كثرة القلق والتفكير وجلد الذات!
حالة أبي الصحية والنفسية
مشكلتي هي أبي، وهو يبلغ من العمر 73 عاماً. سأتكلم قليلاً عن أبي قبل ذكر المشكلة، هو ينحدر من أسرة تتكون من 3 إخوة وأختين، توفي والده وهو صغير، واكتفى والدي بالتعليم الابتدائي ثم انخرط في العسكرية وانخرط في حروب كثيرة في سوريا في فترة السبعينات وحرب الخليج.
تزوج أبي من أمي عام 1975 وكان زواجاً سعيداً حسب قول أمي فهو كان شخص طيب ولطيف وصاحب مسؤولية رغم انشغاله الكبير بعمله، حتى كبر الأولاد وبدأت مشاكلهم وشغبهم ومراهقتهم المجنونة، وكانت حسب قولها "أنا التي أتحمل كل هذا" بينما هو كان لديه جانب كبير من اللامبالاة.
ثم خاض والدي حرب الخليج سنة 1990 واستمر بعدها في العسكرية 5 سنوات وتقاعد عن العمل سنة 1995.
أنا كنت صغيرة جداً لأرى أفعال والدي وأفهمها لكني أنقل لكم ما قالته أمي عن والدي ورأيته أنا بنفسي، فبعد التقاعد تقول أمي "ظننت أنه سيكون لدينا الوقت الكثير لنهتم بحياتنا سوياً ونسعد بها لكنه كان يتهرب من مسؤوليات الأولاد، ويسافر لأجل المتعة الجنسية مع النساء ضارباً بمشاعري عرض الحائط".
في عام 2000 كنت أنا أبلغ من العمر 8 سنوات، ويومها كان أبي يشاهد المباراة بفرح وحماس، وفي نهاية المباراة عندما أراد والدي القيام شعر بثقل في يده ولسانه وأصابته سكتة دماغية، هرعنا به للمستشفى ونجا منها يومها، واستمر والدي في حياته بشكل طبيعي جداً (نومه واستيقاظه وذهابه للمسجد ومسؤولياته تجاه منزله إلخ) لكن رغبته الشديدة بالنساء جعلته بعيداً عنا كأب وكزوج تجاه أمي، ففي عام 2003 سافر أبي لبلد عربي أعتقد لغرض الزواج من امرأة عرفياً والنوم معها لحين عودته، واكتشفت أمي الأمر وبدأت المشاكل والصراع بينهما لكن والدي كان كل همه هو الوصول لما يسعده بدون الاهتمام لمشاعر أمي أو لنا، وقد سافر السنة التالية والتي بعدها لنفس السبب، ومع كل سفر تعود المشاكل والانفعال والصراع بين أبي وأمي، ولكن ردة فعله دائماً باردة نحوها.
في عام 2008 تزوج أخي الكبير من فتاة والدتها مطلقة فطلب أبي الزواج من والدتها وقبلت المرأة به ليبدأ صراع من نوع آخر بين أبي وأمي، وكان أخي بينهما لا يدري ماذا يفعل أو يتصرف، واستمر والدي بالزواج من هذه المرأة 3 سنوات كلها صراع وتشابك بالأيدي بين أبي وأمي وغضب وصراخ وعنف وإهانة وطرد من المنزل من قبل أمي تجاه أبي، ونحن كنا لا ندري ماذا نفعل، وكنا نقول "لتفعل أمنا ما شاءت" لأنها في حالة غضب من هذا الزواج الغير معقول.
جاءت فترة لأمي تركت والدي في حاله ولم تعد تتدخل به، وطلق والدي زوجته بإرادته الشخصية دون تدخل لكنه أرجع زوجته لذمته ثم طلقها مرة أخرى، ثم طلب عودتها لكنها هذه المرة رفضت الرجوع وطالبت بمؤخرها في المحكمة ودفعه والدي رغم رغبته برجوعها إليه، يومها رجع المنزل من المحكمة وهو في حالة حزن وصدمة وقال أخي أن أبي سيتعرض اليوم لجلطة بما أنه يذكره بطليقته، وفعلاً أصيب والدي بسكتة دماغية أخرى وأسعفناه في المستشفى ونجا منها.
بعد هذه السكتة (عام 2012) كان وضع والدي لا بأس به ولم تؤثر عليه الجلطة ولم يرجع لزوجته إطلاقاً وانتهت علاقته بها.
في عام 2014 أصيب والدي بسكته دماغية ثالثة فجأة ودون سابق إنذار، وكانت هذه السكتة مؤثرة جداً في حياته فمن بعدها تبدل حال والدي ولم يعد قادراً على القيادة، وأصبح لسانه يتكلم بصعوبة، وكان كثير البكاء على نفسه ويتأثر من أبسط شيء حتى لو قلت له "كيف حالك؟" يبادر فوراً بالبكاء، واستمر الوضع هكذا حتى الآن، لكن منذ سنة تقريباً تطور وضع والدي إلى وضع شديد السوء فلم يعد يميز الأوقات والزمن، ولا يميز الحمام من المطبخ أو الصالة، وأصبح يتبرز ويتبول في أي مكان، وأحياناً يخرج من المنزل في وقت لم ننتبه فيه إليه ونخرج للبحث عنه، وأصبح شديد العدوانية ويضربنا ويؤذينا بطريقة مؤذية جداً، وألاحظ أنه قل الكلام عنده فقد ينطق بعدة كلمات فقط، ولا يفهم ماذا نقول له، ولا يستجيب لمحاولة تهدئته فهو منفعل طول الوقت ومؤذي وعدواني، وأمي أصبحت كبيرة في السن ولا تستطيع تحمله.
ذهبت بوالدي إلى طبيب نفسي وعمل له أشعة مقطعية وأخبرنا أن والدي يعاني من نقص تروية في الدماغ بسبب الجلطات، وقد يكون لديه ما يُعرف "بالخرف الوعائي" نتيجة للجلطات الدماغية وهذا ما سبب له نقص الوعي والإدراك وكل ما وصل إليه حاله، وكتب له علاج risperidone 1 mg فلاحظت أن والدي تحسن لديه النوم وخفت العدوانية، لكن إخوتي لاموني لأني أُعطيه الدواء ويقولون أن له آثار جانبية سيئة وأجبروني على إيقافه.
ذهبت للطبيب مرة أخرى وكتب لي علاج آخر olanzapine 5 mg ربما بنظري هذا العلاج أفضل، فلقد تحسن لديه النوم لأنه كان يعاني من حالة أرق شديدة لكن العدوانية مازالت بل هي أسوأ، فلم نعد نستطيع أن نمارس أي نشاط في المنزل بسبب عدوانيته المؤذية تجاهي وتجاه أمي، خصوصاً أنه لم يبقى سوانا في المنزل بينما الآخرين انشغلوا بالزواج والعمل، وأصبحت أخاف أن أترك أمي وحدها معه في المنزل حتى لا يحاربها ويؤذيها ولا تستطيع الدفاع عن نفسها لكبر سنها.
أحياناً تقول أمي أن والدي تدهورت صحته أكثر بسبب مشاكل إخوتي الشباب قبل أن يغادروا المنزل، وأعتقد أن هذا صحيح فلقد كانوا إخوتي كثيري المشاكل والصراع أمام والدي بدون أي احترام أو تقدير للوضع الصحي، وكنت أشعر أن والدي يخاف من هذه المناظر.
الآن يا دكتور ما الذي أستطيع فعله لحل هذه المشكلة؟ فأنا وأمي أصبحنا وحيدين في الحياة، ولقد عملت كل جهدي لأريحها لكن وضع والدي الصحي صعب جداً ولا أدري ماذا أفعل.
طلبت مرة تنويم والدي في المصحة النفسية لكنهم رفضوا بحجة أن وضعه مستقر ولا يتطلب التنويم. ماذا أفعل يا دكتور؟ هل من وسائل سلوكية أو علاجية أو غيره للتحسين من وضع والدي حتى لو بسيط ليقدر على عيش حياة طبيعية؟
ولكم الشكر
مع تحياتي.
10/7/2020
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
تشخيص الطبيب لصحة والدك صحيح، فهو يعاني من خرف وعائي، وحالته ستميل إلى التدهور تدريجياً بين الحين والآخر وأحياناً بسرعة.
والدك يعاني من مشاكل سلوكية بسبب الخرف الذي يعاني منه٬ ولكن السلوك العدواني بحد ذاته يشكل خطراً على الآخرين وعليه هو أيضاً، وهذا بدوره يتطلب عناية طبية نفسية.
لا يكفي أن يبقى المريض في البيت لرعايته من قبل الأهل٬ ومع وجود مشاكل سلوكية يجب أن يستلم رعاية تمريضية واجتماعية بصورة منتظمة قد تكون أسبوعية أو يومية.
يجب أن تتواصلي مع الطبيب المشرف على علاجه لتقييم مشاكل السلوك والبحث عن خطة علاج.
نقله من البيت إلى دار تمريضي لرعاية المسنين قد يكون هو الحل الأفضل.
لا أستطيع التعليق على استعمال العقاقير في حالته لأن ذلك يتعارض مع القواعد المهنية، وعليك اتّباع نصيحة الطبيب وليس الإخوة الأفاضل، كما أن استعمال العقاقير في حالته هو فقط للحد من شدة سلوكه العدواني.
وفقك الله.
واقرئي أيضًا:
السبه : خرف ألزهايمر (عته الشيخوخة)
التدهور المعرفي : السبه أنواع غير ألزهايمر !
ويتبع >>>>>: أبي صعب المراس م1