إهمال من الوالدين وتحرش منذ الصغر
تعرضت للتحرش الجسدي من أخي الكبير وأنا عمري (أجد صعوبة في التذكر) حوالي 6 أو 8 سنوات، وقد استمر ذلك لسنوات عديدة حتى عندما كبرت صرت أرضخ له بدون اعتراض، ولك أن تتخيل أن ذلك كان بغياب الأهل وبدون علم أو ملاحظة على تصرفاتي الغريبة. أيضا تعرضت لتحرش من ابن خالي في نفس العمر لكن لم يستمر الأمر إلّا 5-7 مرات.
ولديّ تبول لاإرادي منذ الطفولة إلى سن مبكرة وعزلة من الجميع ورغبة في الهروب من المنزل وقد صرّحت بذلك وأنا عمري 10 سنوات ولكن كانت ردة الفعل ضحك فلم يكن أحد يعلم ما كان يحدث لي في المنزل. لم يكن ولن يكون المنزل الذي اعيش فيه مصدر للأمان، لا يوجد أي علاقة عاطفية أو مشاعر بيني وبين أمي، كانت ومازالت جداً قاسية ومتنمرة عليّ. كنت أعتقد كل طفولتي أن عدم حبها لي لقبحي (كان شكلي مهملاً). أمي متشددة دينياً جداً جداً، تكره أن أظهر بمنظر جميل أو أفعل شيء جيد لنفسي وتشعرني بالذنب كلما حاولت أن أقوم بأمر مفيد لي وتصفني بالأنانية دائماً.
كانت ومازالت تعبر عن خيبتها فيني لأنني لست بدرجة التزامها ولا أفعل وأرتدي ما تريد. واجهت صعوبة في الاهتمام بجسمي وشكلي، كنت أتعرّض للتنمر لأن شكلي مقرف وغير نظيف، وكانت عندي مشكلة سمنة. في المرحلة الثانوية قررت أن أكون جادة مع نفسي فأصبحت أهتم بنظافتي وأتّبع حمية جعلت مني أظهر بمنظر مثالي مقارنة بالسابق.
واجهت مشكلة منذ المتوسط إلى الجامعة وهي مشكلة تعذيب النفس وتقطيع نفسي بشكل لا يتصور، وكانت ردّة فعل الأهل التخويف والترهيب إن فعلت ذلك مرة أخرى. أبي ذو شخصية ضعيفة فقد تسلّطت عليه أمي وجعلته يتصرف ويؤمن بما هي تريد، كنت أراه بصورة رائعة طيلة طفولتي إلى الثانوية عندما اكتشفت أنه شخص منحرف ومنافق، فقد كان شيخ في المساجد وجهازه مليئ بالإباحيات ويسافر كثيييييراً بحجة العمل، أبي لم يكن متدين من قبل حسب ما أعرف لكن أصبح كذلك بسبب أمي، لم أعد أثق فيه وكرهته جداً، عندما علم عن تحرش أخي فيني لامني على ملابسي وظل يخبرني بأكاذيب أنني أنا أهم ما لديه ويريد حمايتي.
لا أعلم ما الحوار الذي دار بينه وبين أخي لكنه لم يُجدِ نفعاً فقد استمر التحرش إلى أن سافر للخارج للدراسة. أعتذر للإطالة فقد كتمت هذه الأمور في صدري طول عمري. أشعر برغبة قوية في الانتحار فلم يعد إيذاء نفسي نافعاً. حدثت أمور أكثر لكن سأكتفي هنا.
23/5/2020
رد المستشار
قرأت رسالتك أكثر من مرة،وعرفت قدر المعاناة التي أنت فيها.
منذ طفولتك البريئة تحملين ما ينغص نفسك ويكدرحياتك ويحزنك... ولربما ما مر بك جعل حياتك جحيما.. لم تبوحي بما يختلج صدرك وكبرت وكبر معك الألم...
يبدو واضحا من رسالتك أن طفولتك تخللتها أحداث مؤلمة من تحرش جنسي من أخيك وقريبك وسوء معاملة من قبل الأسرة. وخوف ترعرع في نفسك من سوء المعاملة التي تعرضت لها في طفولتك.
... ليس ذنبك أنك تعرضت للتحرش الجنسي في الصغر،وأنت غير مسؤولة عما حدث لك،وأنك كنت طفلة لا تقوى عن الدفاع عن نفسها. لكن ما أن تمر السنوات من عمرك إلا ويزداد تقبلك واستجابتك لما يفعله أخوك من تحرش... رضوخك واستسلامك للأمر دون مقاومة منك وأنت تدرين ماذا يعني ذلك؟.. ومن ثم،ورغم الذكريات المؤلمة... واجترار الماضي... لكن المأساة تظل متكررة مع أخيك كما تذكر رسالتك المختصرة...... ولكن ظل الماضي ماثلا أمامك،واجتراره مما حدا بك أن تتجهي إلى الانتقام من ذاتك وايذائها... الماضي الذي ليس لك ذنب فيه لأنك طفلة... لكن ما أن يستمر التحرش من أخيك،وأنت في هذه المرحلة من عمرك... يعني أنك مستسلمة... لربما راضية بما يفعله من تحرش... كان عليك أن تصرخى بأعلى صوت وتقاومين حتى يكف عما يفعله... لكن يبدو واضحا أن الاستقرار وأمان الأسرة وعلاقتك بوالديك يشوبها التفكك والتسلط والترهيب وفقدان الحب والأمان...... أشعر بالحسرة عليك من أبيك وأمك...
يا صغيرتي... الاكتئاب والتحرش وإيذاء النفس والتفكير بالانتحار من خلال التعبير البسيط لشكوتك المرة... سوف آخذك معي قليلا لأحكي لك عن عوامل خطر إيذاء النفس والتفكير أو محاولة الانتحار... من الناس، من يقومون بإيذاء أنفسهم وهم المراهقون والشباب، على الرغم من أن بعضهم من فئات عمرية مختلفة، قد يقومون بإيذاء أنفسهم. وفي سنوات المراهقة المبكرة يبدأ إيذاء النفس... وهي الفترة التي تكون العواطف أكثر تقلباً (كما هو الحال عندك)، ويواجه المراهقون ضغطاً متزايداً من الأسرة، وخاصة النزاعات مع أو بين الوالدين،أو نشأوا، ولا يزالون يعيشون في بيئة عائلية غير مستقرة مع والشعور بالوحدة وفقدان الأمان إضافة إلى العزلة الاجتماعية، أو يواجهون صعوبة ومشاكل الحياة ويتعرضون للإهمال، الإساءة (الجنسية، الجسدية، أو العاطفية)، أو يتعرضون لأحداث صادمة أخرى...
على الرغم من أن إيذاء الذات لا يكون عادة محاولة انتحار، فإنه يمكنه أن يزيد من خطر الانتحار بسبب المشكلات العاطفية أو التحرشات الجنسية في الطفولة أو استمرارها حتى الكبر كما ذكرت رسالتك، التي تحفز إيذاء النفس. كما يمكن لنمط إيذاء الجسد في أوقات الحزن أن يجعل من الانتحار أمرا أكثر احتمالًا وهذا ما أخشاه من حالتك.
وبما أنك في الـ 23 من العمر تكون الخطورة في إيذاء النفس مترافقة أحيانا مع المشاكل العاطفية التي تُسبب إيذاء النفس، كما يمكن أن يؤدي نمط تدمير الجسم في أوقات الضغط، إلى زيادة احتمال حدوث الانتحار.
لا شك أن تعرضك للتحرش في سن مبكر ترك أثراً بالغاً عليك. لربما بدأ شعورك بالذنب فما أخشاه هو معاناة الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وغيرها مثل إيذاء النفس والجسد كما ذكرت رسالتك... ولكن الخوف تملكني وأنا أسطر لك هذه الأحرف عندما راجعت كلماتك الأخيرة بأن رغبتك بالانتحار قوية ولم يعد إيذاء نفسك نافعا...
لا أريد القول بأن ما تصفينه ينبأ باحتمالات وجود اضطراب بشخصيتك (وخاصة الشخصية الحدية) وخاصة أنك تعرضت بالفعل إلى تحرش وإيذاء جنسي شديد أثناء الصغر... فإيذاؤك لنفسك وكرهك لذاتك وجسدك وأنوثتك، تشي ببعض أعراض اضطراب الشخصية الحدية، التي ما أن يتأكد تشخيصها في وجود بعض الأعراض الأخرى، مثل التقلبات المزاجية الحادة والمتكررة والأفكار أو الرغبة أو الأفعال الانتحارية مضافا لذلك التوتر والقلق الشديدين وعدم ثبات علاقاتك بمن حولك. وفي حين أن إيذاء النّفس يوفّر شعورا مؤقتا بالهدوء والتحرر من التوتّر، فإنه يتبع في العادة بشعورٍ بالذنب والعار فضلاعن عودة المشاعر المؤلمة.
لا... لا... يا بنتي... ليكن ما كان من الأمر... لابد أن توقفي هذه الفكرة أو الرغبة... ليكن ما مضى أمرا انتهى الآن وأنت تقرئين هذا الرد المتواضع...
... لماذا العلاج..؟ لوجود خطر الانتحار... فعلى الرّغم من أن إيذاء النّفس ليس محاولةً للانتحار، فإنّه قد يزيد من خطر الانتحار. بالطبع رسالتك لا تشير إلى إيذء النفس فحسب بل إلى رغبتك القوية بالانتحار. انتبهي لما سأكتبه لك،وبكلمات بسيطة... وعليك أن تدركي وتعي الأسطر التالية:
من علامات التحذير والخطورة في رسالتك ما يلي:
• التحدث حول الانتحار أو الإشارة إليه كما ورد في رسالتك أكثر من مرة
• التحدث حول الموت أو الكتابة عنه... كما ورد برسالتك (مجرد الكتابة أو الإشارة أو التحدث عن الموت أو الانتحار)
• الإصابة باضطراب نفسي، مثل الاكتئاب (واضح من خلال التعبير في رسالتك)
• وجود أفكار انتحارية سابقة
• الشعوربالذنب واليأس
• الانسحاب من التواصل الاجتماعي
• وجود أكثر من جرح قطعي
وسؤالي...... ما الذي دهاك يا صغيرتي؟.. ستقولين ماضي طفولتي والتحرش... ذاك ماض قد ولى وإن استمر كما ورد في رسالتك... فليكن أيضا من الماضي... لا ذنب لك ولست مسؤولة عما كان لأننا سوف نقول معك ذاك ماض... صحيح يبقى أثر في النفس... ولكن له علاج... اطمئني... ستقولين وإيذاء النفس والتفكير بالانتحار... أيضا لهما علاج.. وعلاجهما بسيط...
ضرورة استشارة الطبيب النفساني... يجب عليك الحصول على المساعدة العاجلة إذا كانت هناك أفكار، أو محاولة الانتحار موجودة الآن. فما عليك إلا التحدث مع شخص موثوق، مثل صديق، شخص مقرب، ليساعدك على أخذ الخطوات الأولى للذهاب إلى الطبيب. الطبيب سيبذل جهدا وسوف يسخر نفسه لك...
صغيرتي هوني عليك... وقبل أن أختم... أضيف كلمة عن طرق العلاج النفساني.........
يساعدك العلاج النفساني على ما يلي : تحديد المشاكل الكامنة التي تُسبب سلوك إيذاء النفس، والسيطرة عليها. تعلم مهارات السيطرة على الضيق بشكل أفضل. تعلم كيفية تنظيم العواطف. تعلم كيفية تعزيز صورتك الذاتية (ثقتك بنفسك). تطوير المهارات الخاصة لتحسين علاقاتك، ومهاراتك الاجتماعية. تطوير مهارات حل المشاكل الصحية. وقد تفيدك أنواع متعددة من العلاج النفساني الفردي، مثل ما يلي: العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعدك على تحديد المعتقدات، والسلوكيات السلبية، وغير الصحية، واستبدالها بأخرى صحية، وإيجابية.
كذلك العلاج السلوكي الجدلي الذي يعتبر نوعا من العلاج السلوكي المعرفي، والذي يُعلم المهارات السلوكية التي تساعدك على تحمل الضيق، وتنظيم العواطف أو السيطرة علىها، وتحسين علاقاتك مع الآخرين. العلاج النفساني الديناميكي الذي يركز على تحديد التجارب السابقة، الذكريات المخفية، أو المشاكل الشخصية من خلال الفحص الذاتي الذي يتم توجيهه بواسطة المعالج. العلاجات المعتمدة على اليقظة، والتي تساعدك على العيش في الوقت الحاضر، وإدراك أفكار، وأفعال من حولك بشكل مناسب، لتقليل القلق والاكتئاب، وتحسين سلامتك العامة.
ابدئي بخطوة واحدة... وهي أن تشدي الرحال إلى طبيب نفساني... لا تتجاهلي مشكلتك... لا يتملكك الحزن والأسى واليأس أو حتى الغضب. بل أجدر بك أن تحاولي طمأنة نفسك أولا... بأن كل مشكلة ولها حل... حالتك لا تحتمل الانتظار... وعلاجها موجود ومتاح وناجح...
واقرئي أيضًا:
إيذاء النفس المتعمد
العلاج السلوكي وبرامج تأكيد الذات