سنوات، ولكني تخلصت منه بفضل الله.
كانت أحياناً تصيبني حالات من الرهاب الاجتماعيّ، تغلبت عليها بصعوبة لكن ليس بالكلية. المواقف المحرجة لا تبرح مخيلتي، أحاول التغلب عليها ولكنّها عالقة في رأسي، لا أنسى المواقف التي ظُلمت فيها ظلماً شديداً وهذا لا يجعلني مرتاحة، شديدة الحساسية، أحاول ما استطعت الدفاع عن نفسي ولكني أضطر للدفاع عن نفسي كثيراً فأنا دائماً في حالة حرب وهذا يُتعبني. أنا أنهارُ كثيراً، أحاول أن أُصلح الوضع في البيت ولكنّي أفشل.
أشعر بتهشم في روحي، الماضي يُحاصرني، أشعر أحياناً أن الجميع ضدي، يُنظرُ إليّ في غير البيت بأنّي شخصٌ طيّب، وأني شخص ناجح، وأنّي شخص قويّ الشخصية، ربما أكون كذلك لكنّي لست سعيدة.
تعبت من أفكاري، تعبت من الوضع الصعب الذي أعيشه، لا أضمن ألّا تعود لي أفكار الوسواس وأفكار الانتحار، أخاف من نفسي عند الغضب، فمرة وأنا غاضبة (بعدما تعرضت لظلم شديد) كدتُ أن أهشم رأسي بحديدة وأجرح معصمي بسكين.
ماذا أفعل؟ هل أنا بحاجة إلى طبيب نفسي؟ ما الحالة النفسية التي أعيشها؟ هل يمكن أن أعالج نفسي بنفسي ولو جزئياً إلى حين تحسن وضعي المادي؟
هل حالتي مستعصية؟ ماذا أفعل؟ أنا مُتعبة والحياة أمامي سوداء.
8/5/2020
رد المستشار
الابنة المستشيرة.. أبارك تخرجك في الجامعة المرموقة بامتياز، ولعلك تجدين وسط إجابات استشارات سابقة ما يضيف ويفيد بشأن قصة حياتك التي هي من فرط تكرارها تكاد تكون حديث الصباح والمساء في عموم حياتنا العربية، حيث الأسرة هي أول وأهم محضن لتشكيل وتكوين وربما تشويه تركيبة الأولاد على يد آباء وأمهات محطمين عبر محاضن مريضة في سلسلة تنقل الدمار عبر الأجيال في مسلسل بائس - حان الأوان لوقفه.
لم تكوني قادرة على حماية نفسك من غارات الوالدة، ولا إساءات الأخوة، والإهانات، إلخ - لكن هذا كان ماضيا مسؤولية التعافي منه تقع على عاتقك، ومسؤولية وقف العدوان تقع على عاتقك، ولا أرى كثير فائدة في الاسترسال بنقد تصرفات عائلتك تجاهك، بل سأحاول أن أستثمر الوقت والمساحة في التصديق على إدانة المعتدين، والتأكيد على أن رحلة التعافي من صدمات وانتهاكات الطفولة هي جزء عزيز وطويل قد يستغرق حياة بعضنا كلها، ولكن التعافي بما هو هدم وبناء وترميم واستعادة نبض الحياة مرة أخرى هي معالم مسيرتنا، وليس وراءنا ولا أمامنا من مهام أولى وأجدر بالتركيز.
العمل المطلوب يشمل مستوى عالمك الداخلي بما فيه من التخلص من دور الضحية التي تشعر بالدونية واستحقاق الإهانة، والتوقف عن تصديق أو ابتلاع أي نقد أو تجريح، ورسم صورة ذاتك بناءا على أحكامهم، بل ينبغي بناء صورتك عن نفسك من حقيقتك وإنسانيتك واهتمامك بحياتك وذاتك وتعاطفك مع احتياجاتك
احترامك لإنجازاتك كما ضعفك وخوفك وآلامك.. إذ كلها تخصك وكلها جزء من إنسانيتك، تحررك من مشاعر تراكمت بداخلك، وتحرير المشاعر له تدريبات وعلاجات متداولة، وتحفيزك لنفسك، وكل ما من شأنه شحن طاقاتك، وتقوية وتمتين أنسجتك وبنائك النفسي، أنصحك بكتاب "أبي الذي أكرهه" لمؤلفه د. عماد رشاد عثمان، وهو يضم تأملات حول التعافي من إساءات الأبوين، وصدمات النشأة، والقراءة في هذا الميدان والتبحر فيه مفيد ويصب في مسيرة تعافيك ونضجك الشخصي، وكذا كتاب "ذنوب الآباء، ومسؤولية الأبناء" لمؤلفه مشير سمير، ورغم أنه موجه للجمهور المسيحي بالأساس، لكن محتواه يصلح للجميع.
تخليك عن دور الضحية سيصّعب مهمة كل من يريد إيذاءك ممن حولك، وغيرهم، لكن خلق واقع خارجي آخر سيساعد أكثر، وأعني بهذا بذلك لجهد للخروج من دائرة الإيذاء، ولو مؤقتا. بالسعي للحصول على منحة دراسية على خلفية تفوقك، وأظن أن فرصك في الحصول على منحة مثل هذه لن يكون صعبا، وهذا يوفر لك مخرجا وملاذا آمنا تستكملين فيه رحلة التعافي، ولو في خطواتها الأولى -على الأقل-.
لا أدري أيضا ما هي العلاجات غير الدوائية المتوافرة عندك - حيث أنت، والعلاجات الدوائية أيضا قد تفيدك بعد استشارة طبيب، وفي حالة وجود أعراض معطلة لانتظام نومك، أو شهيتك للطعام، أو تفاعلك مع الناس المحيطة.
مداخل السعي في رحلتك كثيرة، ولا أجد مبررا لكثرة النصائح والإرشادات فهي خبرة تتطور بالتجريب، ونحن معك فيها، وننتظر متابعتك، والله الموفق