اكتئاب وقلق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أستاذي العزيز، أنا أتعبني مرضي وقررت أن أسرد في موقعكم الكريم قصتي كاملة منذ الصغر لعلي أجد عندكم التشخيص الحقيقي لحالتي. القصة طويلة للغاية لهذا أنا أعتذر من سيادتكم وأود أن تكون استشارتي سرية.
أنا شاب عمري 25 سنة، في صغري كنت أدرس جيداً وأحصل على المراتب الأولى وأعمل بجد، وكنت كثير الحركة وذكي ومتفوق، وكنت أتكلم بسرعة وخفيف العقل في المرحلة الابتدائية والإعدادية، وعند الوصول للمرحلة الثانوية (عند 15 سنة) ومع التغيرات الفيسيولوجية التي تحصل للمراهقين بدأت أنجذب للفتيات كثيراً وكنت خجولاً وحساساً بعض الشيء، وللأسف كانت تقع لي بعض الضغوطات وكنت أتجه للعادة السرية والأفلام الاباحية وأصبحت مع الوقت مدمناً عليها، وكنت أؤنب نفسي كثيراً بعدها، واستمررت هكذا وبدأت أحس باكتئاب وعسر بالمزاج وأني أقل من الآخرين أحياناً، وأصبحت تستنزفني بعض الأمور الصغيرة، ثم بدأ مستواي الدراسي يقل شيئاً فشيئاً مع قلق شديد كالرهاب وامتناع عن الدخول للفصل أحياناً لأنه كانت تأتيني فكرة أن الناس يراقبونني ويراقبون تصرفاتي وينتظرون أي زلات مني، وكنت أحب أن أكون مثالياً خصوصاً أني تعرضت لبعض التنمر على الشكل في سنين مراهقتي الأولى وكنت أتفاعل معه بشكل سلبي وحساسية زائدة، كنت أعرف أن هذه مجرد أفكار وأن الناس منشغلة بمشاكلها وأني أبالغ، ولكن هذا الشعور لم يكن يفارقني. وبعد تجاوزي للبكالوريا تفاقم معي الأمر بدرجة كبيرة وأصبحت أتجنب الناس والذهاب للجامعة، وزاد انغماسي في العادة السرية إلى أن جاء ذلك اليوم الذي فجّر كل شيء.
عندما صار عمري 20 عاماً وفي أحد الأيام كنت أشعر بقلق وببعض الضيق وحصل لي رفض عاطفي وأردت الهروب، فتناولت مخدراً مغربياً يسمى "المعجون" يصنع من الماريجوانا، تناولته أنا وصديق لي، وبعد بضع دقائق أحسست أنني رُفِعتُ للسماء وزاد ابتهاجي لدرجة كبيرة وبدأت أضحك ضحكاً هستيريا لمدة طويلة كأنها نوبة هوسية لدرجة أني كنت سأُجن من الضحك، وفمي صار ناشفاً من اللعاب، وبدأ العالم يبدو لي ضبابياً، وبعد مدة أحسست أن هناك شيئاً ليس على ما يرام، وأحسست برعب شديد لم أحس به في حياتي، وبدأ قلبي يضرب بقوة، وأصبت بطنين قوي، وفي فترة أحسست أن قلبي توقف تماماً وظننت أني سأموت، ثم انفصلت عن الواقع وكأنني بدأت أحلل من مكان لا أعرف أين، وكأنني انفصلت وأرى نفسي من الخارج، كنت أقول في نفسي وأنا في تلك الحالة "لقد جننت، أنا لن أستطيع العودة إلى بيتي الآن، هذه نهايتي" وأحسست بحرارة شديدة وأنني أتعذب في النار، وكنت في خوف رهيب لا يعلمه إلا الله، ومجرد تذكري لهذه الحادثة يبعث فيّ بعض الخوف إلى الآن، ثم كنت أنقطع تماماً وأسير من غير إدراك ولا أعرف كيف كنت أمشي وأعقل الطريق في تلك الفترة، وعندما ذهب تأثير المخدر بعد أكثر من ثلاث ساعات شعرت بشعور لم أحس به من قبل حيث أن العالم تغير وبدا لي سوداوياً ومخيفاً وكنت أحس بخوف من المجهول، والوقت مر علي في تلك الليلة طويلاً وأنا مصدوم من هول ما رأيت، لم أنم تلك الليلة وأصابني صداع شديد لدرجة أني كنت أود أن أضرب رأسي في الحائط وكأني كنت أتصارع مع عقلي لكي لا أُجن.
في الغد كنت لازلت مصدوماً وغير مستوعب لدرجة أن أبي أرسلني لآتي له بشيء من المنزل وأخطأت مرتين وكنت آتيه بشيء آخر بسبب قوة النسيان والخوف والصدمة! تكلمت بسرعة مع صديق لي عبر الهاتف وقال لي هذا شيء عادي واقترح عليّ أن أذهب وأفرغ بعض الماء البارد على رأسي، دخلت فعلاً وأخذت حماماً بسرعة، وعند الخروج انبعثت رائحة كريهة مني، انتبهت والدتي لهذه الرائحة وقالت لي "افتح فمك" الغريب أنه كانت رائحة الماريجوانا تخرج من جسدي! المهم بعدها حكيت لها القصة وذهبنا لطبيب نفسي وصف لي أدوية "ديروكسات وميديزابين وزانكس" وعندما استعملتهم أحسست براحة كبييرة ولكن لا زال هنالك شيء على غير ما يرام، لم أرجع طبيعياً بنسبة 100%.
تناولت الدواء لثلاثة شهور ثم توقفت عنه لأنني أحسست ببعض التحسن واستغنيت عنه أيضاً تحت ضغط الوالد الذي لم يرد هذا الدواء خصوصاً أن لي أخت تتناول أدوية نفسية وهي أيضاً ربما تعرضت لصدمة، هذا فقط من تحليلي فأنا لم أسألها.
المهم بعدها عادت لي حالة عدم الثقة وشعور بأن نظرتي للعالم تغيرت وأصبح العالم كئيب وسوداوي ومخيف خصوصاً في الليل، عندما أخرج أحس وكأن العالم خانقٌ عليّ أو لا أعلم كيف أفسر هذا الشعور، ربما لأن تلك الحادثة حدثت لي بالليل، فهل يوجد ترابط عصبي أو ما شابه ذلك؟
وأعاني من مثل الصفير أو الصداع في رأسي جهة الأذن اليمنى، وضبابية أو زغللة وعدم وضوح الرؤية كأن شيئاً متغيراً أو كأن هنالك حجاب.
الآن بدأت أحنق على نفسي وأنا في هذه الحالة الضعيفة، وأرجع كل شيء لنفسي تحت ضغط والدي الذي أصبح يقول لي أنت السبب لأنك استعملت المخدر، وأن ذلك المخدر هو السبب في ما حصل لك، وأتت بعدها فترة أحسست أن الله غاضب عني وعاقبني خصوصاً أني كنت أعصيه وأتفرج على الأفلام الإباحية التي لم أكن أحبها، وأني عصيته باستعمالي لهذا المخدر .
عزمت على الرجوع إلى الله وأصبحت متديناً بشدة، وأصبحت مع هذا أقول ماذا تسوى هذه الدنيا، نحن هنا لعبادة الله فقط، وبدأت آخذ الأمور على محمل الجد بشكل كبير جداً.
المهم بعدها عدت لزيارة طبيب لأني لم أستطع تحمل الأعراض، وأعطاني أدوية أخرى للاكتئاب كانت تساعدني صراحةً بشكل معين، لكنها لم تكن علاج نهائي، وكنت أتوقف لأن تلك الأدوية كان مفعولها لحظي لأنه بقي الخوف والسوداوية في الليل بنسبة معينة، كما كانت تسبب لي نوم شديد وخمول.
الآن مرت 5 سنوات وأنا لازلت أعاني حيث تأتيني أحيان أشعر فيها في الصباح بأنني قادر على إحداث تغييرات في العالم ودعوة الناس إلى الله إذا وجهت حياتي توجيهاً صحيحاً وكنت منتجاً، وتأتيني همة عالية، وفي الليل يتغير مزاجي وأصبح مكتئباً للغاية وتضيق عليّ الدنيا، ويستمر هذا. وفي بعض الفترات تأتيني همة لأن أفعل العديد من الأشياء وأضع خطة مثلاً "أنا سأتعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية في ظرف ثلاث سنوات، وسأفهم تفسير القرآن، وأحقق بعض الأهداف" وأعزم بثقة، وبعد فترة قصيرة ربما بعد يوم أدخل في فترة اكتئاب كبيرة وأحس بفقدان الثقة في النفس وفقدان الطاقة وضيق التنفس والانطواء والانعزال وزيادة الشعور بالنوم، وأبقى حبيس غرفتي لدرجة أني أخاف حتى من الخروج، وهذا أغلب حالي هو الاكتئاب.
أنا لا أعلم إن كان تشخيصي خاطئاً طوال هذه المدة، لكن أحياناً أحس بثقة وأضع أهدافاً وأصمم، وأحياناً أقول أنني فعلاً قادر على إحداث تغيير كبير، يأتيني هذا الشعور على فترات متقطعة، ويتغير مزاجي بعدها وأدخل في اكتئاب شديد.
من خبرتك دكتوري العزيز هل هذا اكتئاب عادي؟ أم اكتئاب ذُهاني؟
للعلم عندما تناولت المخدر دخلت في نوبة ضحك هوسية استمرت لوقت قليل، ودخلت بعدها مباشرةً في نوبة رعب وخوف استمرت لأكثر من ثلاث ساعات. هل يكون هذا نتج عنه اكتئاب ذهاني القطب الاكتئابي فيه هو الغالب بحيث المزاج يتغير في اليوم أكثر من مرة؟ جزاك الله أفضل الجزاء على ما تقدمه لنا من مساعدات.
5/7/2020
رد المستشار
ما عليك إلا أن تنسى ما مر بك من تجربة تناول الحشيش، وما حدث من تغيرات نفسية وجسدية، وأيضاً انسى إدمانك للعادة السرية ومشاهدتك للأفلام الإباحية، ليكن ذلك من الماضي وقد ولى. عليك أن تستفيد من الدرس الذي مررت به، ولا حاجة بك إلى أن تنظر إلى الخلف، فما مرّ قد مر.
من خلال الدراسات التي تناقش العلاقة أو الارتباط بين الإدمان والأمراض النفسية يتبين أن الأمراض النفسية لها علاقة مباشرة بالمخدرات، وفي هذه النقطة نتحدث عن بعض أنواع المخدرات التي لها تأثيرات عميقة على النفس البشرية بحيث تصيبها بالأمراض، بل إنها ترتبط بالإصابة بأمراض العقل والجهاز العصبي لما تحتوي عليه من عناصر شديدة الضرر والسُمٍّية على خلايا المخ والجهاز العصبي، وهذا ما حدث معك عند تناولك عقار الحشيش والأعراض السمية التي ذكرتها في رسالتك.
إلا أنني أحب أن أوضح لك أن هذه الدراسات وغيرها من الأبحاث العلمية التي تحاول أن تبين أيهما يسبق الآخر، هل الإدمان يسبق المرض النفسي؟ أم أن المرض النفسي والاضطرابات والضغوط النفسية الحياتية هي التي تسبق الإدمان وتتسبب فيه؟ والحقيقة أن كلاهما له علاقة وصلة وطيدة بالآخر، فالكثير من الحالات التي تعاني من الاضطرابات النفسية في بدايتها مع بعض ضغوط الحياة والتعرض للمشكلات الحياتية الصعبة التي لا يوجد لها حل في بعض الأحيان، عندها يهرب الإنسان ويلجأ إلى عامل وهمي وهو عالم المخدرات الذي يعطيه السعادة لساعات معدودة ثم يَسلُب تلك السعادة ليرجع الإنسان إلى واقعه الأليم. وفي نفس الوقت فإن تلك الدراسات لا تؤكد أو تنفي ارتباط الحشيش بشكل مباشر من خلال أضراره بمرض الفصام، أم أن المدمن قد يكون على استعداد للإصابة بهذا المرض، ويبقى الحشيش في هذه الحالة عاملاً مساعداً، وليس عاملاً رئيسياً، لكن هذا لا ينفي بالطبع ضرر إدمان الحشيش وارتباطه بشكل أو آخر بمرض الفصام العقلي واضطرابات الشخصية، رغم أنك لم تكن تكرر التجربة (فعلتها فقط مرة واحدة).
ولطالما أنك ابتعدت عن الحشيش فلا يمكن أن نعزو ما أنت فيه من الاكتئاب إلى الحشيش, بل عوامل وضغوط الحياة والتعرض للمشكلات الحياتية الصعبة أو هو استعداد وراثي (ربما أختك التي تتناول علاج نفسي).
الواضح من رسالتك هو إصابتك بالاكتئاب مع بعض من أعراض خفيفة مما يعرف بـ "تحت الهوس".
المشاعر السوداوية والمزاج المتغير في حالتك في اليوم الواحد أكثر من مرة يعرف بـ "المرض القطبي الثاني Bipolar II".
وما ذكر في رسالتك من مشاعر اغتراب عن الذات ونظرتك بغرابة العالم وكأن هناك حجاب يُفسّر اضطراب الأنا لديك والتي ترافق الاكتئاب، وهذا يعني أن الاكتئاب بحاجة إلى علاج.
بما أنك ترددت على طبيب وصرف لك من الأدوية، فالمهم الآن أن تعود للطبيب لتقييم الحالة لديك، ولا تتنقل من طبيب إلى آخر إلا إذا نصحك الطبيب بذلك.