سوسة الرأس
يعطيكم العافية. لقد قرأت استشارات عديدة وشكراً للجهود وأتمنى أن أجد عندكم توصيف دقيق لحالتي. ما يحصل لي كما أسميه أنني التقيت بمدير في عمل سابق لي، بعد فترة تطورت حالة إعجاب تجاهه من شخص عادي أستلطف الحديث معه أحياناً في إطار العمل إلى مكان أبعد، يكبرني بعشرة سنين وهو غير متزوج، يوما بعد يوم أحسست أني أهوي باتجاهه، وهو معجب بي لدرجة كبيرة لكنه من الأشخاص المُبهمين تقريباً.
شدّني إليه شخصيته القوية ورائحة عطره وأسلوبه وحالة أمان شديدة بحضوره ونبرة صوته، تحولت فيما بعد وبمرور الأيام إلى شعور غريب مسيطر وحالة انجذاب لم أستطع مقاومته خاصةً أنه يتعمَّد التصرف ببرود وأنا دائما أحافظ على ملامح جامدة معه، أي لا أدعه يعرف ما في داخلي من هذه المشاعر التي لا أميزها.
المهم: غادرت العمل بعد فترة لظروف عامة وانقطعت حالة التواصل بيننا، وأنا أعيش حياتي بشكل طبيعي لكنه لا يخرج من رأسي، أتذكره بحب فأفرح تارة وأحزن تارةً أخرى، ومرات عديدة أتمنى التواصل معه وكأنه خلفية لكل مشاهد حياتي، أحادثه في رأسي ولا يمر يوم لا يخطر لي.
سؤالي: ما هذه الحالة؟ وما توصيف هكذا نوع من المشاعر؟ أهو تعلق بشيء مفقود منذ الطفولة أسقطها على أناس مُعيَّنين؟ أم طبيعة مشاعري غير مستقرة؟ أم نزوة حيث راودتني حالة انجذاب جنسي له مرة؟ أم فراغ؟
علماً أنني متزوجة عن حب منذ أكثر من ثلاث سنوات وعلاقتي مع زوجي جيدة. حاولت أن أشرح بالمفيد.
أرجو الرد وشكراً جزيلاً لكم.
19/6/2020
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا "نايا" على موقع مجانين، ونشكر استعمالك للموقع.
رسالتك رغم قصرها توضح شخصيتك شيئا ما، شخصية ذات أفكار منظّمة، تعبر عنها بشكل منظم وهادئ، شخصية متأمّلة في عالمها الداخلي ومنتبهة للتفاصيل وهذا شيء مبشّر، لأنّك ستحتاجين هذه السمات لتخرجي بنفسك من هذه الازدواجية، قد يكون سلاحا ذا حدّين، مما جعلك أكثر انتباها لمشاعرك وأكثر انشغالا بما حصل لك، بالتالي صرت أكثر استحضارا لهذا الشخص في حياتك.
سنتفق أنّ هذه الحالة قد تحصل للكثير من السيدات والسادة، وبحجم أكثر من المتوقّع، رغم أنهم متزوجون، البعض يتحدث عنها مثلك، والأغلبية يكتُمها لأن المجتمع ينظر لها نظرة متوجسة، ويتّهم أصحابها حتى دون تبعات سلوكية لهذا التقلب العاطفي. أسباب هذا التقلب العاطفي قد تكون متعددة، تجدد مشاعر الإعجاب والميول لشخص غير الذي تزوجنا به ممكن وطبيعي على أن يكون عابرا، وإلا صار مصدرا للصراع أو إرهاصات للخيانة أو الطلاق. لذلك أحببت أنك لو وصفتِ حالة زواجك أكثر. نعم تزوجت عن حب، لكن ماذا اكتشفت وكيف كانت الحياة الواقعية مقابل الصورة التي كنتِ تتصورينها.
وصفُك للعلاقة مع زوجك بأنها "جيّدة" وصف مقتضب جدا، بل هي علامة على تقييمٍ "بالحدّ الأدنى"، قد يدلّ على علاقة سِلميّة وهادئة، لكنها تفتقد للشغف والحرارة اللذان تحتاجينهما، تفاهمٌ وتعامل راقٍ لكنه يخفي وراءَه إحباطا وبرودا، علاقة يغيب فيها الزوج معظم الوقت..... خصوصا أن هواياتك توحي بأنّك امرأة مُرهفة الحسّ لديها علاقة "شاعرية" مع الأصوات والحركات، تحتاج جُرعات عالية من الاهتمام ومشاركة شغفها مع زوج ربما لا يُقدّر (كفايةً) ما تفعلين وما تُحسنين. مجرد قراءة لي بين السطور، قد أكون مخطئا وننتظر إفادة أخرى منك تؤكد أو تنفي ما قلتُ.
بالنسبة لما تصفين به مشاعرك اتجاه ذلك الشخص، فهو صورة أقرب للحبّ منها للإعجاب، إحساس بالأمان، إدمان على نبرة الصوت، انشغال به..... أعتقد أنّ استطرادك في التفكير به وبتلك المشاعر واجترار الأحاسيس جعلت الأمر يتضخّم، ولا ننسى أمرا مُهمّا، ربما أنت من النساء اللاتي يأسرهنّ الغموض والتعامل البارد ! كلما كان الرجل غامضا مُبهما زاد الإعجاب وحب الاكتشاف، فيتحوّل ذلك الفضول لنوع من mystification وانشغال بصورة مثالية ولذيذة عن "الآخر"، تغذّيها الخيالات، والافتراضات، والانطباعات الخادعة المفتقرة للمعطيات الواقعية التي ما إن كانت إلا وانتقصت من الصورة المثالية لذلك الشخص.
أو لأنّه أظهر اهتماما ولباقة تضعفين أمامهما، قلتِ أنّه مُعجب بك، وربما هذا ما جعلك تضعفين أمامه، الناس أنواع، ومنهم من يُعجب بمن يهتم به ويُعجب به، هذا شيء قد لا يُمكن المرء تفاديه وتغييره، لكنه على الأقل يُمكنه أن يُعقلنه وينظر في عواقب ذلك الإحساس والتعلّق حتى يكبح تأثيره عليه. بعد أن يتقبّل أنه من الأشخاص الذين يضعفون أمام الاهتمام والإعجاب.
هناك احتمال أخير، مع أنّ الأعراض لا ترقى له، هو أن يكون وسواس حبّ، نعم يوجد نوع من الوساوس يكون موضوعها الحب. سأعطيك بعض الروابط لقراءتها بخصوصه. والنصيحة مع هذه الحالة هي تجاهل الأفكار المتعلقة به وعدم استرجاع المشاعر في المواقف معه، وعدم محاولة فهمها وصدّها.
وأخيرا أنصحك بأن تراجعي علاقتك مع زوجك وتفتحوا حوارا جادا وشفافا بخصوص حاجياتك وما ينقصك وسط تلك العلاقة فمن حقك أن تطالبي بما تحتاجينه مهما كان يبدو تافها عن الآخرين، وحدك من يعلم قيمة حاجياتك النفسية (طبعا لا تحدثيه أبدا عن ذلك الشخص) وانظري كيف ستكون النتيجة، وحاولي أن تتقربي له وتدخلي عالمه كما تُحبين أن يفعل ذلك من أجلك.
تمنياتي لك بالراحة.
واقرئي على مجانين:
وسواس الحب المرضي : هل العشقُ إلا وسواس؟ م
قمع الأفكار: وعملية العقل الساخرة