معاناتي مع القلق والتوتر
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله... بعد التحية، سيدى الفاضل أرجو المساعدة والإفادة.
مبدئياً أنا مصري أعمل سكرتير بإحدي دول الخليج منذ 7 سنوات، ومشكلتى هي في التوتر الدائم والزائد عن الحد، فأنا دوامي 9 ساعات يومياً تكاد تكون كلها 9 ساعات من الهم والتوتر (لا أعلم توصيفه بالضبط هل هذا توتر أم خوق أم قلق).
لكون مهنتى سكرتير فإن مكتبى بجوار مكتب مديري مباشرةً، وأريد أن أذكر بعض الشيء عن هذا المدير، فهو صعب المراس إلى حد كبير، وذو صوت مرتفع دائماً، وكل شيء عنده هو العمل، ويقضي دوامه كله في عمل متواصل بلا راحة، علاوةً على صوته المرتفع باستمرار كما ذكرت سابقاً فهو الصوت المسوع الواضح دائماً في ذلك الطابق... أما أنا فشخص هادئ غالباً، وكم العمل لديَّ قليل إلى حد كبير، ونتيجة ذلك التفاوت في عملي وعمل مديري فأنا دائماً في ترقب وتوجس مما هو قادم أو ما سيوكل إليَّ من عمل، وهذا الترقب أكاد أسميه "قلق دائم" ومع ذلك عندما توكل إليَّ أي مهمة يزداد توتري وكأنها مهمة طارئة أريد أن أنجزها بسرعة لكي لا يكون لدي مهام مُعلَّقة تسبب لي القلق أو التوتر.
وأيضاً لكي لا أتأخر على المدير الذي يكون سؤاله العادي بصوت عالي يخيفك، لذا فإنني أحب أن أنجز أي شيء يوكله لي وبسرعة، فمجرد أن يسألني فذلك يقلقني ويوترني، وأنا أيضاً أحمل هم حتى أن يسألني وأقلق بشأن ذلك، بل لو أن هناك شيء سيحتاج بعض الوقت أجتهد في التفكير في الرد "ماذا سأقول كي تكون إجابه مقنعة ولا أظهر بمظهر المتراخي لأتجنب التوبيخ والذم الذي يؤثر عليَّ بشدة وأحاول جاهداً تجنبه".
أصبح ذلك التوتر ديدني، فلو لدي عمل أقول لنفسي يجب عليَّ أن أنجزه بسرعة لاسترضائه، خاصةً وأن كل شيء يريده أن يكون بسرعة، ولو ليس لدي عمل أظل متوتراً قائلاً لنفسي "ترى ماذا سيطلب مني الآن؟ وهل سيكون هذا الطلب سهل التنفيذ أم معقد (أحياناً تكون بعض الطلبات خارج الشركة وجديدة وأول مرة أقوم بعملها ولا أستطيع تنفيذه)؟ وكيف إذا طلب مني شيء الآن وأنا متوتر هكذا ولست في أحسن حالاتي؟ فمن الممكن أن أفهمه خطأ وبالتالي أُخطئ في تنفيذه أو أن توتري هذا يجعلني أُغفل شيء مما قد يسبب مشكلة كبيرة أو خطأ كبير".
وعلى هذا يا سيدي فإن وقتي كله في توتر، فإذا سمعت خطواته بالخارج أو سمعته صوته العالي في التليفون يصيح (ولكن مع شخص آخر) يزداد ذلك التوتر، فمجرد سؤاله لي أو اتصاله بى يزيد من توتري، بل أيضاً أنا أجلس حاملاً هم أي سؤال سوف يوجهه لي (وقد يمر يومين أو ثلاثة دون أن يسألني عن شيء، ومع ذلك فأنا في ترقب دائم).
وقد سبب هذا التوتر كثيراً آلاماً في الرقبة والكتف، وكان قديماً هذا التوتر ينتهي بعد العمل، ولكن الآن بعد العمل وفي البيت وفي حياتى اليومية أظل أشعر بتأثير هذا التوتر (شعور بالهم وعدم تركيز وبعض التفكير وبعض القلق) بل وبعض الحركات القهرية كأن أكرر الفعل بيني وبين نفسي أكثر من مرة مثل: زحزحة في جلستي على الكرسي، تكرار بعض الجمل في داخل نفسي، هز وتحريك كتفي لأعلى ثلاث مرات وأكثر، الضرب الخفيف على المكتب لثلاث مرات متتالية أو أكثر، التأكد من الشيء أكثر من مرة أو مرات عديدة كالأرقام مثلاُ أو التواريخ مع تأكدي من صحتها ولكن لأ أستطيع أن أمنع نفسي.
قرأت الكثير من كتب التنمية البشرية وتحفيز الذات والثقة بالنفس وعلاج التوتر والقلق، وقد ساعدتني كثيراً على فهم نفسي ووضعي، ولكن لم أصل للتغير المطلوب أو سكينة النفس.
ولكي لا أظلم نفسي أو أظلم ذلك المدير فإن هذه القلق أو التوتر ليس وليد هذ المهنة، فهو له معي تاريخ سابق وسأذكره كالتالى:
1- بداية شعوري بهذا الشعور كان في السنة الثالثة في الثانوي العام، وقبل الامتحانات بحوالي أسبوع أو عشرة أيام كانت بداية شعوري بهذا المشاعر الغريبة التي لم يكن لدي توصيف لها أو آنذاك فقد كنت متوتراً وقلقاً ومحبطاً وزاهداً في الطعام، وظهرت عليَّ علامات النحافة ولا أدري ما هذا ولماذا أشعر بهذه المشاعر مما أثر على نتيجتي في الثانوية بشكل كبير.
2- بعض الأحيان أثناء امتحانات الجامعة ولكنها لم تكن بنفس الدرجة السابقة.
3- عملت بعد تخرجي من الجامعة في مطعم بجوار قريتي لمدة شهر، وانتابتني هذه المشاعر بقوة لدرجة أنني لم أكن أنام ليلاً إلا قليلاً جداُ وأستيقظ فجراُ ولا أنام بعد ذلك مع أن العمل يبدأ في العاشرة صباحاُ وينتهي قرب منتصف الليل وكانت كلها بسبب التفكير في العمل والخوف الشديد من الفشل.
4- عملت بعد ذلك في مجال الفنادق في شرم الشيخ (تبعد عن بلدتى 500 كيلومتر) لمدة 6 سنوات، وكانت تنتابني بعض مشاعر القلق والتوتر، وكان يصحبها أيضاً زهد في الطعام ولكن لأيام قليلة وعلى فترات متباعدة..
5- أتت بعد ذلك فترة الخطوبة فكانت تنتابني هذه المشاعر على فترات متقاربة نتيجة لشعوري بالذنب لحدوث بعض القبلات واللمسات مع خطيبتي (قبلات ولمسات فقط) ثم زالت بعد الزواج إلى أن أتممت متزوجا عاماً كاملاً ولم يحدث حمل في هذه الفترة، وبالمتابعة مع الدكتور كان هناك أوقات لابد أن أكون متواجداً فيها مع زوجتي وتتطلب ذلك تكرار طلب الإجازات مما كان له بعض التأثير على العمل، وأصبح بعد ذلك يسبب لي ضغطاً كبيراً بسبب الزوجة التي تريد مني الحضور وبسبب العمل الذي أصبح يُنظر إليَّ فيه على أنني مقصرٌ بسبب كثرة طلبي للإجازات.
وكانت هذه بداية المعاناة الحقيقة من توتر شديد ومستمر أثَّر كثيراً على عملي من عدم ثقة في النفس ومراجعة العمل أكثر من مرة وتكرار التأكد من غلق الباب وأنبوبة الغاز والزهد في الطعام وكثرة تفكير، ثم قدمت بعد ذلك استقالتي وتركت عملي ظنا ًمني أن كل هذا الذي أعانية هو قطعاً بسبب العمل وكثرة مشاكله، وبعد أن تركت العمل مكثت في المنزل وقلت لنفسي "الحمد لله، سأرجع لحالتي الطبيعة" ولكن ما حدث كان العكس، فمع جلوسي بدون عمل ظلَّ الأمر كما هو، بل ازداد سوءً بعض الشيء لعدم انشغالي بأي عمل، وبالتالى زاد الوقت وكثرة التفكير وكثرة التأمل.
ثم بعد ذلك سافرت إلى الخليج وكان كل همي أن أعمل في وظيفة بسيطة لا تتطلب مهارات عالية نتيجة لضعف ثقتي في نفسي، فكانت هى مهنة سكرتير التي أنا فيها الآن، وما أنا فيه من معاناة كما ذكرت في أول خطابي.
أود أن أذكر أيضاً أنه على الرغم مما أنه فيه لا يكاد أحد يعرف أنني أعاني من أي شيء، بل بالعكس فأنا في عيون البعض أعيش حياة مثالية _أحمد الله طبعاً على كل حال_ ولكن لا أحد يعلم ما بداخلي حتى أقرب الناس لي.
طبعاً نحمد الله على كل حال فما أنا فيه هو أحسن مما فيه آخرون، ولكن أود التالي:
أولاً: تشخيص لما أعانيه، هل هو توتر؟ أم قلق؟ أم خوف؟ أم ماذا؟.
ثانياً: الإفادة بالنصيحة، وماذا أفعل لكي أصبح هادئ النفس مرتاح البال متفائلا ومقبلا على الحياة، وإذا كان الأمر يتطلب مساعدة من متخصص هل يمكن أن يتم العلاج خلال شهر أو شهر ونصف أثناء إجازتي في مصر لارتفاع تكلفة العلاج النفسي هنا؟
أرجو الإفادة،
ولكم جزيل الشكر.
5/9/2020
رد المستشار
عزيزي...... ما ذكر في رسالتك هو القلق وبعض من الأعراض الوسواسية ...
أنت شخص جاد وإنسان عملي تستحق التقدير.... بل مثابر ومكافح رغم ما ورد في رسالتك من ضغط وإجهاد شديدين... وما يزيد هذا أن من يرأسك، من خلال شخصيته وتعامله مع طبيعة العمل، ترى أنه له تأثيراعليك مما يسبب لك الارتباك والحيرة أثناء عملك كسكرتير..
فأعراض القلق والتوتر والتوجس الذي ينتابك ليس قلقا مرضيا وإنما نوع من القلق الصحي الذي يجعلك مبدعا ومتفانيا في أداء عملك..ولولا هذا القلق لما كنا موظفين ومهندسين وأطباء... إلخ. لكنك تجهد نفسك أكثر من اللازم، وتأخذ الأمور بنوع الحساسية المفرطة حتى تكون نموذجا للسكرتير الجاد وهذا شيء طيب بل رائع... ومن خلال رسالتك يبدو أن القلق بل الهمة والجدية منذ كنت طالبا، ثم عملك في أماكن بعيدة عن الأسرة... وهذا شيء طبيعي لا غبار عليه...
أما الأعراض مثل تكرار الحركة وتكرار الجمل وتحريك الأكتاف والضرب على المكتب مع العد للأرقام والتواريخ... هي أعراض لسلوك وسواسي لكن لا يرقى لتشخيصه إلى مرض وسواسي أو قهري... المهم لابد من تغيير نمط حياتك العملية وترتيب وجدولة كل ما يتعلق بطبيعة عملك كسكرتير..
حاول الآتي:
• التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة
• أخذ إجازة للترويح عن نفسك والخروج مع أسرتك
• ممارسة أنشطة ممتعة أو مهدئة، مثل الهوايات، والمشي أو السباحة
• تذكر نجاحاتك، ولا تركز فقط على إخفاقاتك وفشلك.
• كلما شعرت بالارتباك تذكر الهدوء "وخذ نفساً عميقا... بأخذ شهيق عميق وحبسه لثوان ثم زفير ببطء، ويكرر ذلك عدة مرات يوميًا".
• كافئ نفسك، عندما يكون أداؤك الاجتماعي جيداً.
• الاسترخاء: تساعدك على تقبل الموقف قبل التعرض للموقف.
ويضيف د. وائل أبو هندي الأخ الفاضل ميدو أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، ليست لدي إضاف بعد ما تفضل به أ.د نبيل نعمان إلا الإشارة إلى أن مدة شهر ونصف ستكون كافية لوضعك على بداية طريق التغير بعد تأكيد التشخيص وتعليمك المهارات اللازمة لتبدأ التدرب عليها.
واقرأ على الموقع :
قلق الأداء في بداية الممارسة المهنية
قلق الأداء دور الإندرال والم.ا.س.ا
نغم وقلق الأداء
اضطراب القلق المتعمم GAD