أشعر أنه أكثر من وسواس قهري
في البداية أعتذر عن الاستشارة الطويلة... أنا إنسانة ولدت في عائلة محافظة جداً وتفهم الدين بشكل خاطئ، والذي زاد الوضع سوءً أنهم كانوا بعيدين كل البعد عني، وكنت وحيدة وأشعر بالوحدة ولم يكن لي أصدقاء غير صديقة واحدة، وكنت أتعرض للتنمر في المدرسة بشكل متواصل ولا أحد يعلم بذلك.
التزمت منذ سن الـ١٢ وأصبحت أخاف من عذاب الله فالتزمت بشكل كبير لدرجة أني أقوم بالبحث عن قائمة المعاصي على شبكة الانترنت لكي أتجنب القيام بها، وكنت أجعل من أخطائي عظيمة جداً وكأنني لا أؤمن برحمة الله _أستغفر الله_ وأصبحت أوسوس كثيراً لدرجة أني أقوم بمسح مقابض الأبواب لكي لا ينقض وضوئي، أصبت حينها بشكل واضح بالوسواس القهري حتى في سب الدين برغم أنه كان لدي منذ الطفولة ولكن كنت أستطيع تجاهله والانشغال عنه فيذهب عني، ولكن الذي جعله يتأصل فيَّ هو الصدمة التي مررت بها حينما سمعت علماء يقولون عن الذي يسب الدين أنه لا تقبل توبته ويقتل ويعذبه الله عذاباً شديداً، ظننت حينها أني المقصودة فعشت في حالة انهيار لا يعلمها إلا الله، ثم حاولت أن أتدارك الوضع وتناسيت وعشت حياتي، وبعد مرور سنتين تذكرت الموقف مرة أخرى وانهرت وأصبت باكتئاب شديد ونوبة وسواس قهري أخرى، وتخطيت الوضع بعد ٦ أشهر.
بعد سنتين أخريين كانت آخر سنة لي في الثانوية، وكنت أمر بضغط دراسي شديد فرجع لي الوسواس القهري بشكل خفيف في البداية إلى أن استيقظت يومًا وكنت على فراشي وأستمع إلى ضوضاء شديد من المصباح فغضبت وخرجت مني كلمة مسيئة للدين (لا أعلم كيف خرجت! وكيف كوَّن عقلي هذه الجملة المسيئة! ولكن أشعر أنها كانت بإرادتي) وبعدما نطقتها مباشرة استوعبت أني قلت شيئًا كبيراً وانتابتني نوبة هلع وشعرت بنبضات قلب سريعة وارتجاف ودوخة وخوف شديد وكأن هناك خطر سيحدث، ومن بعد هذا اليوم دخلت في حالة اكتئاب شديدة وكنت أبكي طوال الوقت من تأنيب الضمير والخوف من عقاب الله، وأصبح جسمي يتحسس من الأصوات ويتألم لأي صوت، وأشعر كأن أحدًا يمسك برجلي ويدي ويشد عليهما، وفقدت قدرة التواصل مع البشر حيث لا يمكنني التحدث أو القدرة على النظر في وجوههم مباشرة لأن ذلك يزيد من الأفكار الوسواسية، وكانت الأفكار الوسواسية تتكرر كثيراً لدرجة أن أنطقها بإرادتي أو وقت الغضب خاصةً حينما أستيقظ من النوم، وكنت أخاف من عقاب الله لدرجة أني أتحاشى الأكل لأني أظن أن الله غاضب مني وسيسممني! وأتذكر حينما ظننت أن باب غرفتي مقفل فظننت أن الله سيقبض روحي وهو غاضب عليّ فانهرت باكيةً.
يئست كثيرًا ولم أبدأ بالتشافي إلا حينما سافرت بلدة أخرى وانغمست في اللحظة وتناسيت المرض قليلاً، لكن لازالت تنتابني نوبات هلع وأفكار وسواسية بشكل خفيف إلى متوسط، ووقتها كانت أول سنة لي في الجامعة فذهبت مني الأعراض بشكل كبير وصرت اجتماعية وأتواصل مع الناس بشكل طبيعي، ولكن وقت التوتر والقلق والغضب تخرج مني كلمات مسيئة للدين حتى إن كان الموضوع لا يتعلق بها ولا أعلم ما السبب.
بعد سنة منذ أن سافرت شعرت أن المرض اختفى مني تماماً، ولكن للأسف عاد لي بعد فترة قليلة حيث كنت لوحدي في الحمام أتوضأ وتذكرت موقف الصدمة الذي حدث لي في البداية فانهرت باكيةً من تأنيب الضمير وشعرت أنني في خطر، حاولت أتناسى ونجحت في ذلك، ولكن بعد ٥ أشهر حدث لي موقف أنني كنت أتحدث مع صديقتي وغضبت فخرجت مني كلمة أدرك أني قلتها وأنا واعية (ولكن لا أعي معناها) ولا أعلم لما قلتها فانهرت بعدها وبكيت واستغفرت، ولكن حتى بعد شهرين لم أستطع تجاهل تأنيب الضمير ودخلت في نوبة من الاكتئاب وتأنيب الضمير والوسواس القهري، وقام الطبيب النفسي بتشخيصي وقتها بوسواس قهري واكتئاب وأعطاني "بروزاك" و "زاناكس" إلى ثلاث جرعات، وشعرت بتحسن في المزاج وقلت الأفكار قليلاً، ثم أضاف لي مضاد ذهان وهو "ريسبردال" ولكن شعرت منه بآثار جانبية قوية كالارتعاش والدوخة وعدم الانتظام في الكلام بشكل يؤثر على حياتي اليومية فقمت بقطعه.
المشكلة أنني الآن اصبحت أسب الدين بإرادتي حيث يأتيني حديث نفس ويهيئ لي كأن الدين ظالم فأقوم بالسب _والعياذ بالله_ وبعدها يأتيني تأنيب ضمير ولا أصدق أني قمت بالسب برغم أني سبيت بوعيي، وأيضا أقوم بالسب وقت الغضب (لا أعلم لماذا!) لكن تأنيب الضمير يقتلني وأشعر بأن حياتي انتهت.
آخر عرض لاحظته هو أنني حينما أستيقظ من النوم وأكون متعبة أسمع أصوات كشيء يسقط أو إزعاج كأنها حقيقية لكن غير موجودة، وحدثت لي ثلاث مرات على أوقات متباعدة خلال شهرين، ولا أعلم إن كان هذا ذهاناً أم مجرد أوهام ومضاعفات للمرض، ولكني لازلت مستمرة على الدواء، ولكن قطعت مضاد الذهان. أرجو الإفادة.
13/8/2020
رد المستشار
من الوساوس وسواس يعرف بوسواس كفرية، عندما يكون مسيطراً ومستحوذاً على تفكيرك يصبح "وسواس الكفرية" اضطراباً نفسيّاً أشبه بمرض القلق والذي يمكن أن يؤثر سلباً على حياتك، وقد يمنعك من ممارسة مهامك اليومية والعيش بطريقة طبيعية، ويمكن القول أن هذا الوسواس قلق، فأعراضه يمكن أن تكون على شكل نوبات من الهلع تشمل الخوف الشديد والخوف من فقدان أحد الأقرباء أو حتى الذات والعزلة والأرق وفقدان الشهية.
بما أن الوساوس تستحوذ على أفكارنا ومشاعرنا، ولكن نستطيع أن نتخلص أو نتجاوز هذه المشاعر والأحاسيس وهنا تكون المعاناة أو الأعراض في لحظتها في الحدود الطبيعية ويعرف هذا الوساوس، ولكن يصبح هذا الوسواس مشكلة حينما يسيطر على حياتنا ويتحكم بها تماماً، وهنا لابد من العلاج.
رسالتك في طياتها ألم وحسرة وخوف ومشاعر اكتئاب وأحاسيس بالذنب وتأنيب الضمير.
أود أولاً أن أطمئنك أن كل تلك الأفكار والنزعات والصور هي أعراض مرضية، وليس عليك أن تشعري تجاهها بالذنب أو بتأنيب الضمير على الإطلاق.
ثانيا: تعرف هذه الوساوس الكفرية وتتمثل بالسب واللعن والألفاظ النابية وخاصةً التي تتعلق بالدين أيا كانت الفكرة أو الصورة، وأحياناً تكون الوساوس على شكل إصدار صوت أو صراخ أو تلفظ بكلمات نابية أو التصرف بشكل غير لائق.
ابنتي، لا ضير عليك فأنت لست محاسبة على ما تتلفظين به سراً أو أمام نفسك، فالله أعلم بما في نفسك وهو الرحيم، لكن بشرط ألا تتلفظي أمام العامة.
لا يمكنك محاولة تجاهل أو إيقاف الوساوس، وكلما تحاولين ذك يزيد الضيق والقلق، وفي نهاية المطاف تشعرين بأنك مدفوعة لأداء الأعمال القهرية في محاولة لتخفيف التوتر كما هو الحال معك.
ما أنصحك به هو عدم دفع أو مقاومة الوساوس لأنك لن تستطعي ذلك، لكن إهمال وجودها وإهمالها وعدم التعامل معها لأنك سوف تنخرطي بداوامة لا نهاية لها، وهنا تأتي حنكة الطبيب المعالج في احتواء الوساوس التي تعاني منها في كيفية التعامل والتخفيف وعلاجها.
لا أنصحك بعلاج المراسلة، وإنما يحتاج الأمر أن تشدي الرحال وتعزمي الأمر على أن تطرقي باب العلاج، ولن يتأخر الطبيب أو الاختاصي في معالجتك... ابدئي بخطوة أولى وهي تقتك بالله وبنفسك وبأن هناك علاج لحالتك.