قلق من الموت أو المرض الشديد
السلام عليكم. عندي وسواس دائم بأني سأموت أو سأمرض بمرض شديد. هذا الشعور بدأ منذ خمسة عشر عاماً عندما كنت أقضي حاجتي في دورة المياة وانتابني شعور بخفقان قلبي، أسرعت إلى أمي وأبلغتها أني أشعر أني سأموت الليلة، كانت تطمئني وكنت فقط أنتظر الموت كل ليلة. بعد خمس سنوات ذهب هذا الشعور تدريجياً ولكنه عاد بعد وفاة والدي ووالدتي بأمراض شديدة.
هذا الشعور يجعلني أعتزل أقرب الناس لي حتى ابنتي. منذ عام كنت قد ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين ووصف لي زيروكسات وجاء بنتيجة في بادىء الأمر ولكن بعد سفري أقلعت عنه ورجعت الحالة لما قبل.
الآن الموضوع شديد جداً في ظل أزمة الكورونا وبدأ بالتأثير على جهازي الهضمي وذهبت للكشف الطبي ووجدت أنّي أعاني من جرثومة المعدة ولا أدري هل هي السبب في قلقي؟ أم أنها نتيجة قلقي المستمر؟
الرجاء أبلغوني ما الحل.
وشكراً لكم.
24/5/2020
رد المستشار
صديقي.
القلق يسبب التوتر، والتوتر يسبب متاعب صحية كثيرة بسبب تأثيره السلبي على وظائف الجسم والأعضاء وضغط الدم وجهاز المناعة.
القلق هو أن تأخذ فكرة سلبية عابرة وتُركّز عليها وتدعها تتضخم في الخيال إلى أسوأ الاحتمالات. المشكلة هنا هي أن الجهاز العصبي لا يستطيع تلقائياً معرفة الفرق ما بين الحقيقة والخيال، بالتالي عندما يتخيل الإنسان شيء مخيف ويدع نفسه ينساق مع الخيال ولو قليلاً يتصرف الجهاز العصبي وكأن الخيال حقيقة ويحدث في الجسد كل أعراض الخوف حيث يتحفز الجسد لما يسمى بحالة المواجهة أو الهروب حيث يفرز الأدرينالين والكورتيزول ومواد أخرى تزيد الطاقة في العضلات الكبيرة من الجسد وترفع ضغط الدم وتسرع من ضربات القلب استعداداً للمواجهة أو الهرب. بما أنه مجرد خيال فليس هناك سبب للحركة أو اتخاذ أي قرار بأي فعل في اللحظة الآنية وبالتالي لا يستخدم الجسد هذه الهرمونات والمواد الكيماوية مما يتسبب في إرهاق الجسد بلا جدوى، وكأن الجسد عبارة عن سيارة يدع راكبها على البنزين والفرامل في نفس الوقت فتهدر الطاقة بدون أن تتحرك السيارة.
نوبات الذعر والهلع عموماً معناها النفسي هو أنك لا تعيش الحياة التي تريدها. نحن جميعا معرضون للمرض والموت في أي لحظة. الإنسان يفهم الأشياء بضددها، وبالتالي لا بد من وجود المرض لنفهم ونقدر ونستمتع بالصحة، ولا بد من وجود الموت لكي نفهم ونقدر ونستمتع بالحياة ونقدر قيمتها. إن كنّا سوف نموت غداً فلا ضير، بل من الحكمة والذكاء أن نستمتع بكل لحظة متاحة.
ابدأ في الانغماس في الحياة وممارسة الهوايات والاهتمامات البنّاءة لك وللآخرين، تعلم وانقل معلوماتك للآخرين. كل هذا في إطار توجه واحد وهو الارتقاء عن طريق المرح، اجعل وظيفتك ومهمتك في الحياة أن تكون أفضل وأفضل مع الحرص على تعديل رؤيتك للأمور بحيث تبقي نفسك في حالة جيدة وإحساس جيد مهما كانت الظروف. إذا صدّقنا الله عندما يقول "فإن مع العسر يسراّ، إن مع العسر يسراً"، فسوف نستطيع أن نقول لأنفسنا بمنتهى الإقتناع بأن هناك يسر مع العسر وفوائد مع أية مشكلة.
إذا ركزنا على إيجاد الفوائد التي تأتي مع المشكلة فسوف نستطيع الحفاظ على حالة جيدة في خضم المشكلة، وإذا نفذنا أمر الله في الجملة التي تأتي بعدها "فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب" فسوف نستغل أوقات الفراغ في ممارسة الرياضة (النصب هو إجهاد الجسد أو الحركة حتى التعرق) والإرتقاء إنسانياً وروحياً.
كلنا سوف نموت لا محالة. استمتع بحياتك وبنعم الله عليك مهما صغرت في نظرك من قبل أن تنتهي هذه الحياة. خوفك من الموت لهذه الدرجة يشبه أن تدخل السينما لتشاهد فيلم كوميدي ولكنك تبقى حزيناً وتعيساً طوال الفيلم لأنك تعلم أنه سوف ينتهي في خلال ساعتين، فتتحسر على انتهائه القادم بدلاً من الاستمتاع بما يحدث في الوقت الحالي.
الأدوية قد تساعد ولكن يجب تغيير الأفكار والتركيز إلى جانب استعمالها. من ناحية أخرى لا يجب استعمال الأدوية أو إيقاف استعمالها بدون استشارة الطبيب.
أنصحك بمراجعة معالج نفسي لكي تبدأ في التدريب على الإدراك والسلوك السليم
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.