لا أعلم ما مشكلتي
عانيت من مواقف كثيرة بالطفولة عانيت من سوء فهم عائلتي بأني قد تعرضت للاعتداء الجسدي وأصبح الأمر بالعائلة معايرة دائما كانوا يذكرونني بما حصل وإن غضبوا علي يعايرونني به وأنا طفلة لم أتعرض للاعتداء الجسدي
وحينما أتذكر ما عشت من طفولتي أغضب وأريد أن أفعل شيئا يضرني، أشمئز مني وأكرهني فعلت كل شيء لأتخلص من هذا الغضب لكن لم ينجح شيء وأكره كل من عاداني بطفولتي أريد التخلص من الغضب الذي بداخلي رأسي يؤلمني بمجرد التفكير بما عانيت
21/5/2020
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم، الابنة الفاضلة "جنى" حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،، أهلا وسهلا بك في موقعك، وندعو الله أن يحقق لك الآمال ويصلح الأحوال
الابنة الكريمة: الإساءة العاطفية من أفراد الأسرة تعد أحد أنواع العنف الأسري، فالعنف لا ينحصر فقط في العنف الجسدي، بل هناك أنواع من العنف تسمى الابتزاز أو الإساءة ومنها الإساءة العاطفية - أو ما يسمى بالعنف النفسي-، هذا العنف إذا حدث تحت سقف البيت - أي كان المُعنّف من أحد أفراد الأسرة- يعتبر عنفا أسريا
ويعتقد كثير من البشر أن العنف النفسي مقبول به ومبرر، ويدرجونه تحت مفهوم "المشاكل الأسرية"، وهو من أكثر أنواع العنف انتشارًا في المجتمع، بل وأصعبها في القدرة على تمييزه أو معرفة مدى أثره، وذلك لعدم وجود آثار مادية ظاهرة على الضحية، ومع الأسف، يغزو هذا النوع من العنف الحالة النفسيّة للشخص، ويترك أثراً سلبيّاً سيئا في نفس الشخص المقصود بالعنف، لذلك يُطلق عليه اسم "الإيذاء العاطفيّ"، ومن أساليبه الحرمان من الحنان والمحبة، والتهديد والتخويف، أو الإيذاء اللفظي بألفاظ مؤذية تسبب احتقارًا لنفس الضحية، كالسب، والشتم، والقذف، أو جرح المشاعر، وإشعار الضحية بالسوء تجاه نفسها، أو إطلاق مسميات سيئة على الضحية (المعايرة)، وجعلها تعتقد بأنها مسؤولة عن ما حدث، أو التكبر على الضحية وإذلالها وإشعارها بالذنب
ولا أدري ما هي الأسباب التي دفعت أفراد أسرتك للتعامل معك بهذا العنف، كما أنك لم تتطرقي للحديث عن هذا الجانب في رسالتك، فهذا العنف من جانب بعض أفراد الأسرة قد يحدث لأسباب اجتماعية تتمثل في العادات والتقاليد التي يرثها الأبناء عن الآباء والأجداد، أو اقتصادية بسبب ظروف المعيشة الصعبة والضغط النفسي الناتج عن البطالة، أو فقدان الوظيفة، أو تراكم الديون، أو نتيجة لدوافع ذاتية ونفسية نابعة من داخل الإنسان تدفعه نحو ممارسة العنف، بسبب سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة في تعاملها، فتؤدي به إلى صعوبة التحكّم بالغضب، وتدنّي احترام الذات، والشعور بالنقص، واللجوء لتعويض هذا النقص بإلحاق الأذى والضرر بالآخرين، مما يترك الأثر السلبي في نفوس الآخرين .
أيضا قد يحدث هذا النوع من العنف بسبب ضعف الوازع الديني والأخلاقي وسوء الفهم، وغياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة، واضطراب العلاقة بين أفراد الأسرة، أو بسبب إصابة المعتدي باضطرابات النفسية كاضطرابات الشخصية، أو تعاطي الكحول والمخدرات، ولا ننسى الإعلام وثقافته حيث يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تفشّي العنف في المجتمعات.
ابنتي الكريمة: ما تعانين منه الآن من شعور بالغضب وكراهية للنفس والصداع المتكرر ما هو إلا نتاج الآثار السلبية السيئة الناتجة عن تعرضك للعنف النفسي من جانب أفراد أسرتك حيث يتسبب العنف النفسي في نشوء العقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية، كما قد يؤدي إلى الإصابة بالإحباط وخيبة الأمل نتيجة الشعور بالظلم، والشعور بالقلق والاضطراب نتيجة الهيجان الداخلي وعدم الحصول على قدر كافٍ من الحنان والأمان والمحبة، وقد يؤدي للإصابة بالاكتئاب والانطوائية والعزلة نتيجة التعرض للاحتقار والتهميش، وفقدان الثقة بالنفس وتقليل الاحترام للذات بسبب كثرة التقريع التي تفقد الجرأة على إبداء الرأي والتعبير عن النفس أمام الآخرين
أما الآثار السلبية للعنف النفسي من الناحية الجسدية فتتمثل في فقدان الشهية، واضطراب النوم والأرق، والشعور بالآلام الجسدية والصداع، وقد يؤدي إلى التفكير في إيذاء النفس والانتحارحيث يؤدي العنف المستمر ضد الفرد واحتقاره وإشعاره بالنقص إلى شعوره بحالة من التعب واليأس وفقدان الأمل من الحياة، والرغبة في الموت، ما يدفعه إلى الانتحار.
ابنتي الكريمة : السبيل الوحيد للخروج من دائرة العنف النفسي المنزلي هو اتخاذ إجراء عملي وعدم إخفاء المشكلة والسكوت عليها، والخطوة الأولى هي إخبار شخص ما تثقين به بشأن الإساءة، سواء كان صديقًا أو قريبًا عزيزًا أو موفر الرعاية الصحية أو مستشارًا دينيًا أو أي شخص آخر موثوق به يمكنه أن يساعدك لوقف هذا العنف تجاهك في حال اذا كان مستمرا، أما اذا لم يكن هذا العنف مستمرا ولم يعد سوى ذكريات من الماضي في عقلك فابدئي بالخطوة التالية وهي ما نسميه "باستراتيجية تغيير الماضي" وهي من الركائز الرئيسية في استراتيجيات التفكير، وتحويله من تفكير سلبي إلى تفكير إيجابي، فلا أحد يستطيع تغيير الماضي، ولكننا نستطيع النظر مرة أخرى في تجاربنا المؤلمة، لنتعلم منها، ونكتسب المهارات التي تضمن لنا مواجهة أفضل مع مواقف مستقبلية شبيهة
ولا تحتاجين لتنفيذ تلك الاستراتيجية إلا لخطوات بسيطة وسهلة، أولها هي أن تتذكري التجارب السيئة التي حدثت في الماضي، وفكري وقتها كيف كانت أحاسيسك وسلوكياتك وكيف كان رد فعلك؟ بعد ذلك فكري فيما تعلمته من تلك التجربة السيئة، وما هي الدروس المستفادة منها والمهارات التي اكتسبتها، تخيلي نفسك وقد عدت مرة أخرى لنفس التجربة السيئة، ولكن الآن وأنت تمتلكين المهارات المناسبة لمواجهة هذه التجربة السيئة وطبيقها في هذا الموقف، حينها ستشعرين أنك أفضل لأنك أحسنت التصرف واستخدمت المهارات والخبرات التي تعلمتها من الماضي، وإذا تخيلت نفس الموقف في المستقبل، وأنك تواجهين تحدي التصرف معه ستجدين أن عقلك أصبح ماهرا وسيجتازه بسهولة
بتكرار ممارسة هذه الإستراتيجية تستطيعين جعل الماضي المؤلم كنزا من التجارب والخبرات والمهارات، فليس الماضي إلا كنزا من المهارات والخبرات والتجارب، بدونها يتخبط الإنسان في الظلام، وليس فقط ممارسة إستراتيجية تغيير الماضي هي من تجعلك أكثر تصالحا عند التعامل مع التجارب المؤلمة، ولكن هناك أيضا العديد من الطرق التي تساهم في وصولك إلى ذلك، و منها التسامح، تبديل ذكريات الأماكن، والتفكير في مشاكل الآخرين ومعاناتهم وكيف أنها قد تفوق بمراحل آلامك ومعاناتك.
ابحثي – يا ابنتي – عن ما هو جميل وسعيد في حياتك وركزي عليه، فليست كل حياتك معاناة ولحظات قاسية، وإذا كنت لا تزالين تشعرين بالظلم، ففوضي أمرك إلى الله، واعلمي أن عدل الله وكرمه يفوق كل شيء، وانسَي الإساءة، وانتظري كلمة الله وحكمه وتعويضه، فإن تعويض الله لك عما لاقيته لا يضاهيه تعويض.
واعلمي – ابنتي الكريمة – أن لا أحد منّا بلا ماضٍ، ولا ماضٍ بدون ذكريات مؤلمة، ولا أسوأ من ذكريات ماضي تحاصر حاضرنا وتعرقل مستقبلنا، وبغض النظر عن طريقة تعامل كل منّا مع ماضيه، فهناك من يبقى أسيرا لتلك اللحظات المؤلمة، وهناك من يتذكرها بين الحين والآخر، وآخرون من يجاهدون سنوات للقضاء عليها، إلا أنك لابد أن تنجحي في الانتصار عليها حتى تنعمي بحياة سعيدة ومستقبل آمن .
وفقك الله ورعاك، وبالله التوفيق.