تحولت من المثالية إلى أسوأ إنسانة
باختصار كنت قبل سن الـ ١٨ فتاة مثالية في الدين وبر الوالدين والدراسة والجمال والسترة، وأصدقائي كانوا يحبونني، لكن لدي والدة رغم حبها لي لم تشعرني يوماً أني على الطريق الصحيح فكانت تمنع ذهابي للجمعيات الخيرية والاجتماعية، وأصدقائي كانوا يضغطون عليَّ لأدخل في علاقات عاطفية مثلهم، وفي آخر سنة في الثانوية أثناء دخولي أول علاقة حب (أو هوس) كنت قد بدأت أتخلى عن مبادئي تدريجياً لكني كنت أندم وأتراجع وأخطئ ثانيةً مثل قبلات وأشياء لم أتخيل فعلها في حياتي، بعدها رغم سرية معصيتي بدأت أخسر أصدقائي والشخص الذي أحببته وكل الطمأنينة التي كنت أعيشها إلا صديقتين متدينتن بقيتا معي.
وفي الجامعة تكرر نفس الموضوع حيث كنت أبدو الأجمل والأذكى وأنيقة مع السترة والأدب والكل يحبني، إلى أن جاء يوم واستفرد بي ابن عمي المتزوج بحجة أنه سيجعلني أبتعد عن ضغط الدراسة فأخذني إلى ملاهي الأفال واستمتعت كثيراً، وكان يتقرب إليَّ جنسيا لكني كنت جاهلة تمام أو كأني في غيبوبة، ورغم صدي المتكرر وإصراره لم أجد مهرباً، ورغم رفضي الشديد لإقامة علاقة معي لا أذكر سوى أنني كنت أبكي وأقاوم تارة وأتعب أخرى إلى أن استسلمت خوفاً من أن يفضحني بتهديده أنه صور لي فيديو، واستفرد بي مرتين ونال مراده، حاولت أن أشتكي لكني كنت أخاف من الفضيحة خاصة أن القانون لا يحمي المغفلين، وخفت من أن يصبح والدي قاتلاً فحافضت على السر مع الندم والصلاة والدعاء.
سرعان ما أحببت بعد ذلك،أردت أن أنسى حزني فعشت فرحة عارمة بحب برئ، كان أستاذي واكتشفت أنه متزوج بعد تعلقي الشديد به، وكان منفصلاً عن زوجته وأقنعني أنه يحبني وسيتزوجني، عشت الحلم ولكني استسلمت تدريجياً له، كنت أندم كل مرة وأقاوم لكن عدت للخطأ مراراً و تكراراً دون نية مسبقة، لوم تحصل علاقة كاملة فقد كنت أظن أني لازلت عذراء وهو لم يرد أن يسلبني عذريتي، إلى أن اكتشفت يوماً أني فقدتها ولم أعرف كيف لأني كنت جاهلة تماماً بكل هذه الأمور للأسف، قررت بعد ذلك أن أفهم كل هذه الأشياء لكن في وقت متأخر، وبدأت أقرأ وأسأل فوجدت نفسي ألعب دور الفتاة الساذجة المضحوك عليها، ولو كنت أعلم بعض الذي يعرفه الفتيات في سني لربما كنت أنقذت نفسي.
دام ألمي وندمي، وكنت كل يوم أبكي وأصلي وأدعي وأتوب وألعن نفسي، لكني لازلت في نظر أهلي وأصحابي الفتاة البريئة الطاهرة، وأحياناً أنسى أخطائي في هذه الأثناء.
كنت متفوقة في دراستي لكني كنت دائماً غير راضية عن نفسي وأشعر بالتهاون، وخسرت كذلك أغلبية الأصدقاء ومحبتهم، فرغم ستر الله من الفضيحة كنت أشعر أنه يحكى عني كلام يسئ لي ويهتك عرضي.
تبت وعدت إلى نفسي وتخرجت وسافرت إلى أوروبا ولازلت أندم وأبكي وأخاف من كل علاقة أبدأها وأتراجع بسرعة وأرفض المتقدمين لي... أحمد الله أنه سترني لكني وقعت في الحب مرة أخرى لأكتشف بعدها أنه أيضاً متزوج لكني لم أخطئ هذه المرة، وبعدها استدرجني صديق وعدني بالزواج، ورغم رفضي تمكن من الوصول إلى مبتغاه، ورغم إصراره على الزواج تركته.
حياتي المهنية والدراسية في تراجع رغم محاولاتي الانشغال بها، وكل مرة يأتي معجب يصر على التعرف والزواج، ورغم كل رفضي يقاوم ويجعلني أفكر أو أعطي فرصة، لكني أتراجع بسرعة وخاصةً إذا بدأ التقرب الجنسي أو التلميح، ولم أقبل يوماً بأي من تلك العلاقات، ولازلت لا أريد رغم أنه تغلبني أحياناً رغبة جنسية أطفؤها بالعادة السرية وأحاول تجنب أي علاقة جديدة.
ذنوبي تراكمت رغم توبتي الدائمة، أخطائي في الآونة الأخيرة كثرت وقلت حكمتي وتراجع ذكائي وإنتاجيتي في المنزل فتجد والدتي دائماً غاضبةً مني، وفي الدراسة أجد الأساتذة ملُّوا من تكاسلي، وأصدقائي يبتعدون عني، وصلاتي تارةً أواظب عليها وتارةً أنساها، والكل يغضب من تصرفاتي رغم ستر الله على مساوئي، وأرغب في إنهاء البحث العلمي لكني لا أتمكن من الدراسة والإنتاج، أحاول أن أكون نافعة لكني أفشل والكل يغضب مني رغم نيتي الحسنة، لم أعد أشعر أني طيبة، أراني إنسانة عديمة الفائدة، عديمة الإحساس وضائعة.
لازالت عروض الزواج كثيرة بسبب جمالي وستر الله وبركاته، ولكني أرغب دائماً بالابتعاد عن كل من يظهر نيته الحسنة لأني أرى أني لا أستحقه، تعبت وكرهت نفسي، اشتقت إلى نفسي البريئة الطاهرة، أريد النجاح لأجل إسعاد والدي كي لا يذهب تعبهم سدى، لا أريد أن أكون سيئة مكروهة مطرودة من رحمة الله بعد أن كنت من حفظة القرآن ومن الناس الصالحين الطيبين الذاكرين لله، أريد أن أتحدث لكن ذنوبي أكبر من الاعتراف بها لأي بشر كان.
أريد أن أبدا بإصلاح حياتي، لا أتمنى الموت ولا العيش مع هذا الندم القاتل والخوف من الفضيحة،
أريد أن أسعد والدي وأن تعود البركة لحياتي.
22/8/2020
رد المستشار
صديقتي
غريب جدا أنكِ من حفظة القرآن ومع ذلك تفكرين وكأنك لم تقرئي قوله تعالى "إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً".
طيبة القلب ليست سذاجة أو قلة معرفة بالجنس، والنقاء هو نقاء القلب ولا يتلوث بالدخول في علاقات حب... ليس من المعقول أو المنطقي أن تلخصي شخصك وقيمتك في جسدك أو جزء منه... ليس من المنطقي أو المعقول أو الإيماني أن تُغلق أبواب التوبة أو الغفران بسبب أخطاء في الماضي وكأن المطلوب من الإنسان أن يكون كاملاً خالياً من الأخطاء أو سوء الفهم لمجرد أنه تعلم أو قيل له ما الطريق السليم وبسطحية مبالغ فيها... الطيبة والإيمان والاستقامة لها معانٍ أعمق بكثير مما تعتقدين.
هناك فرق كبير بين الحب والاستغلال الجنسي باسم الحب.... الرجل المتزوج نادراً ما يكون صادقاً في كلامه عن الزواج لأن المجتمع الشرقي الإسلامي أباح التعددية في الأزواج بدون ضمير، أباح الزواج على الزوجة في السر، وبالتالي أباح الكذب والخداع والخيانة في حين أن الصدق هو أهم ما يطلبه منا الله (الصدق مع أنفسنا ومع الله ومع الآخرين بقدر المستطاع).
هناك تضارب في أفكارك: من ناحية تريدين العفة والاستقامة، ومن ناحية أخرى تصدين من يريد التقدم لخطبتك أو من يبدي إعجابه بك... بدلاً من أن تخافي من العلاقات، ضعي لها قوانين تحميك... لا تختلي بشخص ما إلا إذا أردت ذلك مع معرفتك بكيفية صده إذا ما تخطى حدوده... فكرة أنه "ما اجتمع رجل وامرأة إلا وثالثهما الشيطان" ليست قاصرة على مسألة الجنس، وإنما فيها أيضاً أن الشيطان يستغل الاختلافات الطبيعية بين الرجل والمرأة لكي يخدعهما ويثير العداوة والشك والبغضاء بينهما... الحب والاختلاء مع الحبيب قد يكون في مكان عام بدون جنس، وليس هناك خطيئة في الحب، ولكنك تستخدمين كلمة الحب وكأنها مساوية للانجذاب أو الإعجاب... تقولين "أحمد الله أنه سترني، لكني وقعت في الحب مرة أخرى لأكتشف بعدها أنه أيضاً متزوج".. كيف تقعين في الحب قبل أن تعرفي أصله وفصله؟؟؟ تقولين أيضاً "استدرجني صديق وعدني بالزواج، ورغم رفضي تمكن من الوصول إلى مبتغاه، ورغم إصراره على الزواج تركته" ما هذا بالله عليك؟ إن كان مُصرًّا على الزواج فلماذا تركته؟؟ ولماذا تمكن من الوصول إلى مبتغاه رغم رفضك؟؟ لماذا تضعين نفسك في هذه المواقف أصلا؟؟؟؟
التراجع عند التلميح بالجنس هو شيء جيد، ولكن لماذا لا تتعلمين أن تكوني جميلة وقوية في نفس الوقت بحيث لا تجدي المحاولات الاستغلالية الكاذبة؟؟ عليك تعلم مهارات الحوار والدفاع عن النفس (نفسياً وجسدياً) وتقبل فكرة أنك لن تستطيعي إرضاء الجميع، وأن تقبلي أن يغضب منك البعض (خصوصاً من يودون استغلالك).. فليذهبوا جميعاً إلى الجحيم.
عموماً أخطاء الماضي يجب أن تظل في الماضي، ولا يصح أن تجعليها تغلق جميع أبواب الرحمة، ولا يصح بسببها أن تقولي أنك لا تستحقين من يتقدم لخطبتك أو الزواج منك... لقد أخطأ الرسول الكريم محمد بن عبد الله _عليه الصلاة والسلام_ والذي نكاد نحن معشر المسلمين أن نجعله إلهاً، ثلاثة أخطاء واضحة بنص القرآن الكريم (عبس وتولى.... لمَ تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك... وتخفي في نفسك ما الله مُبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)... وأخطأ داوود وسليمان ويونس عليهم السلام.... إذا كان الأنبياء يخطئون وهم من هم، وعليهم ما عليهم من المسؤولية، فكيف بنا نحن البشر العاديين؟
لو لم نخطئ لما كان من الصفات الإلهية والأسماء الحسنى ؟الرحمن الرحيم الغفور الغفار التواب العفو (الجبار والمنتقم هما اثنان فقط من تسعة وتسعين ويزيد)"... كفي عن التفكير والإيمان السام الذي يرتكز على أبيض أو أسود، الكل أو اللاشيء، الكمال أو الانحطاط... لم يطلب منا الله هذا ولكننا نشرك به من يطلبون منا هذا.
افصلي بين الماضي وبين ما يجب فعله الآن لبناء المستقبل، وإلا فإنك ستعيشين دوماً في الماضي، ولن يكون لك حاضرٌ أو مستقبلٌ يذكر... لا علاقة بين كل التاريخ الذي ذكرته بين إنجازك في العمل والدراسة والمنزل.... ما يجعل أخطائك تكثر في الآونة الأخيرة هو جلد الذات ولوم النفس المستمر.. كيف يأمل في تحسن من نخزيه يوميا وفي كل لحظة؟! القليل من الرحمة والرفق بنفسك سوف يعدل الموازين مرة أخرى... لن يقدر أي إنسان أن يساعدك إن لم تقرري أن تساعدي نفسك... ألا تستحق من نفخ الله فيها من روحه (مثلنا جميعا) فرصة جديدة؟
أنصحك أيضاً بمراجعة معالجة نفسانية لمناقشة فكرتك عن نفسك وتصحيح مفاهيمك ووضع خطة واضحة للتركيز على الحاضر والمستقبل.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.